يواصل الدولار الأميركي صعوده منذ بداية العام، حيث نافس جميع العملات العالمية الرئيسة خلال معركة الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة على التضخم، وارتفع مع بداية العام 15 في المئة مقابل الين الياباني، فيما حقق صعوداً بنسب فوق 10 في المئة مقابل الجنيه الإسترليني.
في هذا الصدد أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقارنة بين الدولار و16 عملة أخرى خلال الشهر الماضي، ووجدت أن العملة الأميركية حققت أفضل ارتفاع نصف سنوي بـ10 في المئة، وهو أفضل صعود منذ عام 2010، يذكر أن قوة الدولار قد تعززت في ظل انخفاض قيمة العملات الدولية الأخرى، مما أعطى أفضلية للأميركيين لزيارة البلدان الأجنبية كمنطقة اليورو وغيرها، وهو ما جعل سعر السلع والخدمات مغرياً نسبياً.
لماذا الدولار قوي؟
في السياق التاريخي، تتحرك العملة بارتباطها الوطيد بأسعار الفائدة وقوه الاقتصاد. ولفهم الموضوع أكثر، يذكر الخبراء أن الاحتياطي الفيدرالي يشدد من سياسته النقدية بشكل عنيف مقارنة بالبنوك المركزية الأخرى حول العالم، وأشار الخبراء إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة جعلت السندات الحكومية أكثر طلباً من قبل المستثمرين مما أسهم في ارتفاع قيمة الدولار.
وتعد إجراءات الاحتياطي الفيدرالي الصارمة لمحاربة التضخم أحد أهم أسباب ارتفاع الدولار، حيث يعزز ذلك من الطلب على شرائه كملاذ آمن، وأتاح فرصاً استثمارية أدت إلى صلابته، وذكر المتخصصون أن الدولار هو "الطريق الآمن" للمستثمرين الأجانب في ظل الخوف من الدخول في مرحلة الركود الاقتصادي.
ما آثار قوة الدولار؟
كما أن القوة الشرائية للدولار قد أسهمت بشكل فعال في تخفيف آثار التضخم على المستهلكين الأميركيين. ووفق متخصصين في شركات عالمية، فإن صلابة الدولار ساعدت الشركات الأميركية على شراء المواد الأولية من الدول الأجنبية بأقل تكلفة مما عزز من أعمالهم، إضافة إلى أنه أثر سلباً في بعض الحالات على الشركات الأميركية، حيث إن تكلفة المنتج بعملة الدولار يصبح أعلى تكلفة على المستهلكين الأجانب، مما يؤدي إلى أن يبحث المستهلكون الأجانب عن بدائل أخرى بعملة غير الدولار.
ويذكر المتخصصون أن أكثر ما يمكن أن يؤثر على العملة في ظل ارتفاعها هو صعوبة استهداف الدول النامية ضعيفة الاقتصاد، وعدم قدرتها على تحمل تكلفة الدولار العالية. وأشاروا إلى أن الشركات العالمية التي تحقق إيرادات من جميع دول العالم واجهت "ضياع بعض الأموال" بعد التحويل إلى الدولار مما أثر على نتائجهم المالية. وفي تقرير سابق لـ "فايننشال تايمز" توقع أن يفقد مؤشر "أس أند بي 500" نحو 100 مليار دولار في هذه السنة بسبب عمليات الشركات الدولية وارتفاع الدولار.
الدولار إلى أين؟
كما أن الدولار شهد إحدى أفضل سنواته حتى الآن في 2022، حيث يتوقع أغلب المتخصصين وصول الدولار إلى القمة، ويقول محللون، إنه مقيم بأعلى من قيمته الحقيقة وهو مقارب لقيمته في 2001 التي قدرت بأعلى من القيمة الفعلية آنذاك.
وذكر المتخصصون أن إحدى أفضل وسائل تقييم العملة هي بطريقة "مؤشر بيغ ماك"، يتم فيها تقييم مكونات الشطيرة للوصول إلى سعرها في السوق ومقارنته بأسواق العالم، وفي آخر تقييم عمل به، أظهر أن جميع عملات العالم مقدرة بأقل من قيمتها الفعلية إلا عملة الدولار مقدرة بأعلى من ذلك.
وقالوا، إنه "من المتوقع أن نرى الدولار يتضاءل في آخر السنة... وهناك عدة مؤشرات على ذلك، فكثير من البنوك المركزية في العالم تحاول مجاراة الفيدرالي الأميركي في زيادة أسعار الفائدة والسياسات النقدية".
وتشير التوقعات إلى أن معدلات التضخم في أميركا قد تنخفض قريباً، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي للتخفيف من سياساته النقدية، وبعضها توقع أن الدولار مستمر في ارتفاعه وصلابته مستندين على ذلك بسياسة الفيدرالي الأميركي التي تستهدف المستثمرين الأجانب حتى عام 2023.