تمر تركيا بأزمة عملة استثنائية للغاية، ولم يكن الانهيار في قيمة الليرة – التي انخفضت بنحو الخمس خلال الأسبوعين الماضيين – بسبب مشاكل في الأسس الاقتصادية للبلاد كما حدث في الماضي
وسجلت الدولة، التي عانت فترة طويلة من عجز في الحساب الجاري، فائضا للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر بفضل
الارتفاع الهائل في الصادرات وانتعاش أعداد السائحين الأجانب.
وبدلاً من ذلك، تعكس مشاكل العملة بشكل كامل تقريبًا عملية اتخاذ القرار المضطربة لرجل واحد والتأثير الذي يمارسه على
البنك المركزي التركي المفترض أن يعمل بشكل مستقل: الرئيس رجب طيب أردوجان.
ويلقي أردوغان باللوم على القوى الخارجية في انخفاض قيمة الليرة، لكن المشاكل الأخيرة بدأت في مارس من العام الحالي بعد أن أقال رئيس البنك المركزي ناجي إقبال، وكان التكنوقراط المحترم ثالث حاكم يفقد وظيفته خلال عامين.
وأدى تعيين ساهاب كافجي أوغلو الموالي لأردوغان إلى انخفاض الليرة بنسبة 15% بعد ذلك بوقت قصير، قبل أن تتعافى
إلى حد ما، ثم أصبح الانخفاض حادًا في وقت سابق من الشهر الحالي بعد أن خفض البنك المركزي أسعار الفائدة للمرة
الثالثة في عدة أشهر، وصحيح أن عملات الأسواق الناشئة كان أداؤها سيئًا بشكل عام مقابل الدولار العام الحالي.
وأدت التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيبدأ قريبا في تقليل برنامجه لشراء الأصول، المصمم لدعم الاقتصاد
والقطاع المالي عبر وباء فيروس كورونا، إلى ارتفاع قيمة الدولار، ويعود رأس المال الطليق في الأسواق الناشئة للحصول على معدل فائدة أعلى إلى موطنه الآن.
كما قال محافظ البنك المركزي الباكستاني في مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” الأسبوع الماضي، فإن البلدان الفقيرة
ذات المستويات المرتفعة من الديون بالعملات الأجنبية معرضة للخطر إذا تغيرت المعنويات، وفي ظل هذه الخلفية، تلعب ميول
أردوغان للمؤامرة والاستبدادية دورًا سيئًا أكثر من المعتاد.
وفي حين أنه كان يصعد هجومه منذ فترة طويلة ضد ما يسميه “لوبي أسعار الفائدة”، إلا أنه كان أيضًا براجماتيًا ماكرًا، ما
سمح للبنك المركزي في النهاية برفع أسعار الفائدة خلال الفترات السابقة من تقلب العملة، وهذه المرة، يبدو أنه مصمم
على متابعة التزامه الأيديولوجي بأسعار الفائدة المنخفضة، قائلاً في بداية الأسبوع الماضي إن تركيا تخوض “حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال”.
أحزاب المعارضة متفائلة بأن أردوغان في سنواته الأخيرة في السلطة، والانتخابات المقرر إجراؤها عام 2023 ستنهي دوامة
الشر إذ تتلاشى شعبية أردوغان مع تآكل مستويات المعيشة بسبب الأسعار المرتفعة، وعندما تم انتخابه للمرة الأولى، وعد
حزبه الإسلامي بعصر من النمو وزيادة الدخل باطراد، لسنوات عديدة.
كان ذلك بفضل برنامج صندوق النقد الدولي الذي ورثته حكومته ثم بعد ذلك بفضل طفرة البناء التي تلاشت الآن.
في الواقع، قد تكمن ذكريات تلك الحقبة من النمو الذي يغذيه الدين وراء استمرار دعم الرئيس للأموال الرخيصة، لكن هذه مجرد أداة واحدة من بين أدوات عديدة تحت تصرفه لمحاولة البقاء في السلطة، وقد تكون لهذه الملحمة نهاية حزينة، وبلغ التضخم بالفعل معدل سنوي 20%، وهو ما يعني أن أسعار الفائدة الحقيقية تقترب من سالب 5%.
وإذا استمر الرئيس في اتباع برنامج لخفض أسعار الفائدة، فستنخفض الليرة أكثر وسترتفع الأسعار بلا هوادة.
في ظل هذه الظروف، فإن السبيل الوحيد أمام الأتراك للدفاع عن مدخراتهم هو اللجوء إلى عملة خارجة عن سيطرة أردوغان، وما لم يغير مساره فجأة، فإن السؤال الوحيد الذي يواجه تركيا، وهي دولة تتمتع بإمكانيات كبيرة، هو إلى متى سيبقى الرئيس؟ وكم الضرر الذي يمكن أن يحدثه قبل رحيله؟