logo

القمح سلاح دبلوماسي ..تحذيرات من «إعصار مجاعة»

06 يوليو 2022 ، آخر تحديث: 06 يوليو 2022
القمح سلاح دبلوماسي ..تحذيرات من «إعصار مجاعة»
القمح سلاح دبلوماسي ..تحذيرات من «إعصار مجاعة»

في غضون أشهر قليلة، أصبح القمح الذي طالما كان عامل سلام في فترات الوفرة، سلاحا دبلوماسيا في سياق الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما يهدد الأمن الغذائي لملايين البشر.
ويعاني أكثر من 200 مليون شخص في العالم جوعا شديدا بحسب الأمم المتحدة التي تخشى "إعصار مجاعة" جديدا جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد منذ بداية الصراع.
ويقول الاقتصادي الفرنسي برونو بارمنتييه مؤلف كتاب "نورير لومانيتيه"، إن "القمح يأكله الجميع، لكن لا يستطيع الجميع إنتاجه".
واليوم، هناك عشرات الدول فقط تنتج ما يكفي من القمح لتتمكن من تصديره: الصين هي أكبر منتج في العالم للقمح، لكنها أيضا مستورد رئيس لهذه الحبوب، إذ إن إنتاجها لا يكفي لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار شخص. أما الدول المصدرة الرئيسة، فهي روسيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوكرانيا.
وبحسب "الفرنسية"، يعد القمح الذي يستهلكه مليارات الأشخاص والمدعوم في دول كثيرة، "الحبوب الرئيسة للأمن الغذائي العالمي"، كما يؤكد سيباستيان أبيس، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس (إيريس). أما الذرة "فتستخدم قبل كل شيء لتغذية الحيوانات أو للحاجات الصناعية".
وأصلا كانت أسعار الحبوب قد ارتفعت بشكل كبير قبل الحرب. إذ بدأ سعر القمح يرتفع في الأسواق العالمية اعتبارا من خريف 2021 وبقي عند مستويات عالية في ظل الانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة.
وهناك عوامل وراء هذا المنحنى التصاعدي: الارتفاع الحاد في تكاليف الطاقة جراء ارتفاع أسعار النفط والغاز، والأسمدة النيتروجينية "المصنوعة من الغاز، التي ازداد سعرها ثلاث مرات في عام"، والنقل "ازدحام الموانئ ونقص اليد العاملة"، والطقس غير المواتي، وخصوصا المحصول الكارثي في كندا التي اجتاحتها موجة حر شديد الصيف الماضي.
وعقب التدخل الروسي في 24 شباط (فبراير) 2022، سجل سعر القمح أرقاما قياسية، إذ ارتفع سعر الطن إلى أكثر من 400 يورو في أيار (مايو) في السوق الأوروبية، وهو ضعف ما كان الصيف الماضي.
وهذه الزيادة لا يمكن أن تتحملها البلدان الفقيرة، خصوصا تلك التي تستورد "30 في المائة على الأقل من حاجاتها من أوكرانيا وروسيا"، كما تؤكد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو).
ومثلت روسيا وأوكرانيا 30 في المائة من صادرات الحبوب العالمية. وفي الأعوام الأخيرة، ازداد إنتاجهما بشكل مطرد، مع احتلال روسيا قائمة الدول المصدرة فيما كانت أوكرانيا في طريقها إلى أن تصبح ثالثة.
وأدى إغلاق بحر آزوف والحصار الذي فرض على الموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود، إلى حرمان الأسواق من أكثر من 25 مليون طن من الحبوب التي أصبحت الآن عالقة في المزارع أو في مستودعات الموانئ.
وفيما صدرت بعض الكميات برا وعن طريق السكك الحديدية، ما زالت الصادرات أقل بست مرات مما كانت عليها عندما كانت تنقل بحرا.
وواجه المزارعون الأوكرانيون موسم زراعة خطيرا فيما اضطر بعضهم للعمل بسترات واقية من الرصاص والاستعانة باختصاصيين لإزالة الألغام والذخائر الأخرى من الحقول.
ومن المتوقع أن تنخفض المحاصيل 40 في المائة للقمح، و30 في المائة للذرة، وفق تقديرات الرابطة الرئيسة للمنتجين والمصدرين في أوكرانيا.
ويؤكد برونو بارمنتييه أنه "في زمن الحرب، تتحكم الدول المنتجة الكبرى بمصير الدول الأخرى"، لأنه "لا يمكن لأي دولة أن تترك عاصمتها تجوع".
لكن المجاعات "لا ترتبط بإنتاج الغذاء، بل دائما ما تكون ناجمة عن مشكلات الحصول" عليها، وفق عارف حسين كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي.
وبدأت مفاوضات تحت رعاية تركيا مطلع حزيران (يونيو) بناء على طلب الأمم المتحدة، لإنشاء "ممرات بحرية آمنة" تسمح بتصدير المخزون الأوكراني، لكنها لم تفض إلى نتيجة.
كان يمكن أن يقضي الحل بأن تفرج البلدان التي تملك مخزونات عن احتياطاتها في الأسواق.
لكن معظم المخزون موجود في الصين التي لن تعيد بيعه، في حين أن الهند التي تعهدت بزيادة مبيعاتها من الحبوب، تراجعت عن قرارها بعدما تعرضت لموجة حر مدمرة، فحظرت الصادرات موقتا، ما أدى إلى زيادة الأسعار.
أما روسيا التي سيكون محصولها من القمح استثنائيا هذا العام، فتواصل التصدير إلى دول معينة، خصوصا في الشرق الأوسط، كما يشير أحد مراقبي الأسواق.
وعلى المدى القصير، ستتمثل الحلول في المحاصيل الجديدة التي يبدو أنها ستكون "جيدة إلى حد ما" في أمريكا وأوروبا وأستراليا. ومن المتوقع أن يصل محصول القمح لعام 2022 إلى 775 مليون طن، وفق وزارة الزراعة الأمريكية.
والأسعار التي ارتفعت بشكل كبير لأسباب جيوسياسية، تراجعت في الأسابيع الأخيرة لأسباب عدة: بداية موسم الحصاد وأخذ الأسواق بالوضع في أوكرانيا والخوف من ركود اقتصادي، كما يوضح إدوار دو سان دوني.
من جانبها، تقول إليزابيت كلافري دو سان مارتان من منظمة CIRAD للبحوث الزراعية والتعاون الدولي من أجل التنمية، إن على المدى المتوسط "يجب أن نضمن أن لدينا مزيدا من المواد الغذائية المنتجة والمعالجة محليا".
وأضافت "يجب علينا الآن تعميم التحولات الزراعية البيئية من أجل التعامل مع تغير المناخ ودعم هذه التحولات التي يجب أن تكون مستدامة اقتصاديا".
في سياق متصل، قالت وكالة تاس الروسية للأنباء، إن السلطات التي عينتها روسيا في منطقة زابوريجيا في جنوب شرق أوكرانيا، وتخضع جزئيا للسيطرة الروسية، توصلت إلى اتفاق لبيع الحبوب في الخارج، وفي الأساس في الشرق الأوسط.
واتهمت أوكرانيا، روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، بسرقة الحبوب من المناطق التي استولى عليها الجيش الروسي. وتنفي موسكو ذلك. وعطلت الحرب صادرات أوكرانيا من الحبوب عن طريق البحر الأسود.
وقال باليتسكي، إن التجار الروس والشركات الحكومية يشترون الحبوب من مزارعي المنطقة، مضيفا أن "الأسعار ليست سيئة في الوقت الحالي".
وأضاف "يحصل المزارع على نحو 200 دولار لكل طن من الحبوب، وهو أمر رائع، لأن تكلفة إنتاجه تبلغ نحو 120 دولارا، حتى مع الأخذ في الحسبان وقت التخزين الطويل الذي تم فرضه".
وبلغت أسعار القمح الروسي، الذي يحتوي على 12.5 في المائة من البروتين للشحن من موانئ البحر الأسود، 375 دولارا للطن للتسليم على ظهر السفينة بنهاية الأسبوع الماضي.

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024