logo

في 2023 .. ركود أم تباطؤ؟

04 يناير 2023 ، آخر تحديث: 04 يناير 2023
في 2023 .. ركود أم تباطؤ؟
في 2023 .. ركود أم تباطؤ؟

«قوة الدولار ليست السبب في تباطؤ الاقتصاد العالمي»

جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة

بصرف النظر عن رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن، أن عملة بلاده لا دخل لها بالتباطؤ الراهن على الساحة الاقتصادية العالمية. فالدولار أسهم بالفعل في هذا التباطؤ، في ظل موجة تضخمية يبدو أنها لن تهدأ في العام الجديد.

الولايات المتحدة "كغيرها" اضطرت إلى زيادات متلاحقة لمعدلات الفائدة على أمل السيطرة بصورة أو بأخرى على التضخم، إلا أن الأمر لم يمض كما يشتهي المشرعون. صحيح أن التضخم في أميركا لم يصل إلى الخانة العشرية، إلا أنه وصل في دول مثل بريطانيا التي تحتل المركز السادس في قائمة الاقتصادات الأكبر في العالم، لتلك الخانة التي تنشر الرعب حقا.

ولأن الأمور لا تسير كما ينبغي، فإن العلامات السلبية على الاقتصاد العالمي تظهر بوضوح خلال العام الجديد.

تتفاوت التوقعات حول حالة الاقتصاد في 2023، في نطاق محدود، بين من يعتقد أن التباطؤ سيستمر، أو من يؤكد أن الركود آت في هذا العام، بصرف النظر عن أي تطورات أو متغيرات. وإذا ما كان هناك نمو في العام المشار إليه، فإنه لن يرتفع أكثر من 2.7 في المائة بحسب صندوق النقد الدولي، الذي ظل يخفض توقعاته لهذا النمو منذ منتصف العام الماضي.

فالتطورات على الساحة الاقتصادية، منذ انفجار جائحة كورونا إلى آخر يوم في 2022، أدت في النهاية إلى تعديلات حتمية لكل التوقعات قاطبة. وإذا ما صحت توقعات صندوق النقد، فإن الاقتصاد العالمي سيكون في أضعف حال منذ 2001، في حال تم استثناء فترة الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، ومراحل الجائحة.

ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن صندوق النقد هو نفسه الذي وصم الأوضاع الاقتصادية العالمية بـ"الكآبة". لكن السؤال الأهم يبقى حاضرا. هل سيدخل الاقتصاد حالة الركود أم لا؟ الجواب ببساطة يتعلق بالمدى الذي ستصل إليه معدلات الفائدة في الأشهر القليلة المقبلة.

وكل المؤشرات تدل على أنها سترتفع لمواجهة التضخم المتصاعد. والحق، أنه لا توجد وسيلة أخرى أمام المشرعين هنا وهناك لكبح جماع الموجة التضخمية سوى الفائدة التي تعد "السلاح" الوحيد الموجود في الساحة في الوقت الراهن. فحتى كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي المعروفة "بحبها" الشديد للتسيير النقدي والفائدة القريبة من الصفر، أعلنت صراحة قبل أيام، أنها لن تتردد في رفع الفائدة في المواجهة الراهنة. والموقف هو نفسه لدى كل البنوك المركزية الرئيسة حول العالم.

هناك ما يزيد على ثلث الاقتصادات في العالم باتت بالفعل على شفا الركود، وستدخل فيه رسميا في غضون الأيام القليلة المقبلة. وهناك أيضا اقتصادات دخلت دائرة الركود، إلا أن الحكومات فيها تفضل الحديث عن تباطؤ بدلا منه. بمعنى أن الأمور تتجه بالفعل إلى ركود دولي بصرف النظر عن التسميات.

فرغم أن حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي بلغ في الأيام الأخيرة من 2022 أكثر من 100 تريليون دولار، غير أنه سيتوقف عن النمو في العام الحالي على الأقل، والسبب هو نفسه.. الفائدة التي لا تتوقف عن الارتفاع.

"المعركة" ضد ارتفاع أسعار المستهلكين لن تنتهي قريبا، بل بالعكس، هناك احتمالات أن تشتد حتى منتصف العقد الحالي، ما يعزز الاعتقاد بأن الاقتصاد العالمي سيدخل الركود، وإن بمستويات متفاوتة بين دولة وأخرى.

وإذا كانت هناك دول يمكنها أن تتحمل ضغوط التضخم والركود والفائدة المرتفعة، فالأمر ليس كذلك بالنسبة إلى دول أخرى تعاني أصلا مشكلات اقتصادية قبل جائحة كورونا، ولا سيما تلك التي تواجه ديونا خارجية عالية جدا، أسهم الدولار المرتفع في العام الماضي في زيادة أعباء خدمتها.

وبالمحصلة، سيمر الاقتصاد العالمي بفترة أخرى مضطربة ربما تتعمق أكثر، إذا لم تكن هناك إنجازات حقيقية في المعركة حيال التضخم. السياسة المالية الصارمة ستتواصل، وربما ستكون أكثر حدة إذا ما اضطر الأمر إلى ذلك، ما يؤكد مجددا أن الركود الذي يخشاه الجميع سيكون حاضرا. لا يمكن تحقيق النمو في ظل سياسة مالية مشددة، بعد أن مر العالم بفترات طويلة توافر خلالها المال الرخيص، في ظل فائدة اقتربت من الصفر.

المشكلة الأساسية الأخرى ترتبط بالمدة التي يمكن أن يستمر فيها هذا الركود، أو حتى النمو الضعيف. مرة أخرى المواجهة مع التضخم ستضع النمو "بعد الركود" في أضعف حالة له على الإطلاق لأعوام عديدة. ما يعزز الاعتقاد بأن الأوضاع لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الحالية، ربما حتى نهاية العقد الحالي.

وفي كل الأحوال سيشهد 2023 ضغوطا اقتصادية قوية، بصرف النظر عن التسميات والتوصيفات. وإذا ما تحققت قفزات نوعية على صعيد كبح جماح التضخم هذا العام، ربما كان 2024 أفضل على الصعيد الاقتصادي. لكن المشكلة الرئيسة تبقى في إمكانية قوة صمود اقتصادات بعينها في هذه المواجهة، خصوصا تلك التي تعاني هشاشة في أوقات الأزمات والازدهار.

* نقلا عن صحيفة "الاقتصادية"

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024