logo

كيف ستكون تبعات كورونا المالية على الجامعات الفلسطينية؟

06 يوليو 2020 ، آخر تحديث: 06 يوليو 2020
الكاتب فادي ابو بكر
كيف ستكون تبعات كورونا المالية على الجامعات الفلسطينية؟

بما أن أزمة كورونا ألقت بظلالها على الواقع الاقتصادي الفلسطيني برمته، فإن الجامعات الفلسطينية ستتأثر وجوبًا، نظرًا لتضرر فئات واسعة من الشعب الفلسطيني، الذي سيكون له تأثيره المباشر على إمكانية دفع الطلبة للرسوم المستحقة، التي تمثل الشريان المالي الرئيسي للجامعات، إضافة إلى ارتفاع احتمالية تراجع الدعم الحكومي أكثر من مما كان عليه قبل كورونا، نظرًا للضائقة المالية المركّبة التي تعاني منها السلطة بفعل كورونا والقرصنة الإسرائيلية المستمرة لأموالها، فضلًا عن تراجع الدعم المباشر الذي يقدمه المانحون لموازنتها، وقطع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كافة المساعدات عنها.

الجامعات الفلسطينية.. أزمات مالية متفاقمة

كانت الجامعات الفلسطينية منذ ثمانينيات القرن الماضي، تعتمد بنسبة ما يقارب 50% على دعم منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان يتراوح ما بين (5-15) مليون دولار سنويًا، وذلك نظرًا لقلة التكاليف والمصاريف الإدارية والتشغيلية مقارنةً بالفترات اللاحقة. وعليه، يمكن القول بأن ظهور الأزمة المالية للجامعات الفلسطينية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأزمات المالية التي تعاني منها المؤسسة الرسمية الفلسطينية.

مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية العام 1987، وما تلاها من حرب الخليج الثانية العام 1990، تعرّضت منظمة التحرير لأزمة مالية، انخفض على إثرها الدعم المقدّم إلى الجامعات، ما اضطّر الأخيرة إلى تحديد أقساط جامعية على الطلبة، لتشكّل هذه الأقساط شريانًا ماليًا رئيسيًا لميزانياتها (قرابة 40-60% من إيرادات الجامعات)، التي بقيت تعاني عجزًا، تعتمد في سداده على دول السوق الأوروبية المشتركة. وبقي الأمر على هذا المنوال، حتى بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994، التي ربطت تمويل الجامعات بمدى إمكاناتها المادية.

وفي العام 2002، أقرّت السلطة تخصيص مبلغ 20 مليون دولار سنويًا لدعم موازنة الجامعات الفلسطينية، إلا أنّها لم تفِ بالتزاماتها، نظرًا للأزمة المالية التي رافقتها مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وتراوحت المساعدات الفعلية التي تدفعها السلطة ما بين (50– 75%) من المبالغ المخصـصة سـنويًا، حتى توقفت عن الوصول إلى الجامعات بعد الانتخابات التشريعية في العام 2006، بفعل القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة الفلسطينية، وتوقف المساعدات الأوروبية.

مع انتهاء الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية، ورغم رفع المخصص الحكومي للجامعات من 20 إلى 34 مليون دولار، ومن ثم إلى 40 مليون دولار في العامين 2009 و2010، إلا أنه غالبًا كان يُصرف حوالي 60% فقط من إجمالي المبلغ، وتناقصت نسبة الدعم الحكومي للجامعات، ما بعد العام 2010، إلى أقل من نسبة 60%، إذ حولت السلطة للجامعات (8.2) مليون دولار في العام 2013، و(8.6) مليون في العام 2014، و(1.7) مليون دولار في العام 2015، و(4.5) مليون في العام 2016.

تعرّضت السلطة الفلسطينية، في العام 2018، إلى أزمة مالية أخرى، بعد أن اقتطعت إسرائيل قرابة 138 مليون دولار إنفاذًا لقانون الكنيست الإسرائيلي بتجميد رواتب عائلات الأسرى والشهداء من أموال عائدات الضريبة الفلسطينية. وكان لذلك تأثيره المباشر على الدعم الحكومي للجامعات، حيث صرفت السلطة قرابة 87 ألف دولار فقط، ما نسبته 8% من أصل 22% من الموازنة المخصصة لقطاع التعليم العالي، علمًا بأن جامعة القدس وجامعة بولتيكنيك فلسطين لم تتلقيا شيئًا على الإطلاق.

يعود انعكاس الأزمة المالية الحكومية المباشر على الجامعات إلى خصوصية الوضع الاقتصادي الفلسطيني، الذي بات يعتمد على فرضية التدهور السياسي، إذ تصبح الأزمة التي تصيب السلطة عامة تؤثر على كافة فئات المجتمع، وإن كانت نسبة التضرّر تختلف من فئة إلى أخرى. ولهذا، تشهد مختلف الجامعات بشكل ملحوظ تكرّر الإضرابات الطلابية مع بداية كل فصل دراسي على خلفية رفــض رفــع الأقســاط.

يرى عادل الزاغة، نائب رئيس جامعة بيرزيت للشؤون الإدارية والمالية الأسبق (2011 - 2016)، أن أزمة الجامعات المالية المستمرة تعود إلى عدد من العوامل، أهمها: غلاء المعيشة، وانعكاس ذلك على رواتب الموظفين التي تشكل أكثر من 80% من التكلفة؛ واتفاقية (سلم الرواتب*)، التي أدّت إلى ارتفاع الرواتب ومدفوعات نهاية الخدمة، ومساهمة الجامعة في صندوق التوفير بشكل كبير بسبب طريقة حساب مدفوعات نهاية الخدمة التي تضمنتها هذه الاتفاقية. كما تعوّض هذه الاتفاقية الموظفين عن انخفاض سعر الدينار مقابل الشيقل الإسرائيلي، ما وسّع من دائرة العجز المالي في موازنة الجامعات. في المقابل، فإن إيرادات الجامعة من رسوم الطلبة ورسوم التسجيل، وإن تم رفعها، فإنها لم توازِ الارتفاع المستمر في تكاليف التعليم العالي، وهذه الحالة أدت إلى وجود عجز مالي مستمر.

أزمة كورونا والجامعات الفلسطينية

ألقت أزمة كورونا بظلالها على الاقتصاديات العالمية، وليس على فلسطين فحسب، إلا أن خصوصية الوضع الفلسطيني المقيّد بالاحتلال الإسرائيلي، والمتمثل في واقع أن الاستقرار الاقتصادي عند مستوى معين يعدّ أحد عوامل بقاء السلطة كنظام حكم قائم، يُنذر بأن أزمة كورونا ستكون لها تبعات خطيرة على الاقتصاد الفلسطيني برمته.

أدت أزمة كورونا، حتى أيار/مايو 2020، إلى انخفاض الإيرادات بنحو 70%، بخسائر تجاوزت 3 مليار دولار، ما اضطّر السلطة إلى خفض احتياطي البنوك، وخصم أجر يومي عمل من رواتب الموظفين بهدف التصدي للأزمة الاقتصادية التي وصفها مراقبون بأنها الأصعب منذ إنشاء السلطة.

وفي ظل معاناة الجامعات من أزمات مالية متراكمة، فإن أزمة كورونا ستوسّع من رقعة أزمتها المالية، خصوصًا أنها تعتمد على الرسوم الجامعية والمساعدات الحكومية كمصدر رئيسي لموازنتها، إلى جانب مصادر متقلبة غير ثابتة تتمثل في المنح والهبات التي تقدمها شخصيات أو جهات محلية وعربية ودولية إلى أنشطة ومشاريع بعينها. ويضاف إلى ذلك إيرادات متعلقة بخدمات واستشارات وبدل إيجارات، وغيرها من الإيرادات التي تساهم بنسبة ضئيلة جدًا.

اعتمدت الجامعات الفلسطينية مع بداية أزمة كورونا وإغلاق أبوابها نظام التعليم الإلكتروني، لضمان استمرارية المسيرة التعليمية، وكان لذلك تبعات مالية على الجامعات تفنّدها الورقة كالآتي:

نفقات تكنولوجيا المعلومات

رافق لجوء الجامعات إلى استخدام نظام التعليم الإلكتروني نفقات مستجدّة. فعلى سبيل المثال، صرفت جامعة بيرزيت 250 ألف دولار كنفقات تكنولوجية من أجل توظيف التعليم الإلكتروني خلال أزمة كورونا.

(ناجح – راسب)

لجأت جامعتا بيرزيت وفلسطين التقنية "خضوري" إلى نظام (ناجح – راسب)، الذي يحتسب النتيجة النهائية لطلبة البكالوريوس والماجستير في أي مساق بناجح أو راسب، على ألا تحتسب في المعدل التراكمي.

تجدر الإشارة إلى أن "راسب" وفق هذا النظام يعني "غير مكتمل"، حيث إن المساق الذي لم ينجح به الطالب، سيتمكن من إعادته في الفصل اللاحق دون أي رسوم.  وعليه، فإن هذا النظام سيؤدي إلى خسائر مالية للجامعة، كونه سيعفي نسبة كبيرة من الطلبة من إعادة التسجيل لمساقات بسبب الرسوب، وما يترتب عليها من دفعات مالية، حيث تُقدر نسبة الراسبين في مساق واحد على الأقل في كل فصل دراسي بـ 30% من إجمالي عدد الطلبة، ما يعني بلغة المال أكثر من نصف مليون دولار فصليًا. وبطبيعة الحال، فإن هذا النظام يلغي الإعفاءات الجامعية للحاصلين على مرتبة الشرف، الذي يُقدّر عددهم كل فصل بنحو 600 طالب، ما يعني إعفاء الجامعة من أكثر من 300 ألف دولار، أي أقل من الخسائر.

ديون غير محصّلة وإيرادات متوقفة

انقطعت إيرادات مختلفة عن موازنة الجامعات بفعل أزمة كورونا، تتعلق بإيرادات بدل الإيجارات للمقاصف والكافتيريات، ومراكز الخدمات العامة، وبدل اشتراكات مواقف السيارات، وغيرها من مراكز الخدمات الطلابية، حيث ستتحمل الجامعات كافة الخسائر ذات العلاقة، التي تُقدّر في جامعة بيرزيت، مثلًا، بنحو 100 ألف دولار شهريًا.

بلغت ديون جامعة بيرزيت، على سبيل المثال، على الطلبة حوالي 7 مليون دولار، أكثر من 40% منها سُجّلت فقط في الفصل الدراسي الأول للعام 2019/2020، ما بين شيكات مرتجعة، وأقساط لم تُسدّد. فيما استطاع (25-30%) فقط من مجموع الطلبة في جامعات قطاع غزة (الأزهر، والإسلامية، والقدس المفتوحة، والكلية الجامعية) من دفع الرسوم الجامعية. ومن المتوقع تفاقم مشكلة هذه الديون ما بعد أزمة الكورونا، خصوصًا في ظل تعطّل وعدم تفعيل صندوق إقراض الطلبة الذي كان يساعد إلى حدٍ ما في التخفيف من هذه الديون.

أصوات تنادي بتأجيل الأقساط وإرجاع جزء من الرسوم للطلبة

دعت حملة طلابية ناشطة في قطاع غزة تُعرف باسم "الحملة الوطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية"، بتاريخ 25/4/2020، إدارات الجامعات إلى تقديم تسهيلات للطلبة، يتمثل أولها في تأجيل دفع الأقساط الجامعية. فيما أكد محمد الحطاب، مسؤول الشؤون التعليمية في إذاعة القدس، أن الجامعات "ملزمة دينيًا ووطنيًا" بإرجاع جزء من رسوم الطلبة، مدّعيًا أن الطالب دفع رسومًا مقابل خدمات دراسية لم تتوفر له خلال الفصل الدراسي الحالي.

قد تحظى هذه الأصوات باهتمام وتفاعل أكبر، خصوصًا في ظل وجود بيئة تُشجّع مبادرات "الإعفاء المالي" في ظل أزمة كورونا، ما يُشكّل خطرًا ماليًا إضافيًا محتملًا على الجامعات الفلسطينية.

كيف تواجه الجامعات الأزمة المالية في ظل كورونا؟

على الرغم من حقيقة أن الجامعات وفّرت مصروفات تشغيلية، تتمثل في توفير المحروقات والكهرباء وغيرها من الخدمات اللوجستية، إلا أن المبالغ التي وفّرتها الجامعة ضئيلة لا تصل قيمتها 30 ألف دولار شهريًا، في حين إنها تعاني من الديون غير المحصّلة، وتحديدًا تلك المتعلقة بأقساط الطلبة، إضافة إلى التزامها برواتب الموظفين والأكاديميين التي تمثل 80% من مصروفات الجامعة.

اتبّعت كل جامعة خطة طوارئ خاصة بها لمواجهة شُح الموارد المالية، حيث اقتطعت جامعة القدس 40% من رواتب العاملين لديها خلال أزمة كورونا، على أن يتم إعادة تسديد هذه المبالغ بعد تعافي الجامعة ماليًا، في حين اعتمدت جامعة بيرزيت نظام الدورتين الصيفيتين من أجل رفع الإيرادات الجامعية.

أكد عبد اللطيف أبو حجلة، رئيس جامعة بيرزيت، أنه على افتراض دفع الطلبة الرسوم المستحقة كاملةً، فإنها لا تغطي التكلفة التعليمية للطالب. وأشار إلى أن الاتفاقية التي أبرمتها الجامعات الفلسطينية مع نقابات العاملين فيها العام 2016، أرهقت الجامعات، وزادت من عجزها المالي، إذ تُلزم هذه الاتفاقية إدارات الجامعات رفع رواتب العاملين بنسبة 15% خلال خمسة أعوام، أي ما يقدر بنحو 3 مليون دولار سنويًا حتى العام 2021. وأضاف: أزمة الجامعات المالية هب مجموعة من الأزمات المتراكمة، التي تتفاقم عامًا بعد عام، بالرغم من كل الخطط التي انتهجتها الجامعات، وذلك لعدم ثبات مصادر الإيرادات الرئيسية.

خاتمة

تتحمّل الجامعات الفلسطينية جزءًا من المسؤولية عن تفاقم أزمتها المالية، لعدم سلوكها سابقًا منحى مغايرًا كان من شأنه تخفيف آثار وباء كورونا، سواء من خلال بحث سبل توفير موارد أخرى، أو الضغط على القطاع الخاص للمساهمة الجزئية في الحل. وعليه، فإن المنحى التقليدي الذي كانت تتّبعه إدارات الجامعات برفع الرسوم الجامعية أو تخفيض رواتب الأكاديميين والموظفين، لن يُجدي نفعًا مستقبلًا، كون أزمة كورونا عامة، وهذه الخطوة ستوسّع دائرة الأزمة، لتجد الإدارات نفسها في مواجهة مع نقابات الموظفين والمجالس الطلابية، أو حتى مع فئات مجتمعية أخرى.

إن هذا لا يعني إعفاء السلطة الفلسطينية من مسؤولياتها إزاء الجامعات، خصوصًا أن أزمة الجامعات تشير إلى أن واقع التعليم العالي في فلسطين على مفترق طرق، وهذا قد يُجبر السلطة عاجلًا أم آجلًا إلى إعادة ترتيب أولوياتها المالية، بما يتضمنه من إدراج الجامعات في أي شبكة أمان محلية أو دولية مستقبلية للحفاظ على استمرارية المسيرة الأكاديمية الفلسطينية.

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024