logo

"فجوة الدولار" في مصر.. هل يتجه الجنيه إلى "تعويم جديد"؟

07 ديسمبر 2022 ، آخر تحديث: 07 ديسمبر 2022
"فجوة الدولار" في مصر.. هل يتجه الجنيه إلى "تعويم جديد"؟
"فجوة الدولار" في مصر.. هل يتجه الجنيه إلى "تعويم جديد"؟

في حين يسعر البنك المركزي المصري الدولار، غير المتوفر في الأسواق، بنحو 24 جنيها و60 قرشا، فإن سعره في السوق السوداء وصل إلى أكثر من 28 جنيها، مع تقارير بأنه قد ينخفض أكثر من ذلك، مما يثير التساؤلات بشأن "تعويم" جديد منتظر، وتأثير ذلك على أسعار السلع. 

وتعاني مصر من نقص حاد في العملات الأجنبية، رغم خفض قيمة الجنيه بنسبة 14.5 بالمئة في 27 أكتوبر الماضي، تزامنا مع اتفاق البلاد على قرض مدته 46 شهرا، بقيمة 3 مليارات دولار، مع صندوق النقد الدولي، الذي رحب بتحرك السلطات نحو "مرونة دائمة لأسعار الصرف".

ما سبب الفارق الكبير؟ 

يرى مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية، أستاذ التمويل، مدحت نافع، في حديثه مع موقع "الحرة"، أن فرق سعر الصرف الكبير للدولار بين الرسمي والسوق السوداء، "طبيعي في ظل الندرة الدولارية، وفي ظل تأخر ما كان متوقعا أن ياتي به صندوق النقد الدولي". 

وكانت مصر بدأت محادثات مع الصندوق بشأن حزمة دعم مالي في مارس، بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة الأوكرانية، التي أدت لتدهور الأوضاع المالية المضطربة بالفعل، ودفعت المستثمرين الأجانب لسحب ما يقارب 20 مليار دولار من سوق سندات الخزانة المصرية، خلال أسابيع.

ووجه الغزو الروسي لأوكرانيا ضربات قاسية عدة لمصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان: فهي أول مستورد للقمح في العالم وكانت الاكثر تأثرا بارتفاع أسعار الحبوب، كما أنها فقدت قدرا كبيرا من عدد السياح الذين يزورونها، 40% منهم في العام 2021 كانوا من روسيا وأوكرانيا.

ارتفاع قياسي

وأدى نقص الدولار إلى تقييد الواردات لمدخلات المصانع وتجارة التجزئة وتسجيل السلع والذهب أرقاما قياسية. 

ويقول الخبير في أسواق المال، وائل النحاس، لموقع "الحرة": "الأسواق خالية من العديد من السلع، بسبب عدم دخولها من الموانئ، أو دخولها ببطء، في ظل الغموض بشأن مستقبل سعر الدولار". 

كما يعزو الخبراء ارتفاع سعر الذهب مؤخرا بدرجة استثنائية، إلى مخاوف الناس، والبحث عن أدوات للتحوط في ظل انخفاض قيمة الجنيه. 

ويقول الخبير المصرفي، طارق إسماعيل، لموقع "الحرة": "من معه دولار يحافظ عليه أملا في أن يزداد سعره في وقت لاحق، كما أن معظم التجار حاليا يتحوطون ضد ارتفاع سعر الدولار، ويرفعون الأسعار متوقعين أسوأ الاحتمالات، وهو ما يزيد من الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء". 

ويؤكد النحاس أنه "بدلا من شراء البعض للعقارات من أجل التحوط، ومع قلة السيولة، تحول الكثير إلى سوق العملة أو الذهب، التي تكسب كثيرا في وقت قليل ويسهل بيعها لاحقا".

ويرى أن السوق السوداء، وتسعير الدولار مقابل الجنيه، يدار من خارج مصر، من خلال من يريدون تحويل أموالهم من العاملين بالخارج أو المستثمرين الأجانب. 

وارتفع سعر الذهب بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة في مصر، رغم عدم ارتفاعه عالميا.

ويقول نافع: إن "ارتفاع سعر الذهب داخليا، مع ارتفاع احتياطي مصر من الذهب مؤخرا، يفترض أن يصب في صالح الجنيه، ويجعل حركة الدولار أبطأ".  

وأظهرت بيانات للبنك المركزي المصري، الثلاثاء، أن صافي الاحتياطي النقدي الأجنبي ارتفع إلى 33.532 مليار دولار في نوفمبر، من 33.411 مليار دولار في أكتوبر.

كما أظهر مسح، الاثنين، أن القطاع الخاص، غير النفطي، في مصر انكمش في نوفمبر بأعلى معدل له منذ تفشي جائحة فيروس كورونا في أوائل عام 2020، إذ أثر ضعف العملة على تكلفة وتوافر السلع الأجنبية.

وانخفض مؤشر ستاندرد أند بورز غلوبال لمديري المشتريات في مصر إلى 45.4 في نوفمبر، من 47.7 في أكتوبر، وهو أقل بكثير من الحد الفاصل بين النمو والانكماش البالغ 50.0.

وهذه ثاني أدنى قراءة منذ تسببت الجائحة في انخفاض المؤشر في يونيو 2020، وهو الشهر الرابع والعشرون على التوالي من الانكماش.

وقالت ستاندرد أند بورز غلوبال: "كان الانخفاض السريع في النشاط التجاري العامل الأساسي في الركود، إذ أفاد المشاركون في المسح أن الارتفاع المتسارع للتكاليف وانخفاض الطلبات الجديدة أجبرهم على خفض الإنتاج".

وقال ديفيد أوين، الخبير الاقتصادي في ستاندرد أند بورز غلوبال: "أدى انخفاض الجنيه مقابل الدولار الأميركي إلى زيادة ملحوظة في الأسعار المدفوعة مقابل المواد الخام، التي تفاقمت بالفعل بسبب قيود الاستيراد منذ أوائل عام 2022".

تعويم جديد؟ 

يرى نافع أن الحديث عن تعويم جديد "أمر شائك" لأن هذا يعني أن التعويم الذي حدث في 27 أكتوبر الماضي قد تم وانتهى، ويوضح: "من المفترض أنه تم تحرير سعر الصرف، وهذا ما اعترضت عليه من حيث المبدأ وأيضا من حيث التطبيق، لأنه لم يكن من الصحيح تحرير سعر الصرف في ظل الندرة الدولارية، وعدم وجود بدائل معتبرة لتوفير الدولار، أو الاستغناء عنه، خاصة مع وصول فاتورة الاستيراد إلى ما يقرب من 90 مليار دولار". 

ويقول نافع: "يجب حدوث نوع من أنواع التحريك أو الربط المرن مع السماح لسعر الصرف أن يتحرر في ظل هامش معين، على أن يتم تحديده بالاستعانة بمؤشرات خاصة، يلجأ إليها البنك المركزي من سلة عملات، فضلا عن الذهب". 

لكنه أكد في نفس الوقت أنه "إذا حدث تعويم، سيكون قريبا من السعر في السوق السوداء التي تعكس الطلب الحقيقي على الدولار". 

ويرى النحاس أن "الظروف هذه المرة تختلف تماما عن ظروف التعويم الذي حدث في نوفمبر 2016، حين كان المجتمع الدولي كله يساعدنا وسوق الدين كان مفتوحا وكان من الممكن طرح أدوات الدين، الآن هذا صعب في ظل ارتفاع سعر الفائدة ومشاكل في السوق يمر بها العالم، مثل حرب أوكرانيا والتعافي من وباء كورونا". 

لابد من توفير الدولار أولا

ويضيف: "تحرك الحكومة لتعويم جديد للجنيه هذا مؤكد، لأنها طلبات صندوق النقد الدولي، لكن لا يهمني موضوع التعويم، ما يهمني هو الوفرة". 

يوضح النحاس: "من المحتمل جدا أن يقوم البنك المركزي بتسعير الدولار من جديد مقابل 30 جنيها، ثم لا تتوقف السوق الموازية، لأنه ليس هناك دولارات في البنوك". 

ويتابع: "صندوق النقد الدولي لديه شرط بأن يتوفر الدولار، وأن يتمكن أي شخص يريده من الحصول عليه، هذا أراه صعبا جدا في ظل الظروف الحالية". 

ويرى إسماعيل أنه "إذا تم تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 10 في المئة على سبيل المثال، ستزداد أسعار السلع المستورة على أقل تقدير 20 في المئة لسببين، تحوط التجار من ارتفاع المستقبلي، وجشعهم أيضا". 

ويشير إلى أن المواطنين يعانون بشكل كبير حاليا، وقد قلصوا الاستهلاك بالفعل، "لكن يبدو أننا سنقلل الاستهلاك أكثر وأكثر".

يتساءل البعض عن الودائع الخليجية التي تم الإعلان عنها مؤخرا، لكن النحاس يرى أنه "لن تدخل أي استثمارات أو ودائع إلا بعد التوقيع مع صندوق النقد الدولي، الذي سيحدد سعر الدولار مقابل الجنيه، لأن "المستثمرين يترقبون استقرار سعر الصرف أولا حتى يعرفوا إن كان الدولار سيدخل على سعر 24 أو على 30 جنيه، بالنسبة للمستثمر هو يريد أن يدخل الدولار على أعلى سعر". 

ومن المقرر أن يساعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في حصول مصر على تمويلات بقيمة "5 مليارات دولار خلال العام المالي 2023/2022" من شركاء التنمية ومؤسسات دولية أخرى، بحسب ما أكد الصندوق في بيان، من دون أن يحدد هذه الجهات.

وأوضح الصندوق أن مصر قد تحصل كذلك على مليار دولار إضافية من خلال صندوق الاستدامة، وهي آلية جديدة اعتمدها الصندوق لمساعدة الدول النامية.

استحقاقات الديون أكثر من القروض

إذا وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بشكل نهائي على إقراض مصر المليارات الثلاثة، فقد تحصل البلاد على الدفعة الأولى، بقيمة 750 مليون دولار في غضون ستة أشهر. 

لكن النحاس يتوقع ألا تحصل مصر على سيولة من صندوق النقد، "لأن فترة سريان هذا القرض هي نفس فترة استرداد ما تبقى للصندوق، وهو 17 مليار دولار ونصف المليار، وحتى نهاية عام 2026، وأعتقد أنه سيتم عمل مقاصة، وستكون هناك أموال متبقية علينا أيضا". 

كيف يمكن لمصر أن توفر الدولار؟ 

يقول نافع لموقع "الحرة" إن "فكرة توفير الدولار مرتبطة بقدرتنا على التصدير لكن هي للأسف محدودة، لأننا نستورد في المقابل أكثر بكثير مما نصدره، وتقليل العجز حوالي 25 مليار دولار، وتقليل فاتورة الاستيراد 30 مليار دولار على الأقل، كل هذه الأمور مهمة جدا لتقليل الطلب على الدولار، وتوفيره من ناحية أخرى، وهذا ليس متاحا على المدى القصير بالطبع".

وأضاف أن "الشيء الوحيد الذي يمكننا العمل عليه بسرعة هو جذب السياح لأنه مصدر دولاري كبير وسريع، فضلا عن الحث على جلب المساعدات الخارجية المتأخرة للمساندة، لكن سيظل هناك أيضا عجز كبير لأن هناك استحقاقات في 2023 وهي أقل مما سيدخل لمصر عموما". 

وتعد مصر، وفق وكالة موديز، واحدة من خمس دول في العالم مهددة بعدم القدرة على سداد أقساط ديونها الخارجية البالغة أكثر من 150 مليار دولار.

وفي أغسطس الماضي، قال مصرف غولدمان ساكس أن مصر بحاجة إلى نحو 15 مليار دولار لتتمكن من سداد ديونها.

ويرى النحاس أن "الدولار يتوفر عن طريق استثمارات حقيقية، مشيرا إلى أن "الدولة طرحت وثيقة سياسة ملكية الدولة، وأكدت أنها ستطرح استثمارات وستتخارج من الشركات بقيمة 10 مليارات دولار، لماذا لم تفعل ذلك خاصة أنها حددت الشركات التي ستتخارج منها والقيمة بالدولار وليس بالجنيه، هذا سيوفر الدولار". 

لكنه يؤكد أنه يجب أولا تحرير سعر الصرف أولا قبل القدوم على هذه الخطوة. 

ويقول إسماعيل: "هناك مبادرات جيدة تم إطلاقها مثل ودائع دولارية بفائدة 5 في المئة واستقدام سيارات من الخارج من خلال وضع ودائع بالدولار، لكن الأزمة في أن هناك من يضعون شروطا عقيمة تفسد هذه المشروعات". 

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024