أمسك التجار رؤوسهم بأيديهم من الصدمة وهم يراقبون شاشات الكمبيوتر، وهي تومض باللون الأحمر حيث دخلت أسواق الأسهم في السقوط الحر، وتم محو ما يقرب من ستة تريليونات دولار من قيمة أسواق الأسهم العالمية، إذ انخفض مؤشر "فوتسي 100" بأكثر من 11 في المئة في الأسبوع الذي بدأ في 24 فبراير (شباط) 2020، وخسرت الأسهم في "وول ستريت" 12 في المئة من قيمتها، وكانت تلك التحركات الدراماتيكية قبل عامين بمثابة أسوأ أسبوع في الأسواق منذ الأزمة المالية لعام 2008.
وكان التجار يشهدون انعكاساً دراماتيكياً للسوق الصاعدة الذي سيطر على السنوات الـ 10 الماضية حيث استوعبت الأسواق تداعيات فيروس كورونا الذي تم تحديده في مدينة ووهان الصينية، في أواخر عام 2019، ولم يتم الإعلان عن الجائحة بعد، وكانت هناك 23 حالة فقط في بريطانيا ولم تحدث وفيات، لكن الانهيار في الأسهم كان بمثابة اللحظة التي استيقظ فيها المستثمرون على تداعيات ما أصبح يعرف في ما بعد باسم "كوفيد-19".
واليوم، وبينما يتجه بوريس جونسون نحو إلغاء شرط عزل الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالجائحة في إنجلترا عندما يقدم "استراتيجيته للعيش مع كوفيد" في 21 فبراير، يحاول المستثمرون تقييم الشركات الرابحة والخاسرة من الوباء.
فائزون وخاسرون
تُظهر الحسابات التي أجراها روس مولد، مدير الاستثمار في "إي جي بيل"، وهي شركة تقدم منصات استثمارية وخدمات سمسرة أوراق مالية عبر الإنترنت، وهي مدرجة في بورصة لندن، أنه بعد مرور عامين، هناك فائزون واضحون، مثل شركات الخدمات اللوجستية التي كان عليها التدافع لعمليات تسليم الطرود والسلع والمنتجات للأشخاص العالقين في منازلهم، أما الخاسرون فكانت سلاسل السينما وشركات السفر والسياحة بسبب عدم تمكن عملائها من الخروج من منازلهم خلال إغلاقات كورونا.
ويأتي التقييم، الذي تم إجراؤه قبل الاضطرابات التي اجتاحت الأسواق بشأن المواجهة مع روسيا حول أوكرانيا، في الوقت الذي تبدأ فيه البنوك المركزية في التحريض على رفع أسعار الفائدة، بعد أن خفضت معدلات الاقتراض إلى مستويات قياسية منخفضة في المراحل الأولى من الوباء، كما سارعت البنوك المركزية والحكومات لإنقاذ الأسواق والاقتصادات مع بدء الوباء، ما أثّر في سلوك المستثمرين وساعد في تشكيل الفائزين والخاسرين.
الثور والدب... والعودة مرة أخرى
"الثور" هو لقب المستثمر الذي يشتري الأسهم لأنه يعتقد أن السوق سترتفع، في حين أن "الدب" هو لقب من سيبيع الأسهم لأنه يعتقد أن السوق ستتحول إلى حال سلبية، وانتهت هزيمة السوق الهابطة التي بدأت قبل عامين هذا الأسبوع بالكاد بعد شهر واحد عندما انزلق مؤشر "فوتسي 100" عبر 5000 نقطة، ثم بدأ في الارتفاع اعتباراً من 23 مارس (آذار)، ومن المفارقات، اليوم الذي أصدر فيه جونسون أمر البقاء في المنزل غير المسبوق، وقال سايمون فرينش، كبير الاقتصاديين في "بانمور جوردون"، "انتعشت الأسواق في خط مستقيم بعد ذلك إلى حد كبير لمدة 19 شهراً"، وفي وقت سابق من هذا الشهر، اخترق مؤشر "فوتسي 100" 7600 نقطة مرة أخرى في بداية عام 2020 قبل أن يبدأ الوباء، وقبل أن يتعثر الأسبوع الماضي بسبب المخاوف من الحرب في أوكرانيا، وقد أقفل الأسبوع الماضي عند 7513 نقطة.
لقد ساعد التدخل الدراماتيكي للبنوك المركزية خلال الوباء في التأثير في السلوك، واقتنص بنك إنجلترا سندات الشركات في برنامج التسهيل الكمي (QE) الذي وصل إلى 895 مليون جنيه استرليني (1.2 مليار دولار) وخفض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها التاريخية بنسبة 0.1 في المئة، وقال فرينش، "إذا كنت تبحث عن عائد، فلن تجده في الدخل الثابت، ولم يكن لديك خيار حقيقي سوى الدخول في الأسهم".
وأشار مولد إلى أن إجراءات البنك المركزي، وكذلك السياسة الحكومية، مثل خطة الإجازة التي وضعها وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك، والتي خففت الاقتصاد من أسوأ ما في الأزمة وتجنبت معدلات البطالة المرتفعة التي كان يُخشى أن تحصل مع فرض الإغلاق، في حين تعرض الاقتصاد البريطاني لأكبر انهيار له منذ 100 عام، فقط ليعود مرة أخرى مع تخفيف القيود.
خاسرون
وكانت تعليمات البقاء في المنزل، والسلوك العام، هي التي تفسر التأثير الدراماتيكي على الشركات الخاسرة من الوباء، وعانت "إنترناشيونال إيرلاينز غروب" (IAG)، مالكة الخطوط الجوية البريطانية، من أكبر انخفاض في أرباحها على مستوى الشركات المدرجة في مؤشر "فوتسي 100"، مع تأرجح ربحي قدره خمسة مليارات جنيه استرليني (6.7 مليار دولار)، وفقاً لحسابات مولد، التي تغطي الفترة حتى فبراير من هذا العام.
كما تسببت أسهم السفر والترفيه في خسارة تراكمية قدرها 6.8 مليار جنيه استرليني (9.2 مليار دولار)، إذ منعت قيود كورونا الناس من السفر أو تناول الطعام بالخارج أو الذهاب إلى دور السينما.
وكان أداء أسهم شركة السينما البريطانية "سينيوورد" أحد أسوأ الأسهم أداء في مؤشر "أوول - شير" الأوسع، الذي يحتوي على 578 سهماً، وخسر 79 في المئة من قيمته، وكانت "إنترناشيونال إيرلاينز غروب من بين أفقر 20 أداء، بانخفاض 59 في المئة، في حين انخفضت "تي يو آي" للأعمال التجارية بنسبة 50 في المئة.
كما ابتلعت شركات الصحة والأدوية الضربة التراكمية بأكثر من ملياري جنيه استرليني (2.7 مليار دولار أميركي)، في حين كانت شركات التأمين ثالث أسوأ المتضررين، وتكبدت خسائر بلغت ما يقرب من 900 مليون جنيه استرليني (1.2 مليار دولار) خلال هذه الفترة.
وانهارت الأسهم في المنظمة الدولية للمعارض والمؤتمرات (Hyve) بنسبة 80 في المئة، في حين عانت شركة "ترينلاين" من قلة عدد الأشخاص الذين حجزوا تذاكر على خدمتها عبر الإنترنت، مع انخفاض أسهمها بنسبة 57 في المئة. ووجدت الشركات المشاركة في مراكز التسوق، "هامرسون"، و"كابيتال آند ريجينال"، صعوبة، وانخفض كلاهما بأكثر من 60 في المئة، كما تراجعت "إسكين" لأعمال الطيران والهندسة التي كانت تُعرف باسم "ستوبارت"، بنسبة 86 في المئة.
رابحون
في الوقت ذاته، ساعد الأشخاص العالقون في المنزل في زيادة الطلب على خدمات معينة، وسجل المتخصص في الطباعة "إكس آر" مكاسب بلغت 323 في المئة، ونمت شركة "بريميير فودز" المصنعة لشركة "كيبلينغ" بنسبة 237 في المئة خلال هذه الفترة، وقامت الأسر العالقة في المنازل بتخزين الكعك والحلويات، وصعدت كل من "كليبر لوجستيكس" و"رويال ميل" بشكل صاروخي كما فعلت أعمال المقامرة عبر الإنترنت 888 و"إنتين"، مالك "كورال آند لادبروكرز" و"بلاي تيك"، كما أدت بعض عمليات الاستحواذ في قطاع المراهنات إلى النمو، واحتلت شركة "كين آند كارتا" الاستشارية، وشركتا البرمجيات "كينوس" و"ألفا فايننشال"، قائمة أفضل 25 شركة من حيث أداء أسعار الأسهم.
من حيث الربحية، كان عمال المناجم والبنوك وشركات النفط والغاز هم الذين حققوا أكبر المكاسب، وحصد عمال المناجم المدرجون في قائمة "فوتسي" أرباحاً إضافية بقيمة 42 مليار جنيه استرليني (57 مليار دولار). وتم التأكيد على المكافآت التي حققتها صناعة التعدين، الأسبوع الماضي، عندما قالت شركة جلينكور ومنافستها "بي أتش بي" إنهما ستدفعان 12 مليار دولار للمستثمرين في ما بينهما، بينما ركبوا موجة ارتفاع الطلب وارتفاع الأسعار.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تحقق البنوك أرباحاً إضافية بقيمة 10 مليارات جنيه استرليني (13.5 مليار دولار) وبدأت أسعار الفائدة المنخفضة التي أضرت بأرباحها منذ عام 2008 في الانعكاس، وحقق بنك "نات ويست"، الأسبوع الماضي، أرباحاً بلغت 2.95 مليار جنيه إسترليني (4 مليارات دولار)، ولم يكن جميع المحركين في السوق مرتبطين بـ "كوفيد"، وحصلت شركة "إنديفاير"، الشركة الصيدلانية التي انبثقت من "ريكيت بنكسير"، على المركز الأول مع زيادة سعر السهم بنسبة 377 في المئة نتيجة للتسوية مع السلطات الأميركية في تسويق فيلم "سوبيكسون"، وهو علاج إدمان المواد الأفيونية الذي أخطأ في تسميته.
ويبدو أن شركة "شل" عانت من انخفاض كبير في الأرباح بسبب الطريقة التي تقيس بها شركات النفط الدخل، ولكن في ما يتعلق بمقياس الأرباح التي تفضل استخدامها، فقد تم تعويض خسائرها الفادحة في عام 2020 تقريباً بأرباح وفيرة في العام الماضي، مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، ما دفع بعض الجهات إلى إخضاعها وشركات الطاقة الأخرى لها لضريبة غير متوقعة.
أسرع هبوط وتعافٍ
ووصف نايجل بولتون، الرئيس التنفيذي المشارك للاستثمار في الأسهم النشطة في عملاق إدارة الصناديق "بلاك روك"، أكبر مدير للصناديق في العالم، العوامل الأخرى المؤثرة، مثل التوترات بين أسهم النمو وأسهم القيمة، فالأولى هي الشركات التي تميل إلى عدم دفع توزيعات الأرباح وبدلاً من ذلك تغري المستثمرين بوعود بالعائدات المستقبلية، وفي الوقت نفسه، تقدم الثانية الأسهم ذات القيمة مدفوعات منتظمة للمستثمرين، ما يجعلها جذابة للمستثمرين مثل صناديق التقاعد.
واستخدم بولتون، مؤشر النمو العالمي "أم أس سي آي" لتوضيح وجهة نظره، وقال لـ "صنداي تايمز"، "ارتفع هذا المؤشر بنسبة 50 في المئة منذ بداية عام 2020، بينما ارتفع مؤشر القيمة بنسبة 24 في المئة خلال الفترة نفسها. ولكن على مدار الوباء، بدأت مخزونات القيمة في اللحاق بالركب"، وارتفع مؤشر القيمة 25 في المئة في العام من يناير (كانون الثاني) 2021 إلى أوائل الشهر الجاري، بينما ارتفع مؤشر النمو بنسبة 12 في المئة، ويتعلق درسه الواضح من تحركات السوق على مدار العامين الماضيين بالسرعة التي حدثت بها الأحداث. وقال، "كل شيء [تم] تسارع، شهدنا أسرع سوق هابطة، وأسرع فترات تعاف"، ولم يتسبب الوباء في ركود تقليدي إذ انهارت الأعمال والقضاء على الوظائف، كما كانت الحال مع التصنيع في الثمانينات.
وتابع بولتون، "لم يكن لدينا ركود طبيعي، لقد كانت فترة توقف"، لكنه يعني أيضاً أن الانتعاش غير معتاد، ويمثل التضخم وليس البطالة القضية الرئيسة التي يتعين على الأسواق تقييمها. ومن المتوقع أن يرفع بنك إنجلترا سعر الفائدة والذي كان قد رفعها مرتين منذ ديسمبر (كانون الأول) في أول ارتفاعات شهرية متتالية له منذ عام 2004، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة إلى اثنين في المئة على الأقل العام المقبل، من 0.5 في المئة"، كما يتوقع بولتون أن تكون هذه الحقبة الجديدة تلك التي تواجه فيها الاقتصادات فترة طويلة من ارتفاع أسعار الفائدة بشكل أبطأ من التضخم، لذا ستكون سلبية من الناحية "الحقيقية"، ولا شك أن حل تلك الحقبة سيؤدي إلى ظهور تصنيف جديد للفائزين والخاسرين.
تسارعت "تيسلا" وكورونا دفعت "موديرنا"
لا توجد شركة تلخص النمو السريع في توقيت الوباء أفضل من "تيسلا"، السيارة الكهربائية التي ابتكرها إيلون ماسك والتي حققت نمواً في أسعار الأسهم بنسبة 412 في المئة على مدار عامين طبقاً لحسابات "إي جي بيل"، وتبلغ قيمتها السوقية اليوم حوالى 900 مليار دولار، وهو ما يفوق معظم شركات صناعة السيارات الأخرى مجتمعة، ويضخم ثروة ماسك الرائعة إلى ما يقدر بـ 240 مليار دولار، على الرغم من تراجع نمو ثروته في الأسابيع الأخيرة كجزء من عمليات بيع واسعة النطاق للتكنولوجيا.
ووصف فيليب هوشوا، محلل السيارات في "جيفيريز"، أداء "تيسلا" بأنه "استثنائي"، وأضاف أن الأداء القوي لشركة "تيسلا" في عام 2021 لم يكن لتسبب وباء كورونا في حدوث نقص في الأسعار وزيادة الأسعار، بقدر ما كان نموذج الأعمال الذي يجتمع معاً ويحقق نمواً وربحية استثنائية، في حين ينافس مشغل الكازينو "سيزارس انترتينمنت" ارتفاع سعر سهم "تيسلا" الاستثنائي، الذي أبرم اندماجاً مع "إلدورادو" في عام 2020 وأعقبه بشراء وليام هيل (تقدم تجارب الألعاب والمراهنات الرياضية للعملاء) العام الماضي. واستفاد "سيزارس" من تحرير سوق القمار في الولايات المتحدة، لكن الفائز الواضح، وغير المفاجئ، في مؤشر "أس آند بي 500" كان صانع الأدوية "موديرنا"، إذ ارتفعت بنسبة 741 في المئة على خلفية لقاح كورونا، الذي غيّر حظوظها.
وقالت جولي سيموندز، المحللة في "بانموري غوردون" لـ "صنداي تايمز"، إن الوباء قد رفع الغطاء عن شركة "موديرنا"، التي كانت سرية تقليدياً، وأظهرت قدرتها، لكنها أضافت، "أنهم بحاجة إلى إخبارنا بما لديهم وإثبات أنهم يمكنهم جلب أشياء أخرى إلى السوق".
صانعو الرقائق وشركات الطيران
وكان صانعو الرقائق هم الفائزون الآخرون بالوباء، وانضمت "إن فيديا" الأميركية العملاقة و"إي أم دي" للرسومات والتكنولوجيا والبرامج إلى أكبر 25 سهماً، إذ وجدت شركات السلع الاستهلاكية وشركات صناعة السيارات نفسها تتدافع لتأمين الإمدادات في أعقاب اضطرابات الجائحة، وفي الطرف الآخر من الطيف، كما هي الحال في المملكة المتحدة، كانت شركات السفر وشركات الطيران في حال ركود، مع وجود شركتين لخطوط الرحلات البحرية، "كرنفال" والنرويجية، تدعمان جدول الأسهم المتعثرة في مؤشر "أس آند بي 500"، وكانت "يونايتد" و"بوينغ" و"دلتا" من بين عمالقة الطيران الذين حسموا المركز الـ 25.
في أوروبا، كانت الصورة أكثر تنوعاً، وتصدرت شركة المدفوعات "أديين" (شركة دفع هولندية تتيح للشركات قبول مدفوعات التجارة الإلكترونية والجوال) الجدول بارتفاع سعر سهمها بنسبة 111 في المئة، ووجدت شركة "إي أس أم أل" ومقرها هولندا، وهي شركة منتجة لمعدات تصنيع الرقائق لمنتجي أشباه الموصلات، ارتفاع الطلب على سلعها، وارتفعت بنسبة 107 في المئة خلال الفترة قيد الاستعراض، في حين كانت شركات تصنيع السلع الفاخرة "أل في أم أتش" (هي الأحرف الأولى من "مويت هنسي لوي فيتون"، وهي مجموعة فرنسية، و"لوريال" من بين أفضل الشركات أداء على مؤشر "يورو فيرست 100" للأسهم الأوروبية الرائدة، ومن بين أكبر الخاسرين في الوباء في أوروبا شركة التطوير العقاري "يوني بيل رودامكو ويستفيلد" وشركة "أوتوس" العملاقة لتكنولوجيا المعلومات.
وعلى الرغم من عمليات البيع الأخيرة، ارتفع مؤشر "أس آند بي 500" بنسبة 35 في المئة منذ هبوط فبراير 2020، بينما ارتفع مؤشر "يورو فيرست 100" بنسبة 13 في المئة، مقابل ارتفاع بنسبة خمسة في المئة في مؤشر "فوتسي".