مروجو العملات المشفرة يضخون الملايين لجذب جماهير الرياضة
تشتد حاجة الفرق الرياضية التي تضررت من الوباء إلى الأموال، وهي كثيرة بين أيدي المستثمرين في العملات المشفرة، بعد عام من الارتفاعات القياسية.
مع ذلك، لكي تواصل تلك العملات مسارها الصعودي، فإنها تحتاج إلى “توسيع قاعدة المستثمرين”، وهذا تعبير ملطّف
للعثور على مستثمرين جدد، أو بشكل أكثر تحديداً إلى حد ما: العثور على مستثمرين أقل خبرة على استعداد لرفع أسعار
بتكوين، وإيثيريوم، ودوغ كوين، وأي عملات مشفرة أخرى رائجة اليوم.
يساعد ذلك على معرفة سبب ضخ شركات العملات المشفرة مئات الملايين من الدولارات الصفقات والرعاية في عالم
الرياضة الاحترافية، إذ تصبّ هذه الجهود في إطار جذب جماهير غفيرة من المشجعين نحو العملات المشفرة.
لقد دفعت “كريبتو دوت كوم” (Crypto.com) لتصبح بورصة العملات المشفرة الرسمية والراعي التكنولوجي للدوري الإيطالي
الدرجة الأولى، فيما أعلنت البورصة المنافسة “إف تي إكس” (FTX) وحدها عن صفقات منذ يونيو بلغ مجموعها الإجمالي أكثر من 360 مليون دولار في كرة السلة والبيسبول والرياضات الإلكترونية.
تزايد الإنفاق على التسويق
ولطالما كان عشاق الرياضية فريسة سهلة للشركات التي تروّج للسلوك المحفوف بالمخاطر أو الإدمان، وهو أمر لا تقوم
الفرق بالقليل لمواجهته. هذا التوجه يبعث على القلق، فقد أصبح 40% من رعاة قمصان الدوري الإنجليزي لكرة القدم من
شركات المقامرة، مقارنة مع 10% فقط في عام 2008. ومع تزايد الإنفاق على التسويق ارتفعت أيضاً إيرادات المقامرة.
وفي العقد الذي سبق الوباء تضاعف الإنفاق البريطاني على المراهنة تقريباً إلى 4.7 مليار جنيه إسترليني (6.4 مليار دولار) سنوياً.
أيضاً، يوجد ارتباط قوي بين الشهية على المقامرة والاستثمار في العملات المشفرة، إذ وجد استطلاع أجرته جمعية
“غيم كير” (GamCare) الخيرية، التي تقدم الدعم لمن يعانون من مشكلة إدمان على المراهنات في بريطانيا، أن 50% من
المقامرين المنتظمين شاركوا في تداول العملات المشفرة، مقارنة بـ3% فقط من عامة الناس.
أما الأمر الجديد فهو الطريقة التي تقدم بها الفرق حوافز لمشجعيها للانضمام إلى هذا الجنون، وهي ممارسة تتجلى
صورتها بأفضل وجه من خلال ظهور ما يسمى برموز المعجبين. ويروّج منشئو العملات المشفرة لها باعتبارها وسيلة للأندية لزيادة التفاعل الرقمي مع مشجعيها.
عملياً،
يعني ذلك أن حاملي الرموز يمكنهم الوصول إلى محتوى حصري، مثل التصويت على الأغنية التي سيجري تشغيلها في الاستاد في أثناء إحماء اللاعبين، أو اختيار الاقتباس التحفيزي الملصق على جدار غرفة تغيير الملابس، وهي أشياء بالكاد تكون باهرة.
شركة “سوسيوس دوت كوم” (Socios.com) الرائدة في هذا المجال، على سبيل المثال، تبيع الرموز المشفرة لأكثر من 50 فريقاً ورياضة مختلفة، بدءاً من نادي برشلونة لكرة القدم، إلى شيكاغو بولز لكرة السلة، وبطولة القتال النهائي (UFC).
وتتقلب قيمة هذه الرموز المشفرة تبعاً للطلب، وكل رمز يمنح صوتاً واحداً في استطلاعات الرأي المتكررة. ويصر ألكسندر دريفوس، المدير التنفيذي لشركة “سوسيوس”، ومقرها مالطا، على أن هذا النموذج أفضل من برامج عضوية المشجعين الكلاسيكية التي تفرض رسوماً ثابتة ومتكررة.
يقول دريفوس إنه مع الرمز المشفر “لدي إمكانية الوصول إلى خدمة لا تكلفني نقوداً كل عام.. ويمكنك امتلاك شيء يوفر
لك خدمة، ولكن يمكنك إعادة بيعه، وإذا كنت لا تريده فلن تضطر إلى شرائه”.
الجمهور المستهدف
المستهدفون هم المشجعون من خارج الأسواق المحلية الذين يتابعون عديداً من الرياضات والأندية، مثل مشجع ياباني أو
برازيلي يدعم أرسنال في الدوري الإنجليزي الممتاز، أو
باريس سان جيرمان في الدوري الفرنسي، أو شيكاغو بولز لكرة السلة، أو فريق أستون مارتن كوغنيزنت للفورمولا وان في رياضة السيارات.
يتصور دريفوس “سوسيوس” منصة للجماهير العالمية، للحصول على وصول حصري إلى الفرق التي يمكن أن تجني بدورها
أرباحاً إضافية من المؤيدين الذين لديها القليل من التفاعل معهم. وفي حيلة تسويقية، قدمت “سوسيوس” رموز معجبين
كجزء من مكافأة توقيع ليونيل ميسي مع باريس سان جيرمان الذي أُعلن عنه في 12 أغسطس.
تعدّ الجاذبية التسويقية واضحة، لكن هذه الرموز القابلة للتداول تفرض تهديداً أكثر خطورة. يقول آدم ويليرتون،
سكرتير “ليدز يونايتد سبورترز تراست” (Leeds United Supporters Trust)، وهي مجموعة تضم معجبين لفريق الدوري
الإنجليزي الممتاز، ومملوكة جزئياً لفريق سان فرانسيسكو “49ers” في دوري الفرق المحترفة لكرة القدم الأمريكية:
“إذا كان التصويت على أشياء ممتعة مثل الموسيقى أو لون حافلة الفريق، فسيكون ذلك جذاباً فقط للجماهير الأصغر سناً.
وإذا كان الأمر كذلك فأنت تدفع الشباب نحو الاستثمار في العملات المشفرة”. وتبيع شركة “سوسيوس” رموز “ليدز”
المشفرة، وقال ويليرتون: “يُستخدم مشجعو كرة القدم لرفع الأسعار”.
يؤكد دريفوس أن السعر ينبغي أن يستجيب للطلب لإعطاء الفرق حافزاً لتقديم محتوى جيد، ومن المفترض أن يؤدي
المحتوى الأفضل، من الناحية النظرية، إلى زيادة الطلب على الرمز المشفر، وبالتالي زيادة السعر. ويمكن للفريق بعد ذلك
بيع مزيد من الرموز لزيادة رأس المال الإضافي، ومع ذلك فقد أثبتت الرموز حتى الآن أنها لا تزيد على كونها مجرد وسيلة
للمضاربة مماثلة لأسهم الميم التي تغذيها المناقشات المحمومة على المنتديات، ولا يخضع أي من ذلك للتنظيمات.
وهناك طبقة تعقيد إضافية، إذ إنه من أجل شراء الرموز في البداية عليك أولاً شراء “تشيليز” (Chiliz)، وهي عملة مشفرة
طورتها “سوسيوس” وشركتها الأم. ويتأرجح سعر “تشيليز”، ولذلك قد يرتفع سعر رمز المعجبين الخاص بك عندما يكون
مقوماً بـ”تشيليز”، لكن عندما تنخفض عملة “تشيليز” نفسها يتعرض المشجعون لطبقتين من المخاطر.
ويشبه الأمر كازينو تتغير فيه قيمة الرقائق،
وبالتأكيد يمكنك مضاعفة مجموع رقائقك على طاولة البلاك جاك، لكن رقاقة الـ100 دولار التي اشتريتها في طريق الدخول قد تصل قيمتها إلى 50 دولاراً فقط بحلول وقت مغادرتك، وبالطبع العكس بالعكس: يمكن أن يرتفع سعر “تشيليز”.
هنا مكمن أكبر فرصة لشركة “سوسيوس” وداعميها، ومن بينهم ملياردير الاتصالات الفرنسي كزافييه نيل. ومع إطلاق كل
رمز جديد سيشتري مزيد من المعجبين نظرياً عملات “تشيليز” التي يُعَدّ إجمالي تداولها محدوداً، ونتيجة لذلك ارتفع سعر
“تشيليز” 17 ضعفاً العام الجاري، وهذا بدوره يزيد من الحواجز أمام دخول المعجبين الجدد.
ويلعب اليأس من جانب الفرق دوراً هنا، إذ تقلصت سوق كرة القدم الأوروبية (إجمالي الإيرادات في الدوريات الخمسة الأولى) بنسبة 13% في موسم 2019-2020 بسبب الوباء، وفقاً لشركة “ديلويت” (Deloitte)،
ويخفف المبلغ الإجمالي البالغ 150 مليون جنيه إسترليني، الذي نقلت صحيفة “ذا ديلي تلغراف” أن الفرق في المنطقة قد
جنته العام الجاري من “سوسيوس”، من تأثير ذلك، وهي إضافة جيدة لخزائنها، ولكن قد تكون هناك تكلفة على المدى الطويل.
تابعنا على تويتر