ارتفعت أسعار النفط خلال الأيام الماضية، منذ بداية هذا العام، عشرة في المئة تقريباً، متجاوزة حاجز 85 دولاراً للبرميل في المتوسط.
وذكر تقرير لوكالة "بلومبيرغ" أن أغلب المحللين في السوق يقدرون أن أسعار النفط ستتجاوز حاجز 100 دولار للبرميل هذا العام. على الرغم من التزام تحالف "أوبك+" باتفاق استقرار السوق، وضمان المنتجين توازن معادلة العرض والطلب في السوق. وفي حال بلوغ الأسعار ما فوق 100 دولار، سيصل سعر النفط إلى أعلى مستوياته منذ ثمانية أعوام.
وعلى الرغم من العوامل المتعلقة بزيادة الطلب والقلق على الإمدادات بشأن توترات سياسية كما في أوكرانيا ومحدودية السعة الإضافية للإنتاج، لتلبية زيادة الطلب العالمي، فإن تقرير الوكالة يخلص إلى أن التأثير الأكبر في سوق النفط سيكون من النهاية التي تصل إليها مفاوضات فيينا بين إيران والقوى الكبرى حول برنامجها النووي.
وتشهد العاصمة النمساوية حالياً الجولة الثامنة من المفاوضات، التي بدأت في أبريل (نيسان) العام الماضي، من دون إحراز أي تقدم. وتستهدف المفاوضات عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، الذي وقعته القوى الكبرى مع إيران عام 2015، بغرض الحد من النشاط النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات عن طهران.
وكانت الإدارة الأميركية السابقة للرئيس دونالد ترمب قد انسحبت من الاتفاق عام 2018، وسارعت إيران بزيادة نشاطها النووي في انتهاك مستمر لاتفاق 2015.
سيناريوهات أربعة
ولطالما صرح الأميركيون بأن مفاوضات فيينا لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وترغب واشنطن في التوصل إلى حل بنهاية هذا الشهر. ومن غير الواضح إن كانت المفاوضات يمكن أن تستمر لجولات أخرى، أو ينسحب أحد المفاوضين ويعلن فشل المفاوضات. وفي كل الأحوال سيكون لنتيجة تلك المفاوضات أياً كانت تأثير كبير في سوق النفط، حسب تقرير "بلومبيرغ".
وينقل التقرير عن مذكرة لمصرف "بنك أوف أميركا" أن المفاوضات في فيينا هي "أكبر خطر محتمل على أسواق النفط". ففي كل الأحوال سيكون رد فعل السوق على نتائجها واضحاً. ويستعرض التقرير أربعة سيناريوهات لمفاوضات فيينا وتبعاتها على أسواق الطاقة وأسعار النفط.
السيناريو الأول هو التوصل إلى اتفاق شامل، أي أقرب ما يكون للعودة إلى اتفاق عام 2015 بما يتضمنه من وقف إيران نشاطها النووي، مقابل تخفيف العقوبات عنها. وفي هذه الحالة يمكن لإيران البدء في بيع ما بين 80 و90 مليون برميل من النفط التي تخزنها بالفعل.
لكن، لا يتوقع أن يرتفع إنتاجها من النفط بسرعة، لأن البنية الأساسية لمنشآتها النفطية تضررت بشدة جراء العقوبات، وتحتاج إلى وقت وأموال لإعادة التأهيل.
وتنتج إيران حالياً نحو 2.5 مليون برميل يومياً من النفط، أغلبها للاستهلاك المحلي. ونتيجة العقوبات الصارمة على إيران لم تصدر سوى نحو 640 ألف برميل يومياً في المتوسط للعام الماضي، حسب تقدير شركة "كبلر ليمتد".
وتقدر وكالة الطاقة الدولية أنه في حال التوصل إلى اتفاق شامل في مفاوضات فيينا يمكن أن يرتفع الإنتاج الإيراني من النفط إلى 3.8 مليون برميل يومياً بعد ستة أشهر من الاتفاق.
أما بنك أوف أميركا فيقدر أن تزيد صادرات إيران النفطية في العام التالي لاتفاق شامل بنحو 400 مليون برميل. ويقدر البنك أن أسعار النفط قد ترتفع إلى 120 دولاراً للبرميل بمنتصف العام، قبل أن تنخفض إلى ما فوق حاجز 70 دولاراً للبرميل في الربع الأخير من العام نتيجة زيادة الصادرات النفطية من إيران.
اتفاق مرحلي
ويتزايد الحديث عن احتمال التوصل إلى اتفاق مرحلي بين إيران والقوى الكبرى، وليس اتفاقاً شاملاً من دون عودة إلى اتفاق عام 2015. ومن غير الواضح إن كان تخفيف العقوبات ضمن الاتفاق المرحلي سيشمل منح إيران تنازلات بشأن تصدير نفطها.
لكن مثل هذا الاتفاق سيزيل مخاوف السوق من احتمالات التوتر في منطقة الخليج، إذ تستهدف إيران والجماعات التابعة لها مناطق إنتاج النفط في هجمات تخريب.
وتتوقع شركة الاستشارات "أف جي إي"، ومقرها لندن، أن تحصل إيران على بعض التخفيف للعقوبات النفطية في اتفاق مرحلي. وفي حال التوصل إلى مثل هذا الاتفاق في الربع الثاني من العام الحالي، يمكن لطهران زيادة مبيعاتها من النفط بنهاية هذا العام بمقدار نحو 1.3 مليون برميل يومياً، مقابل ما يزيد قليلاً على نصف مليون برميل يومياً، حسب تقديرات "أف جي إي".
ومن غير الواضح إن كان هذا السيناريو الثاني لديه فرص للتحقق، إذ ما زالت أطراف المفاوضات في فيينا تصدر تصريحات متضاربة بشأن احتمال الاتفاق المرحلي. وحتى لو حدث، فإنه سيعني تنازلات كبيرة من الجانب الإيراني ليس فقط بشأن برنامجها النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية وتدخلاتها في شؤون دول الجوار، بل أيضاً بشأن مطالبها بشأن العقوبات. إذ يستبعد الأميركيون، وحتى الأوروبيون الموقعون على اتفاق 2015، إمكانية رفع كل العقوبات كما تطالب طهران.
الوضع الراهن
أما السيناريو الثالث لتأثير مفاوضات فيينا في أسواق النفط العالمية، فمرتبط باحتمال جمود المفاوضات عدة أشهر من دون إحراز أي تقدم. ويعني ذلك استمرار الوضع الراهن ربما حتى نهاية هذا العام.
ويرى بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري أن ذلك هو الاحتمال الأرجح بأن تنتهي الجولة الثامنة الحالية من دون نتائج ويستمر الجمود عدة أشهر. ويقدر البنك أن إيران قد لا تتمكن من زيادة إنتاجها من النفط ومبيعاتها قبل العام المقبل 2023، وأنه حتى في ذلك الوقت "لن تكون عودة النفط الإيراني إلى السوق سريعة، ولا قوية".
ويتوقع البنك الاستثماري أن ترتفع أسعار النفط هذا العام إلى 100 دولار للبرميل، على أن تستقر عند مستوى 69 دولاراً للبرميل في المتوسط هذا العام.
فشل المفاوضات
يظل السيناريو الرابع الأكثر تأثيراً في أسواق النفط هو فشل مفاوضات فيينا تماماً. وذلك بانسحاب أي من الأطراف المشاركة فيها، مقتنعاً بأن المفاوضات بلا جدوى، ولن توصل إلى أي اتفاق.
في هذه الحالة سيكون التأثير في سوق النفط أشد من تأثير الوضع الراهن. فقد يعني ذلك تصعيد إيران والجماعات التابعة لها لأعمالهم العدوانية، ما يعني زيادة المخاطر على الإمدادات النفطية من المنطقة. وفي تلك الحالة قد ترتفع أسعار النفط بأعلى من كل التقديرات السابقة وإلى مستويات عالية جداً نتيجة التوترات الجيوسياسية.
وسيزيد التأثير أكثر في أسواق الطاقة العالمية في حال قامت الولايات المتحدة أو إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت مفاوضات فيينا، حسب تقرير "بلومبيرغ".