توقع محللون أن يواصل المعدن النفيس تألقه خلال الربع الأول من العام الحالي، مؤكدين أن ارتفاعات قوية تنتظر السوق خلال الفترة المقبلة لعدد من الأسباب. وخلال تعاملات الثلاثاء قفزت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى في ثمانية أشهر، وسط عزوف المستثمرين عن الأصول المحفوفة بالمخاطر وإقبالهم على المعدن النفيس الذي يعد ملاذاً آمناً مع تزايد التوتر بين روسيا والغرب بخصوص أوكرانيا. وارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.4 في المئة إلى مستوى 1877.96 دولار للأوقية، بعدما سجل في وقت سابق أعلى مستوى منذ 11 من يونيو (حزيران) الماضي بلغ نحو 1879.48 دولار. كما صعد المعدن الأصفر بنسبة 0.6 في المئة خلال العقود الأميركية الآجلة ليسجل مستوى 1880.20 دولار للأوقية.
سعر الفضة
وفي المقابل تراجع سعر الفضة خلال المعاملات الفورية بنسبة 0.2 في المئة إلى مستوى 23.79 دولار للأوقية، في حين انخفض البلاتين بنسبة 0.1 في المئة إلى 1026.86 دولار، كما تراجع البلاديوم بنسبة 0.4 في المئة إلى مستوى 2349.82 دولار.الإحصاء الذي أعدته "اندبندنت عربية" يشير إلى أن أسعار الذهب ارتفعت بنسبة سبعة في المئة خلال ستة أشهر، حيث قفز سعر الأونصة من مستوى 1754 دولار في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى نحو 1877 دولار في الوقت الحالي، ليربح المعدن النفيس نحو 123 دولاراً.
المعدن النفيس يتصدر الأصول الآمنة
ووفق وكالة "رويترز"، قال ستيفن إينيس المدير لدى "إس بي آي أسيت مانجمنت" إن الصراع الروسي – الأوكراني يدعم صعود الذهب في وقت يشهد فيه العالم تضخماً بسبب ارتفاع أسعار النفط، وعزوفاً عن المخاطر مع انخفاض أسواق الأسهم. وأضاف، "إذا فقدنا القوة الدافعة الناجمة عن صراع أوكرانيا فسيتراجع الذهب سريعاً". وحصل المعدن النفيس على مزيد من الدعم مع تراجع عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات، مما يخفض كلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائداً. وتراجع الدولار قليلاً فيما دعم جاذبية الذهب بالنسبة إلى المشترين الحائزين عملات أخرى.
ويبدو أننا سنشهد تغيرات عدة في أسعار الذهب خلال 2022، إذ يترقب الذهب بيانات الفائدة الأميركية وكذلك مؤشرات التضخم التي لها تأثير مباشر في الأسعار، إذ يعتبر الذهب وسيلة للتحوط مع ارتفاع معدلات التضخم، وكذلك النشاط الاقتصادي والاستثماري والتجاري في العالم سيكون له عامل كبير في رسم حركة الذهب.
ويرى محلل الاقتصاد الكلي الدكتور عماد كمال أن المعطيات القائمة تشير إلى استمرار هرب المستثمرين إلى الأصول والملاذات الآمنة، وهو ما يحدث بشكل طبيعي عند حدوث أزمات. وفي الوقت الحالي يواجه العالم سلسلة من الأزمات، منها أزمات اقتصادية تتعلق بالتضخم العالمي وترقب تحركات البنك المركزي الأميركي في شأن أسعار الفائدة، ومنها ما هو جيوسياسي يتعلق بالأزمة الروسية - الأوكرانية وإمكان تحول هذه الصراع إلى تدخل عسكري، وكل ذلك يعزز إقبال المستثمرين على قائمة الأصول والملاذات الآمنة.
مثلث الأسعار
وأوضح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أننا أمام مثلث من ثلاثة أضلع، يتمثل في التضخم وأسعار الفائدة وسوق الأصول الآمنة، لافتاً إلى أن الذهب سيتصدر قائمة اهتمامات المستثمرين خلال الفترة المقبلة على أنه أحد أهم الملاذات الآمنة وقت الأزمات.وأشار إلى أن القطاع الاقتصادي العالمي يترقب في الوقت الحالي نتائج قرارات مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي بشأن تحريك الفائدة نحو الصعود، وهو ما قد يعزز من المكاسب التي تنتظر المعدن النفيس خلال الفترة المقبلة.
في الوقت نفسه، فمن المتوقع أن يتسبب قرار المركزي الأميركي برفع أسعار الفائدة في هرب جزء كبير من فائض السيولة المتاح في الأسواق إلى الاستثمار في الفائدة التي تعد في الوقت الحالي أحد أهم مصادر الاستثمار في ظل الموجة الجامحة من التضخم، والتي تستلزم قيام البنوك بتحريك أسعار الفائدة لامتصاص جزء كبير من السيولة النقدية والاستثمارات.
مكاسب الدولار تكبح موجة صعود الذهب
وفي الوقت الذي تتطلع فيه سوق الذهب إلى تحقيق أرقام وارتفاعات متتالية، فإن مكاسب الدولار الأميركي تقلص حدة المكاسب، حيث ارتفع الدولار إلى أعلى مستوى خلال أسبوعين مع سعي المستثمرين إلى الأصول التي تعتبر ملاذات آمنة، وسط مخاوف من أن تكون روسيا تحضر لغزو أوكرانيا. وقالت الولايات المتحدة إن روسيا قد تقوم بهذه الخطوة في أي وقت وقد تختلق ذريعة فجأة لشن هجوم، وأكدت أمس تعهدها بالدفاع عن "كل شبر" في أراضي حلف شمال الأطلسي. في سوق العملات ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.4 في المئة إلى مستوى 96.328 في أعلى مستوى منذ الأول من فبراير (شباط) الحالي، وزاد سعر الروبل الروسي بنسبة 0.2 في المئة إلى 76.99 روبل للدولار بعد تراجعه إلى أدنى مستوياته في تعاملات الجمعة، نتيجة تخلص المستثمرين من الأصول الروسية. كما انخفض اليورو بنسبة 0.4 في المئة إلى مستوى 1.1309 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ الثالث من فبراير الحالي. وكان اليورو تراجع، الجمعة، عندما طغى الاندفاع للحصول على الأصول الآمنة على توقعات بأن يشدد البنك المركزي الأوروبي السياسة النقدية.
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إن أي إجراء يتعلق بالسياسة النقدية سيكون تدريجياً، ومن المقرر أن يصدر مجلس الاحتياط الاتحادي وقائع اجتماعه لشهر يناير الأربعاء، لكن محللين استبعدوا أن يحوز أي إجراء قد يتخذه البنك المركزي الأميركي على اهتمام الأسواق حتى تتراجع مخاطر التصعيد المحيطة بأوكرانيا.
وارتفع الين بنسبة 0.3 في المئة إلى 115.15 ين للدولار و0.6 في المئة أمام اليورو، فيما استقر الفرنك السويسري عند مستوى 1.0479 أمام اليورو.
تشديد السياسة النقدية يقلص مكاسب السندات الأميركية
وكان المحللون في بنك الاستثمار "غولدمان ساكس" خفضوا توقعاتهم لعوائد الأسهم الأميركية هذا العام، مع احتمال تشديد السياسة النقدية بصورة أكبر مما يؤثر في التقييمات.وخفض البنك الأميركي توقعاته لنهاية العام لمؤشر "ستاندارد آند بورز 500"، القياسي إلى 4900 نقطة، انخفاضاً من 5100 نقطة سابقاً، لكن لا تزال التوقعات الأقل تفاؤلاً تشير إلى ارتفاع بنسبة 11 في المئة من المستويات الحالية، على الرغم من أن الخبراء حذروا من أن المخاطر تميل إلى الاتجاه الهبوطي.وأشار "غولدمان ساكس" إلى أن "الخلفية الكلية هذا العام تعد أكثر تحدياً بكثير مما كانت عليه في عام 2021، إذ يسود عدم اليقين بشأن مسار التضخم وسياسة بنك الاحتياط الفيدرالي".وفي حين أن البنك لا يزال يتوقع نمو أرباح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة ثمانية في المئة على أساس سنوي إلى 226 دولاراً، إلا أنه قال إن التضخم المفاجئ في الاتجاه الصعودي يعني أن التقييمات سيتم تعديلها وفقاً لذلك.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع توقع محللون في البنك أن يرفع الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل من الاجتماعات السبعة المتبقية لعام 2022، بدلاً من الزيادات الخمس التي توقعها سابقاً. ويساعد موسم الأرباح القوي في تخفيف بعض المخاوف بشأن خلفية الاقتصاد الكلي، إذ ظلت أسواق الأسهم متقلبة إلا أن مواجهة عسكرية محتملة على الحدود الأوكرانية تلقي بثقلها على الرغبة في المخاطرة.
سيناريو التضخم
وفي سيناريو مغاير، توقع محللو "غولدمان ساكس" أنه إذا ظل التضخم مرتفعاً ودفع بنك الاحتياط الفيدرالي إلى زيادة ارتفاعاته أكثر مما كان متوقعاً حالياً، فسينخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 12 في المئة إلى مستوى 3900 نقطة، أو حتى ينخفض إلى 3600 نقطة إذا دفع التشديد الاقتصادي إلى الركود.على النقيض من ذلك، فإذا تراجع التضخم بشكل أسرع وكانت هناك حاجة إلى ارتفاعات أقل فسيرتفع المؤشر القياسي إلى 5500 نقطة، وفقاً للسيناريو الصعودي. وتأتي توقعات "غولدمان ساكس" في أعقاب قيام بنك "بي إن بي باريبا" بخفض توقعاته لنهاية العام لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" إلى مستوى 4900 نقطة، مشيراً إلى زيادة ضغط الهامش بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض النمو الاسمي.