logo

تحليل عندما تتعثر الصين لن يسقط العالم معها

10 ديسمبر 2021 ، آخر تحديث: 10 ديسمبر 2021
عندما تتعثر الصين لن يسقط العالم معها
تحليل عندما تتعثر الصين لن يسقط العالم معها

التباطؤ السريع المفاجئ في الصين يثير تحذيرات مألوفة مفادها، أينما تذهب الصين يتبعها الاقتصاد العالمي. لكن الصين قد لا تكون مهمة بقدر ما كانت عليه في السابق.

منذ وقت ليس ببعيد كانت معظم الاقتصادات تنمو بشكل وثيق مع الصين. لكن في الأعوام الأخيرة ضعفت هذه الروابط، ثم انهارت أثناء الوباء. وبشكل ملحوظ انخفض الارتباط بين نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين والأسواق الناشئة الأخرى منذ 2015 من النسبة شبه المثالية "أكثر من 0.9" إلى نسبة بالكاد تكون ملحوظة "أقل من 0.2)" في الربع الثاني من هذا العام نمت الصين بشكل أبطأ بشكل ملحوظ من الأسواق الناشئة الأخرى للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، وهو ما قد يكون علامة على أشياء آتية في الطريق.

تعمل بكين على احتواء الوباء واتخاذ إجراءات صارمة ضد القطاعات الاقتصادية الحرجة وديون الشركات المرتفعة، مع عدائية لا مثيل لها من قبل أي حكومة أخرى. يقطع هذا شوطا طويلا لشرح سبب تباطؤ الصين بهذه السرعة الآن، في حين أن بقية العالم لا يتباطأ بالسرعة نفسها. لكن العلاقة بين النمو في الصين والاقتصادات الأخرى بدأت تتلاشى منذ نحو خمسة أعوام، لذلك قد تعكس هذه اللحظة قوى أعمق محتملة.

الأولي هي الحرب الباردة التجارية الجديدة. كانت الصين تتجه نحو الداخل، بحيث يحل نموذج يقوده المستهلكون المحليون محل النموذج الذي تقوده التجارة. انخفضت الصادرات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للصين من أكثر من 35 في المائة قبل 2010 إلى أقل من 20 في المائة اليوم. في 2015 أطلقت بكين خطة "صنع في الصين 2025"، وهي حملة لزيادة الاكتفاء الذاتي من خلال شراء مزيد من الإمدادات وتطوير المزيد من التكنولوجيا محليا.

ردت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترمب بالعمل على "فصل" الصين. منذ ذلك الحين، اتخذ الرئيس جو بايدن وعديد من منتقدي ترمب في أوروبا موقفا مماثلا - وعززوا تلك الجهود خلال الوباء. هذا يعني شراء مزيد من الإمدادات من المنافسين التجاريين للصين مثل المكسيك وفيتنام وتايلاند.

شكلت الصين نحو 35 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في الأعوام التي سبقت الوباء، لكن هذه الحصة تراجعت في 2020 وهي الآن نحو 25 في المائة. كانت الصين لا تزال تنمو أسرع مرتين من متوسط الأسواق الناشئة الأخرى قبل خمسة أعوام، لكن هذه الفجوة تضاءلت. في مواجهة الانكماش السكاني والديون الهائلة، من المرجح أن تنمو الصين بشكل أبطأ من الأسواق الناشئة الأخرى في الأعوام المقبلة.

في الوقت نفسه، تكتسب محركات النمو العالمية الأخرى زخما، وكل منها يرفع مجموعة مختلفة من الدول بطرق مهمة. تعمل الثورة الرقمية على زيادة الطلب على أشباه الموصلات وغيرها من المنتجات عالية التكنولوجيا، ما يعزز الصادرات من الأسواق الناشئة المتقدمة مثل تايوان وكوريا الجنوبية. وتتحدى تدفقات البيانات المتزايدة التباطؤ في التجارة العالمية وفي الصين.

تعمل تكنولوجيا الإنترنت عبر الهاتف المحمول على تغيير اقتصادات الأسواق الأكبر والأقل تقدما، بما في ذلك إندونيسيا والهند، حيث زادت الإيرادات الرقمية أكثر من ثلاثة أضعاف كحصة من الناتج المحلي الإجمالي في الأعوام الأربعة الماضية فقط. الهند واحدة من الدول التي تتراجع فيها التجارة مع الصين كحصة من الاقتصاد.

يأتي جزء كبير من هذا التعزيز من الخدمات عبر الإنترنت التي تنمو بسرعة، وفي الوقت نفسه في جميع الأسواق الناشئة، بغض النظر عما يحدث في الصين. في جميع أنحاء العالم، تمثل تكنولوجيا الهاتف المحمول نحو 10 في المائة من نمو الدخل التراكمي وتتوسع هذه المكاسب بشكل أسرع في الأسواق الناشئة.

تتسبب الجهود المبذولة لاحتواء الاحتباس الحراري في حدوث "تضخم أخضر" في أسعار السلع الأساسية عن طريق الحد من المعروض الجديد من المواد الخام ورفع توقعات الطلب على "المعادن الخضراء" مثل الألمنيوم والنحاس. ويشكل ارتفاع الأسعار دفعة كبيرة لمصدري المعادن الخضراء التي تأتي بشكل رئيس من الأسواق الناشئة مثل بيرو وتشيلي.

قد يستمر الانفصال العالمي عن الصين. من المرجح أن تصمد الثورة الرقمية ومكافحة تغير المناخ والحرب الباردة الجديدة إلى ما بعد آثار الوباء ويمكن أن تبشر بعصر جديد من النمو في العالم الناشئ. خلال العصر الذهبي الأخير للأسواق الناشئة، بعد مطلع الألفية، ازدهر الكثير منها بشكل رئيس من خلال توريد قطع غيار أو مواد خام إلى الصين - التي كانت تعد "مصنع العالم" الصاعد. الآن، لديها مزيد من الخيارات.

القول إن الصين أقل أهمية لا يعني أنها غير مهمة. لا تزال الصين الشريك التجاري الرئيس لعدد من الدول أكثر من أي دولة أخرى ولا تزال أيضا المشتري العالمي الرئيس للسلع. مثلا، إذا انهارت حملتها لخفض ديون الشركات الضخمة، ولا سيما في قطاع العقارات، فإن الآثار ستكون عالمية لا محالة. لكن الهزات الأقل قد لا تكون مترتبة على ذلك. ربما عندما تتعثر الصين، لن يسقط العالم معها.

* كبير الاستراتيجيين العالميين لإدارة الاستثمار في مورجان ستانلي ومؤلف كتاب "القواعد العشر للأمم الناجحة".

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024