logo

الاقتصاد الروسي صامد لكنه يختنق بهدوء

06 ديسمبر 2022 ، آخر تحديث: 06 ديسمبر 2022
الاقتصاد الروسي صامد لكنه يختنق بهدوء
الاقتصاد الروسي صامد لكنه يختنق بهدوء

بعد أكثر من تسعة أشهر من غزو روسيا لأوكرانيا، لم ينهر أي من المجهود الحربي ولا الاقتصاد، كما أن الألم الاقتصادي لا يزال محدودًا بالنسبة للعديد من الروس، حيث تجنب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أي ضغط داخلي جوهري من شأنه أن يهدد قيادته.

لكن تأثير ما وصفه البعض بالعقوبات الاقتصادية الأكثر تنسيقا والأعمق في التاريخ الحديث، واضح في جميع أنحاء روسيا وربما الأسوأ لم يأت بعد.

وبحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، تعتبر مصانع السيارات الغربية، مسرح الدراما الاقتصادية التي تضرب روسيا، إذ تم إغلاق معظم مصانع السيارات والتي توظف النسبة الأكبر من العمال الروس.

وأشارت الصحيفة إلى إغلاق مصنع فولكسفاغن المترامي الأطراف في غرب روسيا، وتسريح العاملين فيه والذين باتوا يحصلون على ثلث مرتباتهم وسط انعدام الأمل.

وانضم المصنع إلى أكثر من 1000 شركة متعددة الجنسيات كانت قد قلصت عملياتها في روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

وتعتبر تجربة العاملين في فولكسفاغن منتشرة في جميع أنحاء روسيا، حيث تم تسريح مئات الآلاف من العمال بعد أن فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية كانت تهدف إلى إعاقة قدرة موسكو على شن حرب جديدة وتقويض الدعم الشعبي لبوتين.

محاولات متعثرة

وقال فلاديسلاف إينوزيمتسيف، مدير مركز دراسات ما بعد الحرب الصناعية وهو روسي، يتخذ من واشنطن، مقراً له، إن العقوبات أعاقت محاولات روسيا المتعثرة لتحديث اقتصادها على أسس غربية واللحاق بمستويات المعيشة الأوروبية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

وأضاف أن ذلك أدى إلى إضعاف الأمل في أن تصبح البلاد دولة حديثة ومزدهرة على المدى القريب.

وتابع إينوزيمتسيف: "الشعار الآن هو الحفاظ على الأمور من أن تزداد سوءا وهذا تحول مهم وحتى الحكومة توقفت عن الرهان على التنمية الوطنية".

وأوضح أنه في روسيا تتآكل المحركات الرئيسية للنمو، مثل نقل التكنولوجيا والاستثمار، حيث إنها تبدو مثل كعكة أُسقطت على الطاولة وتبدو جيدة إلى حد ما، لكنها منفجرة من الداخل".

وكانت صناعة السيارات، الأكثر تأثرا من العقوبات، وتعد قطاعا يوظف 10 ملايين روسي بشكل مباشر وغير مباشر، حيث كان هذا هو محور برنامج بوتين الطموح لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على صادرات النفط والغاز.

وتستقطب صناعة السيارات نسبة كبيرة من هؤلاء العمال وتوظف شركات صناعة السيارات 300 ألف روسي ، وفقًا لوكالة الإحصاء في البلاد.

وتقول المنظمة التي تمثل مصالح العمال إن ما يصل إلى 3.5 مليون آخرين يعملون في الصناعات ذات الصلة.

وبحلول سبتمبر، انخفض الإنتاج في صناعة السيارات بنسبة 77% على أساس سنوي، في حين انخفضت مبيعات السيارات بنسبة 60% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.

ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن الصناعات الروسية تعتمد بشكل كبير على المكونات الغربية.

وحتى بوتين اعترف بالمشكلة، وأقر الأسبوع الماضي أن الاعتماد على الأجزاء المستوردة، في بعض القطاعات يصل إلى 90%.

تكيّف

وللتكيف، تتجه روسيا نحو الداخل، وقطع العلاقات مع بقية العالم، كما تتجه نحو نموذج اقتصادي مشابه للنموذج الذي تبنته إيران، حيث تعتمد الشرعية السياسية على تزويد المواطنين بالأساسيات بدلاً من تحفيز النمو التحويلي، كما قال إينوزمتسيف.

وبحسب التقرير كانت الحكومة الروسية أفضل استعدادًا لتحمل العقوبات مما توقعه كثيرون في الغرب.

ومنذ بداية الحرب، قام صندوق النقد الدولي بمراجعة توقعاته الاقتصادية لروسيا مرتين، وتوقع انخفاضا بنسبة 3.5% في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، على غرار توقعات الحكومة.

وهذا التراجع الضئيل يتناقض بشكل حاد مع الانهيار المكون من رقمين للناتج الاقتصادي الفنزويلي بعد موجة العقوبات الأميركية في عام 2019، وهو لم يحدث للاقتصاد الروسي.

ويعد هذا إنجاز دفع رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين الأسبوع الماضي إلى القول: "لم تدمر العقوبات مرونة النظام المالي الروسي، ولم تؤثر على استقرار الاقتصاد الكلي".

عائدات واحتياطيات كبيرة

ويعود هذا الصمود إلى مزيج من عائدات النفط المرتفعة واحتياطيات كبيرة من العملات وفريق من الخبراء الاقتصاديين لدى بوتين حيث ساهمت بتخفيف الضربة مما أدى إلى إحباط بعض القادة الغربيين الذين كانوا يأملون في أن تكون للعقوبات تأثير أكبر الآن.

لكن الخبراء قالوا إن خسارة الاستثمار والتكنولوجيا والمهارات التي سببتها العقوبات من المرجح أن يتردد صداها عبر الأجيال ولسنوات طويلة، مما يحرم العديد من الروس من فرصة تحقيق مستقبل اقتصادي أفضل.

وتعهدت الشركات الحكومية الروسية والحكومة باستبدال الإنتاج المفقود بعلامات تجارية محلية.

لكن الخبير الاقتصادي إينوزيمتسيف يقول إن التاريخ الحديث يقدم أمثلة قليلة على المحاولات الناجحة لاستبدال التكنولوجيا الغربية المستوردة ببدائل محلية.

وتفتقر الشركات الروسية إلى المعرفة والعمال المهرة ليحلوا محل رأس المال الغربي في القطاعات كثيفة التكنولوجيا.

وأشار إينوزيمتسيف إلى أن الاعتماد على البدائل المحلية سيؤدي إلى "البدائية".

وقال إن "الإنتاج لن يختفي، لكنه سيتدهور تدريجياً، مما يؤدي إلى انخفاض جودة وكمية المنتجات التي ستقلل تدريجياً من مستوى جودة حياة الروس".

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024