logo

تقرير العالم على حافة هاوية غذائية

16 مارس 2022 ، آخر تحديث: 16 مارس 2022
العالم على حافة هاوية غذائية
تقرير العالم على حافة هاوية غذائية

 دفعت أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة إلى مستويات قياسية، إلى قيام عدد كبير من الشركات بتقليص إنتاجها إلى 45 في المئة من كامل طاقتها الإنتاجية، وامتد ذلك إلى شركات إنتاج اليوريا والأمونيا، التي تُعد أحد أهم مكونات الزراعة، وهو ما يؤكد خطورة الأوضاع الحالية على إمدادات الغذاء العالمي.

ويقول سفين هولسيثير مدير شركة "يارا إنترناشيونال" لإنتاج الأسمدة، "ليس الأمر في ما إذا كنا سنواجه أزمة غذائية، إنها ستكون هذه الأزمة كبيرة". فبعد أسبوعين من بدء الحرب، ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية الرئيسة المنتجة في المنطقة بشكل كبير، والمشكلة الأكبر هي القمح، وتشكل الإمدادات من روسيا وأوكرانيا ما يقرب من 30 في المئة من تجارة القمح العالمية، وهي الآن معرضة للخطر، وسجلت أسعار القمح العالمية أعلى مستوياتها على الإطلاق في وقت سابق من هذا الأسبوع.

ومشكلة رئيسة أخرى هي الوصول إلى الأسمدة، فمن الضروري للمزارعين تحقيق أهدافهم الإنتاجية للمحاصيل، كما انخفض الإنتاج في أوروبا بفضل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وهو مكون رئيس في الأسمدة القائمة على النيتروجين مثل اليوريا.

انعكاسات سلبية على الأسواق

في الوقت نفسه، يدق الوضع الحالي أجراس الإنذار لخبراء الصحة العالمية، فلم تتوقف الأزمة عند أسعار القمح، فقد ارتفعت أسعار الذرة وفول الصويا والزيوت النباتية. وقال وزراء الزراعة في دول مجموعة السبع إنهم "ما زالوا مصممين على القيام بما هو ضروري لمنع أزمة الغذاء والاستجابة لها"، لكن خوفاً من النقص المتوقع في بعض السلع، تتجه البلدان بالفعل إلى الداخل، ما قد يترك في النهاية كميات أقل من الغذاء للمحتاجين، وقد حظرت مصر أخيراً تصدير القمح والدقيق والعدس والفول وسط مخاوف متزايدة بشأن احتياطيات الغذاء في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، كما شددت إندونيسيا قيود التصدير على زيت النخيل، وهو أحد مكونات زيت الطهي وكذلك في مستحضرات التجميل وبعض السلع المعبأة مثل الشوكولاتة.

ودعا وزراء مجموعة السبع الدول إلى "إبقاء أسواقها الغذائية والزراعية مفتوحة والحذر من أي إجراءات تقييدية غير مبررة على صادراتها". وقالوا في بيان، "أي زيادة أخرى في مستويات أسعار الغذاء وتقلبات في الأسواق الدولية يمكن أن تهدد الأمن الغذائي والتغذية على نطاق عالمي، وبخاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً الذين يعيشون في بيئات ذات أمن غذائي متدنٍّ".

وسوف تتضرر الدول الغربية التي تتمتع بفرص أكبر للوصول إلى الزراعة، ولقد أصيب المستهلكون هناك بالفعل بالصدمة بسبب الأسعار المرتفعة، والوضع مهيأ لمزيد من التدهور في ظل التضخم المرتفع واتجاه البنوك المركزية نحو تشديد السياسة النقدية وما لذلك من انعكاسات سلبية على الأسواق.

روسيا وأوكرانيا والإمدادات الغذائية العالمية

وحتى قبل أن تشن روسيا حرباً في أوكرانيا، كان نظام الغذاء العالمي متوتراً، فقد أدت سلاسل التوريد المزدحمة وأنماط الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها، غالباً نتيجة لتغير المناخ، إلى دفع أسعار الغذاء بالفعل إلى أعلى مستوى لها منذ نحو عقد من الزمان، وكانت القدرة على تحمل التكاليف مشكلة بعد أن ترك الوباء الملايين عاطلين عن العمل.

ووفق بيان، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن عدد الأشخاص على حافة المجاعة قفز إلى 44 مليوناً من 27 مليوناً في عام 2019، وكشف عن أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، من شأنه أن يجعل الوضع أسوأ، فقد تراجعت أسعار القمح العالمية عن مستوياتها المرتفعة القياسية في الأيام الأخيرة، لكنها ظلت مرتفعة، ومن المتوقع أن تظل الأسعار على هذا النحو لبعض الوقت، وفقاً لمحلل السلع في "رابو بنك"، كارلوس ميرا.

ومن المرجح أن يعطل القتال موسم زراعة القمح، الذي يوشك أن يبدأ في أوكرانيا، وليس من الواضح أنه سيكون هناك عدد كافٍ من المزارعين لحرث الأرض، حيث يحمل الناس في البلاد السلاح، أو ما إذا كانوا سيتمكنون من الوصول إلى الآلات والمنتجات الأساسية الأخرى التي ستصل عادة عبر موانئ البحر الأسود. وقال ميرا، "لا أحد يخمن ما إذا كانت أوكرانيا ستكون قادرة على تصدير أي شيء لبقية هذا العام، أو العام المقبل، أو في المستقبل المنظور". وتمثل الدولة أيضاً نصف إجمالي صادرات زيت دوار الشمس، وأصبح الحصول على منتجات من روسيا في السوق العالمية أكثر صعوبة أيضاً، لأن الشركات لا تريد المخاطرة بالتعرض للعقوبات أو التعامل مع لوجستيات السفر بالقرب من منطقة حرب.

وتُعد روسيا وأوكرانيا بمثابة سلة غذاء لدول الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء التي تعتمد على الواردات، وسوف يتضرر كثيرون نتيجة لذلك. وقال نظام معلومات السوق الزراعية في تقرير حديث، إن "أي اضطراب خطير في الإنتاج والصادرات من هؤلاء الموردين سيؤدي بلا شك إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر وتقويض الأمن الغذائي لملايين الناس".

ارتفاع كبير في تكاليف الأسمدة

وتتجاوز أزمة التخمير القمح والزيوت، وتُعد روسيا، إلى جانب حليفتها بيلاروس، مصدراً رئيساً للأسمدة اللازمة لزراعة مجموعة واسعة من المحاصيل، لكن في الوقت الحالي، يتخلى الجميع عن مخزونهم. وتقول ديبيكا ثابليال، خبيرة الأسمدة في "اندبندنت كومودتي إنتليجنس سيرفيسز"، "لا أحد يريد أن يلمس منتجاً روسياً في الوقت الحالي، إذا نظرت إلى جميع التجار، وكل المشترين، فإنهم خائفون للغاية في ظل العقوبات القاسية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على روسيا".

ويتسبب سعر الغاز الطبيعي في تفاقم المشكلة، ويحتاج منتجو الأسمدة خارج روسيا وبيلاروس إلى الغاز لصنع منتجات قائمة على النيتروجين مثل اليوريا، والتي تستخدم عند بذر المحاصيل لزيادة الغلة وحتى لتعزيز لونها الأخضر الغامق، لكن هولسيثير، الرئيس التنفيذي لشركة "يارا إنترناشيونال"، يرى أن التكاليف أصبحت مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن استمرار العمليات على نطاق واسع، وأنه غير متأكد متى سيعود الإنتاج الأوروبي بكامل طاقته مرة أخرى. وأضاف، "هناك جزء كبير من الصناعة معرض لخطر عدم القدرة على توصيل المنتجات للمزارعين، وسيكون لذلك تأثير على غلة المحاصيل بسرعة كبيرة".

ولدى المزارعين الحافز الآن لدفع ما يحتاجون إليه للحصول على الأسمدة، لأن أسعار منتجاتهم آخذة في الارتفاع، ومع ذلك، ليس كل شخص لديه هذا الخيار، وتم تداول اليوريا بالقرب من 1000 دولار للطن المتري، أي نحو أربعة أضعاف السعر في بداية عام 2021.

أما البلدان التي ليس لديها إنتاج محلي للأسمدة قد تكافح للوصول إليها، مع عواقب وخيمة على نظام الغذاء العالمي. وتقول جوانا مينديلسون فورمان، الأستاذة بالجامعة الأميركية والمتخصصة في الحرب والطعام، إنه "لا يمكنك زراعة حقول ضخمة من القمح أو الشعير أو الصويا من دون أسمدة". وأضافت أن المزارعين في المكسيك وكولومبيا والبرازيل قلقون بالفعل بشأن النقص.

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024