logo

تراجع المدخرات يضعف قدرة التونسيين

27 فبراير 2022 ، آخر تحديث: 27 فبراير 2022
تراجع المدخرات يضعف قدرة التونسيين
تراجع المدخرات يضعف قدرة التونسيين

تأثرت القروض البنكية الموجهة إلى الأفراد في تونس بالأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد. وإن شهدت القروض ارتفاعاً طفيفاً في حجمها الإجمالي، فقد شهد بعض أصنافها استقراراً في الظاهر يدل على ركود في حكم عدم تطوره. ويعود ذلك، وفق متخصصين، تحدثوا إلى ترتيبات البنك المركزي التونسي التي كبحت جماح الاقتراض، ولا سيما المخصص للاستهلاك.

في المقابل، نبهت المنظمات التونسية إلى تنامي لجوء الأسر التونسية إلى القروض الاستهلاكية التي لا تمكن الأسر من عائدات، فهي غير منتجة وتغرقها في المديونية. وقد ارتفعت نسبة اعتماد الأسر على الاقتراض لتغطية المصاريف المتنامية، في ظل تراجع المدخرات وضعف المداخيل تأثراً بالأزمة الصحية وارتفاع أسعار السلع وما نتج عنهما من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وغلاء الأسعار.

نسق بطيء

بلغ مجموع القروض الموجهة إلى الأشخاص من قبل البنوك التونسية 26.4 مليار دينار (9.16 مليار دولار) إلى حدود شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021، مقابل 25.8 مليار دينار (8.95 مليار دولار) في الفترة نفسها بحساب الانزلاق السنوي وفق البنك المركزي التونسي، بزيادة 1.3 مليار دينار (451 مليون دولار).

وتفاوت توزيع القروض بالنظر إلى وجهتها، فقد وجه 11.9 مليار دينار (4.1 مليار دولار) إلى قروض السكن، و10 مليار دينار (3.4 مليار دولار) إلى قروض إعادة تهيئة المساكن، بينما لم تتجاوز قروض اقتناء السيارات 360.9 مليون دينار (125.3 مليون دولار) مقارنة بـ336.7 مليون دينار (116.9 مليون دينار) في 2021، بتطور قيمته 24.2 مليون دينار (8.4 مليون دولار). أما القروض المخصصة للاستهلاك، فقد بلغت 4.1 مليار دينار (1.42 مليار دولار)، مقابل 3.5 مليار دينار (1.21مليار دولار) في 2021، بزيادة قدرها 581 مليون دينار (201.7 مليون دولار)، في حين خصص 4.2 مليون دينار (1.45 مليون دولار) للقروض الجامعية بنمو قدره 1.9 مليون دينار (659 ألف دولار) بحكم أنها لم تتجاوز 2.3 مليون دينار (798 ألف دولار) قبل سنة.

وإن ارتفعت بصفة نسبية القروض المخصصة للسكن بزيادة قدرها 403 مليون دينار (139.9 مليون دولار) مقارنة بالسنة المنقضية، لم يتجاوز تطور القروض الموجهة إلى إعادة تهيئة المساكن 330 مليون دينار (114.5 مليون دولار) في الفترة نفسها. ولم يرتفع المجموع الشهري لتطور قروض السكن بصفة مهمة، إذ انتقل من 11.7 مليار دينار (4 مليار دولار) في يناير (كانون الثاني) 2021 إلى 11.9 مليار دينار (4.1 مليار دولار) في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

تنامي الإقبال

ويلاحظ لطفي الرياحي رئيس منظمة إرشاد المستهلك (مستقلة) أن "الضعف الملحوظ في تطور القروض الموجهة إلى الاستهلاك، لا يعكس واقع الأسر التونسية التي ترغب في الاقتراض، لكنها تواجه ضعف المدخرات المتأتي من انعكاسات الأزمة الصحية". ويعتقد أن "الأسر التونسية واصلت اللجوء إلى الاقتراض، لكنها لا تغطي جميع حاجاتها عن طريقه، فقد استقرت القروض الموجهة إلى الاستهلاك عند 3.6 مليار دينار (1.25 مليار دولار) طوال الأشهر التسعة الأولى من 2021، ثم شهدت تطوراً طفيفاً في الشهر العاشر لتتجاوز 4.1 مليار دينار (1.42 مليار دولار). وهذا دليل على تعثر الاستهلاك الذي يعكس تراجع إقبال الأسر التونسية على عديد من السلع والخدمات. على الرغم من الإقبال الذي يشهده الاقتراض كآلية. فالتونسيون يقبلون على الاقتراض، لكن في حدود سقف معين تحكمه إمكاناتهم المالية المتآكلة".

وقد لجأ أحد الأفراد بـ950 ألف أسرة تونسية إلى الاقتراض. وقام فردان من جملة 45 في المئة من هذه الأسر بالاقتراض، ما يساوي 427 ألفاً و500 أسرة، بحسب المرصد التونسي للخدمات المالية (مستقل).

وقد شهد مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي ارتفاعاً بنسبة 0.5 في المئة، خلال ديسمبر 2021، بعد الارتفاع بنسبة 0.1 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني). ويعود ذلك إلى الزيادة المسجلة في أسعار المواد الغذائية بنسبة 0.7 في المئة وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 1.4 في المئة وأسعار الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلـية بنسبة 0.7 في المئة، وكذلك أسعار خدمات المطاعم والفنادق بنسبة 0.5 في المئة، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

ويعتبر الرياحي أن المستهلك التونسي لم يعد قادراً على العيش وتغطية نفقاته من دون اللجوء إلى الاقتراض، لكنه في إقباله على القروض يصطدم بقلة موارده المالية، ما أدى إلى النسق البطيء لنمو قروض الاستهلاك وحجمها على الرغم من تنامي الاقتراض.

ويلجأ التونسيون إلى قروض الاستهلاك بسبب غلاء الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية لديهم بفعل التضخم الذي بلغ 6.6 في المئة. وثمة أسر تلجأ مجدداً إلى الإقتراض لسداد قرض قديم، إذ تعاني 60 في المئة من الأسر من المديونية.

نسبة الفائدة

ويبدو أنه يصعب على الأسر التخلص من مديونيتها في الظرف الاقتصادي والمالي الحالي، ولكن في الإمكان التخفيف من وطأتها عبر التخفيض في نسب الفائدة. فالقرض أصبح أساسياً في حياة التونسيين، ولكن الإشكال يكمن في نسب الفائدة التي شهدت ارتفاعاً في السنوات الماضية. وإن استقرت الفائدة العامة عند 6.25 في المئة، فإن الفائدة لدى البنوك التونسية ترواح بين 8 و11.5 في المئة، إضافة إلى تكلفة الخدمات البنكية التي تشهد سنوياً ارتفاعاً بنسبة 11 في المئة، وهي تزيد في إثقال كاهل المستهلكين.

ويعتقد طارق بن جازية، كاتب عام المرصد التونسي للخدمات المالية، أن نمو الاقتراض مقابل تراجع مجموع القروض لا يفسر بالتضخم وتراجع القدرة الشرائية فحسب، بل يعود إلى الترتيبات التي اتخذها البنك المركزي التونسي. ويذكر أن نسبة النمو السنوي للقروض الموجهة إلى الأشخاص كانت عند 17 في المئة قبل 2016، لكنها أضحت ضعيفة بعد رفع الفائدة العامة في السنوات الخمس الماضية، بالتالي في نسب الفائدة لدى البنوك.

تراجع النمو

ويشير محمد صالح سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي، إلى تأثر الاقتراض في العموم بمؤشرات النمو. وبالنظر إلى الركود المسجل بمحركات الاقتصاد التونسي، وخصوصاً الاستهلاك، يتراجع نسق الاقتراض في المجمل ولا سيما الموجه إلى الأشخاص. ويظهر النمو البطيء لمجموع القروض تعثر إحدى رافعات الاقتصاد، وهو الاستهلاك. ويعود ذلك إلى تفاقم البطالة التي بلغ معدلها 18.4 في المئة في الربع الأخير من 2021، إضافة إلى التضخم وغلاء الأسعار اللذين تسبباً في تراجع مداخيل الأسر التونسية، بالتالي مدخراتها، ما يجعلها عاجزة على اقتراض المبالغ التي تطمح إليها. وحد ذلك من نسق نمو الدين على الرغم من الإقبال على الاقتراض. وهي نتائج بديهية لمخلفات الأزمة الصحية التي أدت إلى انكماش النمو إلى 9 في المئة سنة 2020 تلته عودة بطيئة للغاية للنشاط الاقتصادي بنسبة نمو سالبة في مستهل سنة 2021 الذي انتهى بتقديرات نسبة نمو ضعيفة تساوي نحو 3 في المئة في الربع الأخير.

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024