logo

اقتناء الذهب صار مستعصياً على التونسيين وسط صعود الأسعار

02 مارس 2022 ، آخر تحديث: 02 مارس 2022
اقتناء الذهب صار مستعصياً على التونسيين وسط صعود الأسعار
اقتناء الذهب صار مستعصياً على التونسيين وسط صعود الأسعار

صعد سعر غرام الذهب عيار 24 قيراطاً في تونس خلال تعاملات الأحد، 20 فبراير (شباط) 2022، إلى نحو 176.40 دينار (61.10 دولار)، كما زاد سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطاً (الأكثر تداولاً في الأسواق)، إلى نحو 154.35 دينار (53.46 دولار)، وارتفع سعر غرام الذهب عيار 18 قيراطاً إلى نحو 132.30 دينار (45.83 دولار).

وتعكس هذه الأسعار الوضعية الصعبة التي يشهدها قطاع المجوهرات والذهب في تونس، وأنها أضحت مستعصية على عموم التونسيين، لا سيما المقبلين على الزواج، مما يجعل الوضعية صعبة على المواطنين والمهنيين والتجار.

ويدخل اقتناء الذهب والمصوغ في تونس ضمن العادات والتقاليد المتفق عليها عبر مختلف الأزمان والعصور، بخاصة بالنسبة إلى النساء، ولكونه أيضاً قيمة ثابتة لا يمحوها الزمن، ويتم اللجوء إليها في أحلك الفترات والأزمات للعائلات، ولكن خلال السنوات الأخيرة، وبخاصة في العقد الأخير، أصبح الإقبال على هذا المعدن الثمين والبراق في تونس فاتراً وضعيفاً بسبب تزايد أسعاره، مما جعله منتوجاً ليس في متناول حتى الطبقات الوسطى.

ارتفاع لافت في العقد الأخير

وقال رئيس غرفة تجار المصوغ بتونس حاتم بن يوسف إن سعر غرام واحد من الذهب عيار 24 قيراطاً، وصل في منتصف فبراير إلى مستوى 168.3 دينار (59.7 دولار) وهو مستوى مرتفع جداً، كما بلغ سعر غرام الذهب عيار 18 قيراطاً إلى 158 دينار (54.4 دولار)، معتبراً أن التونسي لم يعد قادراً على اقتناء الذهب في ظل تراجع مقدرته الشرائية واهترائها خلال العقد الأخير بشكل لافت. ولاحظ أن أسعار الذهب والمصوغ إجمالاً زادت بشكل كبير بمعدل 10 دولارات منذ عام 2011 مقابل معدل سعر الغرام ما بين 80 و90 ديناراً أي بين (27.5 و31) دولاراً.

وأرجع ابن يوسف ارتفاع أسعار الذهب في تونس إلى أسباب عدة أبرزها التدني الكبير لسعر صرف الدينار التونسي إزاء الدولار (عملة شراء الذهب) في السنوات الأخيرة بمعدل ثلاث مرات، من معدل 1.6 دينار إلى 2.9 دينار حالياً، وارتفاع أسعار المواد الأولية التي يتم بموجبها تصنيع الذهب علاوة أيضاً على تنامي كلفة الحرفيين الذين يطالبون بالترفيع في سعر تصنيع الغرام الواحد من الذهب نظراً لاهتراء مقدرتهم الشرائية.

وأقر هذا الحرفي الذي له خبرة في مجال الذهب والمصوغ في تونس لنحو نصف قرن، بتراجع الإقبال على اقتناء الذهب والمصوغ في البلاد بشكل اعتبره أمراً محيراً، يعكس الوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد، مضيفاً أنه في زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة كان يتم قياس مستوى العيش بمعياريين اثنين، الأول مستوى أسعار المواد الغذائية، والثاني معدلات أسعار الذهب في سوق "البركة"، في إشارة منه إلى أهمية مادة الذهب.

 

وأسف حاتم بن يوسف لوضعية العديد من محال المصوغ في تونس التي أقفلت أبوابها جراء الغلاء المسجل في أسعار الذهب، مضيفاً "الطلب اليوم تركز على الذهب من عيار تسعة قراريط، والمقبلون على الزواج أضحوا يقتنون قطعة أو قطعتين من المصوغ مراعاة للعادات والتقاليد نظراً لغلاء الأسعار".

وجوب تحرير القطاع

وعن الحلول التي يراها بن يوسف عاجلة ومحورية لإنقاذ القطاع من الانهيار، تتلخص بحسب نظره في إيجاد حل لتدهور الدينار التونسي من خلال العودة للعمل وتنمية التصدير، وألح في الطلب على تنقيح القوانين المنظمة لقطاع الذهب وتحرير القطاع عبر نزع الاحتكار عن البنك المركزي التونسي والسماح للمهنيين المرخص لهم باقتناء الذهب إلى جانب إيجاد حل جذري لموضوع الذهب غير الحامل للطابع الرسمي الذي يتم بيعه بأبخس الأثمان، وشدد على أن الذهب غير الحامل للطابع يعد ثروة مهدرة إذ إنه بحسب اعتقاده يتم سنوياً بيع عدد من الأطنان من هذا النوع من الذهب بأسعار متدنية، والحال أن الدولة يمكن أن تستفيد منه عبر إدراج ضرائب شرط السماح بتداوله في السوق بشكل قانوني.

الضغط لم يفض إلى حلول

وسبق للمهنيين أن نفذوا عدداً من التحركات الاحتجاجية للمطالبة بإيجاد حل لتدني نشاطهم الآخذ في التقهقر، وأعلن المجمع المهني للمصوغ التابع لكونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (منظمة أعراف)، تنفيذ إضراب عام سنة 2020 في قطاع المصوغ على إثر رفض وزارة المالية اتخاذ الإجراءات اللازمة لحل العديد من المشكلات العالقة منذ سنوات، والتي تهم بالأساس كميات الذهب المصادرة من 1990 إلى 2019، ومراجعة النصوص القانونية المتعلقة بإجراءات الرقابة والسرية المهنية ومكافحة التهريب والحملات التي تمس صورة المهنيين إلى جانب الحاجة إلى إعادة تأهيلهم، ويشار إلى أن وحدات إنتاج المصوغ في تونس تبلغ أكثر من 115 وحدة.

الإفلاس يهدد المهنيين

وأكد رئيس الغرفة الوطنية لتجار المصوغ حاتم بن يوسف أن شبح الإفلاس يهدد 15000 تاجر في ظل الوضع الاقتصادي والوبائي الحالي، مبرزاً أن الأزمة التي يمر بها قطاع بيع المصوغ لم يشهد لها مثيل منذ أكثر من نصف قرن، واعتبر أن الخوف من المستقبل ومن المجهول هما السبب الرئيس وراء عزوف المواطن عن شراء الذهب، لافتاً إلى أن محال عدة أغلقت أبوابها نهائياً بسبب هذه الأزمة، في حين اختفى بعض التجار هرباً من المديونية المجحفة التي حالت دون مواصلة عملهم.

تخوف من تنامي التهريب والغش

وبموجب قانون 2005 يحتكر البنك المركزي التونسي توريد الذهب، وتبدي السلطات التونسية على الرغم من عمليات التصعيد التي يقودها المهنيون تمسكاً كبيراً بالمحافظة على مراقبة تجارة المصوغ، ويرى مسؤول في البنك المركزي أن تحرير القطاع سيفتح الباب على مصراعيه أمام الغش والاتجار غير القانوني بهذه المادة النفيسة، وهو ما يدفع الحكومة للتمسك بقوانين ضبط هذه السوق.

وكانت اللجنة التونسية للتحاليل المالية (التابعة للبنك المركزي) كشفت في تقرير لها في أغسطس (آب) 2017، أن المهربين يستغلون تونس كبلد عبور لكميات مهمة من الذهب في اتجاه دول آسيوية لتصنيعها وإعادتها إلى دول الجوار، موفرة مسلكاً آمناً لتهريب 19 طناً و400 كيلوغرام من الذهب بين سنتي 2012 و2014، مما يشكل تهديداً في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وأقرت اللجنة آنذاك بأن قطاع الذهب في تونس معرض لـ "تهديدات مرتفعة" بسبب سوء تنظيم القطاع والأوضاع المضطربة بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وتفشي التهريب مقارنة بمستوى احتياط الدولة من الذهب، وتحتل تونس المرتبة 78 دولياً و12 عربياً في احتياطات الذهب وفق بيانات مجلس الذهب العالمي باحتياط يناهز 6.8 طن.

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024