على الرغم من جهود التهدئة بين روسيا وأوكرانيا، فإن اشتعال الأزمة وارد في أي لحظة. وبينما سيكون للحرب تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي، كيف سيتأثر الاقتصاد الأوكراني؟
منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021، يواجه الروس انتقادات غربية واتهامات بحشد أكثر من 150 ألف جندي في جوار أوكرانيا، ما يثير مخاوف من احتمال شن هجوم على الجارة الغربية.
في المقابل، تنفي موسكو أن يكون لديها أي خطة بهذا الاتجاه. وقد أعلنت الثلاثاء 15 فبراير (شباط) الحالي عن سلسلة انسحابات لقواتها مع عرضها مشاهد لقطارات محملة بالعتاد من دون أن يقنع ذلك الدول الغربية.
مخاوف الحرب
ولم يكد الاقتصاد الأوكراني "يتنفس" من الغزو الروسي في عام 2014، حتى جاءت مخاوف اندلاع حرب محتملة واسعة النطاق لتعمق المخاوف بشأن الاقتصاد، لما لهذه الحرب من تداعيات على الإنتاج وكميات التصدير. علماً بأنه من المتوقع أن تمثل أوكرانيا 12 في المئة من صادرات القمح العالمية، و16 في المئة للذرة، و18 في المئة للشعير.
وعلى مدى سبع سنوات، تضاعفت احتياطات أوكرانيا الدولية من النقد الأجنبي بأكثر من ثلاث مرات، لتصل إلى نحو 31 مليار دولار في نهاية 2021، مقابل نحو 7.5 مليار دولار في 2014. ما أدى إلى خفض العجز في الميزانية إلى مستويات قياسية.
تحديات وصعوبات
وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي شهدها عام 2021، فإن الأوكرانيين يعتبرون أنه كان عاماً استثمارياً ناجحاً، ضخ فيه المستثمرون نحو ستة مليارات دولار في اقتصاد البلاد، ما أسهم في تحقيق نمو نسبته 5.7 في المئة من الناتج المحلي خلال الربع الثاني من العام، في حين أن صندوق النقد حدد توقعاته عند 3.2 في المئة.
استقرار مهدد
وتمكن الاقتصاد الأوكراني من تحقيق استقرار اقتصادي نسبي خلال السنوات الماضية، لكن هذا الاستقرار مهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى، وقد يدفع كييف مجدداً إلى طلب قروض صندوق النقد الدولي، على الرغم من صعوبة هذا الأمر.
وقبل عام، قال محافظ البنك المركزي الأوكراني كيريلو شيفشينكو إن كييف تتوقع الحصول على 2.2 مليار دولار موزعة على ثلاث شرائح من صندوق النقد الدولي في 2021.
وتصريحات شيفشينكو هي الكشف الأول من مسؤول أوكراني كبير لتوقعات كييف منذ استئناف محادثات القرض مع صندوق النقد في ديسمبر (كانون الأول) بعد أن تعثر البرنامج في العام الماضي بسبب مخاوف تتعلق ببطء وتيرة الإصلاح.
سلة غذاء
تحتل الزراعة المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة إلى اقتصاد أوكرانيا. وقد وُصفت أوكرانيا سابقاً بـ"سلة غذاء الاتحاد السوفياتي". وتُعرف الآن بـ"سلة الخبز في أوروبا". وعرضتها السلطات بعد الحقبة السوفياتية بوصفها "سلة غذاء عالمية" قادرة على توفير وضمان الأمن الغذائي لدول أوروبا وغيرها، وهي مسؤولة عن عشرة في المئة من صادرات القمح العالمية.
وتتميز أراضي أوكرانيا بتربتها السوداء الشديدة الخصوبة. وتشغل الأراضي الزراعية أكثر من 71 في المئة من مساحتها البالغة نحو 604 آلاف كيلومتر مربع. وتشكل الغابات نحو 15 في المئة من مساحة البلاد.
الصادرات الزراعية
وتمثل منتجات القطاع الزراعي 45 في المئة من إجمالي الصادرات الأوكرانية. ويعبر هذا الرقم عن إسهامات القطاع في جلب النقد الأجنبي للبلاد. فقد أدخل في 2020 -على سبيل المثال- 22.4 مليار دولار للاقتصاد الأوكراني، وعام 2020 يعتبر "الأفضل" في تاريخ صادرات أوكرانيا من زيت زهرة الشمس (6.9 مليون طن)، والدواجن (431 ألف طن)، والعسل (81 ألف طن)، والفواكه (55 ألف طن)، والمعكرونة (30 ألف طن).
وصعدت كييف إلى المراتب الأولى عالمياً في صادرات الحبوب، حجر الزاوية في الاقتصاد الأوكراني. وعلى مدى العقد الماضي، احتلت المرتبة الثالثة في القمح والرابعة في الذرة. ومن المتوقع أن تصدر أكثر من ثلاثة أرباع محصولها من الذرة والقمح.
وفي الآونة الأخيرة، توجه أكثر من 40 في المئة من شحنات الذرة والقمح السنوية لأوكرانيا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتبلغ حصة البلدان الآسيوية نحو نصف إجمالي الصادرات الزراعية الأوكرانية (48.7 في المئة)، بينما تبلغ حصة الاتحاد الأوروبي 29 في المئة، وأفريقيا 12.9 في المئة، ورابطة الدول المستقلة 5.8 في المئة.
والمستهلكون الرئيسيون للمنتجات الزراعية الأوكرانية هم كالآتي: الصين، والهند، وهولندا، ومصر، وتركيا، وإسبانيا، وبولندا، وإيطاليا، وألمانيا.
الثروات المعدنية
تضم أوكرانيا أكثر من 20 ألف مقلع، و120 نوعاً مختلفاً من المناجم، منها 8172 من المناجم البسيطة، و94 منجماً صناعياً كبيراً، لاستخراج: الفحم (الحجري والكوك) حيث تنتشر المناجم وتعمل منذ عام 1795 في مناطق دونيتسك ولفيف وفولين. وبالنسبة إلى خام الحديد تضم أوكرانيا نحو 46 في المئة من جميع احتياطات الاتحاد السوفياتي السابق، وأكثر من خمسة في المئة من احتياطات خام الحديد حول العالم.
وتمتلك أوكرانيا احتياطات من الكبريت هي الأكبر في العالم، وتحتل المرتبة الثانية عالمياً في حجم احتياطات خام الزئبق.
تطورات محتملة
كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واضحة في أنها لن تواجه العمل العسكري بعمل عسكري مضاد، إذا أقدمت روسيا على الغزو، لكن تأثير الصراع في الاقتصاد العالمي قد يكون خطيراً، إذ تعهد بايدن بأن يرد الغرب "بحسم" على أي اجتياح لأوكرانيا. وهو ما قد يشمل عقوبات مالية على أكبر البنوك الروسية، وحظر تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى روسيا.
وتعد روسيا قوة تجارية كبرى في الاقتصاد العالمي ومن كبار مصدري النفط. ما يعني أن أي خيار حاسم، كفرض حظر على النفط والغاز الروسيين أو العقوبات المالية، قد يأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة والاقتصادات الأخرى، حسبما يحذر المراقبون، خصوصاً إذا ما استمرت أزمة الطاقة والضغوط التضخمية المتزايدة في التأثير في الاقتصاد العالمي.
"دوامة قطبية" على الاقتصاد والأسهم
وحسب بنك الاستثمار "مورغان ستانلي"، فإن الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا قد يدفع العديد من الاقتصادات إلى الركود. ووفق واحد من أكثر المتشائمين في "وول ستريت"، فإن ذلك قد يشكل خطراً كبيراً على أسواق الأسهم.
وكتب مايكل ويلسون، كبير محللي الأسهم الأميركية في "مورغان ستانلي"، في مذكرة إلى العملاء، أن الحرب "تزيد بشكل ملموس من احتمالات حدوث دوامة قطبية للاقتصاد والأرباح".
وقال إن من شأن ارتفاع أسعار الطاقة أن "يدمر الطلب، وربما يدفع العديد من الاقتصادات إلى ركود تام"، مضيفاً أن مخزونات الطاقة هي الأكثر عرضة للخطر، وفق ما نقلته وكالة "بلومبيرغ".