يطلق على العراق اسم "بلاد الرافدين" بسبب نشوء حضارته العظيمة على ضفاف نهري دجلة والفرات، إذ يشكلان المصدر الرئيس للثروة المائية التي دعمت تطور الحضارة وسط الصحراء.
ورغم تذبذب سقوط الأمطار منذ سنوات وقلة الواردات المائية من دول المنبع المجاورة، فإن العراق يعدّ من البلدان الغنية بالمياه الجوفية في عموم مناطقه، مما يتطلب خططا حكومية سريعة لاستغلال هذه الثروة الطبيعية، وفق مراقبين.
وبحسب ما ورد في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن مهندسا فرنسيا يدعى ألن غاشيت كشف عام 2018 من خلال دراسة قدمها إلى العراق، عن وجود طبقتين من المياه الجوفية المتجددة في العراق: الأولى بطاقة 10 آلاف مليار متر مكعب، والثانية 16 ألف مليار متر مكعب، تأتي من الصحراء العربية والأردن وتستقر في مناطق الصحراء غرب الفرات من محافظة الأنبار وحتى السماوة جنوبي العراق.
تلك الأرقام نفاها مستشار وزارة الموارد المائية العراقية عون ذياب في حديثه للجزيرة نت، ليكشف عن حجم الخزين من المياه الجوفية المتجددة الإستراتيجي في العراق، محذرا بشدة من الاستخدام الجائر لتلك الثروة المائية الطبيعية.
وقال ذياب إن "العراق يملك خزينا متجددا من المياه الجوفية يمكن تعويضه من خلال سقوط الأمطار، حيث يبلغ 5 مليارات متر مكعب، متوفر في طبقات متعددة من الأراضي العراقية"، مشيرا إلى أن "حجم المياه الجوفية الإستراتيجي غير محدد بشكل دقيق في الوقت الحالي، ولا يمكن استخدامه إلا في حالات الطوارئ لعدم إمكانية تعويضه".
وأشار المسؤول العراقي إلى أهمية المياه الجوفية في تعويض البلد نتيجة قلة سقوط الأمطار سنويا، محذرا من الاستغلال الجائر لتك المياه، داعيا لاستغلالها عقلانيا لتخدم البلاد في سنوات الجفاف المائي.
من جهته، يصف المهندس في الموارد المائية مخلد عبد الله الأرقام التي تحدث عنها المهندس الفرنسي بالخيالية والبعيدة عن الواقع بشكل نهائي، ويتفق مع حجم الاحتياطي الذي أعلنه مستشار الوزارة.
وقال عبد الله -في حديثه للجزيرة نت- إنه "لا توجد علاقة مباشرة بين مشروع الحزام والطريق الصيني الذي يعنى بعمليات النقل، وبين المياه الجوفية في المناطق العراقية من الجانب الفني، رغم أنهما يساهمان بدعم الاقتصاد الوطني".
ولفت إلى أن "المياه الجوفية العذبة هي سلعة نادرة ومطلوبة في جميع دول العالم، وجميع الأطراف تريد استغلالها بالشكل الأمثل".
ولا يقتصر الحوض الذي يستوعب المياه الجوفية في العراق على محافظة الأنبار غرب البلاد، بل هو مشترك بين المحافظات الوسطى والجنوبية، فلا يمكن وضع خطط استثمارية للمياه الجوفية، بل يمكن الاستفادة منها محليًا في إرواء المزارع والمواشي، كما يقول نائب رئيس هيئة استثمار الأنبار عبد اللطيف الحلبوسي، الذي أرجع ذلك إلى الوضع العام المناخي الذي يؤدي بين الحين والآخر لقلة حجم تلك المياه.
ويلفت الحلبوسي -للجزيرة نت- إلى أن "خزين المياه الجوفية الذي بدأ بالتناقص إلى نحو 25 مترا عمقا نتيجة قلة الأمطار، لا يتيح التوسع في الاستثمار الزراعي"، محذرا من الاعتماد على المياه الجوفية بدلا من نهري دجلة والفرات.
وتشير دراسة نشرت عام 2013 في موقع سكربت ريسيرش (SCRIP RESEARCH) الذي يعد واحدًا من أكبر المواقع المختصة بالشأن العلمي وأكثرها انتشارًا، إلى أن تدفق المياه في نهري دجلة والفرات نحو العراق سيستمر في التناقص مع مرور الوقت، وسيجف النهران تمامًا بحلول عام 2040 بحسب تلك الدراسة. ودعت الدراسة السلطات العراقية إلى اتخاذ تدابير جدية وسريعة للتغلب على هذه المشكلة.
هناك وجهة نظر أخرى يراها الأكاديمي في الاقتصاد الدكتور أحمد الراوي، وهي ضرورة الاستعانة بالشركات الأجنبية المتخصصة في استثمار مياه الهضبة الغربية الجوفية.
وقال الراوي -في حديثه للجزيرة نت- إن "مشروع الحزام والطريق الصيني يساعد في استثمار المياه الجوفية، شرط توفر الإرادة والعامل السياسي في تنمية المنطقة".
وبين أن تداخل الأسباب السياسية مع الاقتصادية أحد عوامل عدم تنمية الموارد الطبيعية في العراق واستثمارها لخدمة مجتمعه.
بدوره، يرى مستشار وزارة الزراعة العراقية الدكتور مهدي القيسي أن هناك ضرورة إيجابية لاستغلال المياه الجوفية لزيادة زراعة المحاصيل ذات الجدوى الاقتصادية التي تسهم في تحقيق الأمن الغذائي.
ويؤيد القيسي زراعة المحاصيل الإستراتيجية، مثل أشجار النخيل والزيتون والفستق الحلبي والحنطة التي تتمتع باستهلاك مائي قليل في الأماكن التي تكون فيها وفرة من المياه الجوفية، إضافة إلى أن تلك المحاصيل تتحمل ظروف البيئة وتساعد على تثبيت الكثبان الرملية.
ويتحفظ القيسي على مشروع الحزام الأخضر وإروائه من المياه الجوفية، كون الأحزمة الخضراء تستهلك الكثير من المياه، وجدواها الاقتصادية محدودة وهي متمثلة في الحفاظ على البيئة وتثبيت الكثبان الرملية، بينما زراعة النباتات الاقتصادية واستخدام تقنيات الري الحديثة كالري بالرش والري بالتنقيط -بحسب طبيعة المحصول أو النبات- ستكون مجدية اقتصاديا، فضلا عن انسجامها مع مفهوم تقنين وترشيد استخدامات المياه.
ويرجع ذلك إلى أن أزمة المياه متفاقمة في ظل التغيرات المناخية، والتي تسببت في انحباس الأمطار، إضافة إلى قلة الإيرادات المائية من دول المنبع.