بينما تتصدر أخبار أسعار النفط العناوين حول العالم مع ارتفاعها بسبب الحرب في أوكرانيا، توجد أزمة صامتة تتعلق بواحد من أهم حبوب الغذاء في العالم، فعلى مدى اليومين الماضيين تصل أسعار القمح في بورصة الحبوب والغلال بالولايات المتحدة إلى الحد الأقصى من الارتفاع حتى وصلت الأربعاء إلى أعلى مستوى منذ 14 عاماً.
وارتفع سعر العقود المستقبلية للقمح 7.62 في المئة الأربعاء ليقارب حاجز 11 دولاراً للشيكارة (الشيكارة 60 رطلاً – 27.21 كيلوغرام).
وذلك أعلى مستوى يصل إليه سعر القمح منذ بلغ 10.9 دولار للشيكارة في 26 مارس (آذار) عام 2008 في وقت الأزمة المالية العالمية.
وجاءت الحرب في أوكرانيا لتهدد واردات القمح من اثنين من أكبر مصدريه في العالم، في وقت تتعرض فيه مناطق أخرى لمشكلات جفاف موسمي، إضافة إلى أن تجارة القمح ما زالت تعاني تبعات الإغلاقات في الاقتصاد العالمي خلال عامي كورونا الماضيين.
وبحسب "بنك أوف أميركا" فإنه من بين تجارة القمح العالمية التي يبلغ حجمها 270 مليون طن سنوياً، تأتي نسبة 17 في المئة من روسيا باعتبارها أكبر مصدر للقمح في العالم، و12 في المئة من أوكرانيا التي تعد من بين أكبر أربعة مصدرين للقمح عالمياً.
أزمة غذاء
ويخشى المتعاملون في أسواق الحبوب وخبراء الأغذية في العالم نقص الإمدادات من أكبر مصدرين، وعدم توافر بدائل لهما، كما نشرت مجلة "فورين أفيرز" في تقرير لها حول تهديد الحرب في أوكرانيا بأزمة قمح في العالم تضر أكثر بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومع مرور أسبوع على الحرب تزداد المخاوف من أن يؤدي تعطل الصادرات من الموانئ الأوكرانية، بخاصة على البحر الأسود، أو توقفها تماماً إلى أزمة في المعروض من القمح بالسوق العالمية.
كما أن العقوبات المفروضة على روسيا تؤثر بشكل غير مباشر في قدرتها التصديرية بما في ذلك القمح، إذ بدأ اضطراب سلاسل التوريد منها مع إعلان الشركات العالمية الخروج من روسيا بسبب العقوبات.
وتنقل المجلة عن جوزيف غلوبر من المعهد الدولي لأبحاث سياسات الغذاء قوله "إننا نتحدث عن أمر سيضر فعلاً بالإنتاج، والمثير للقلق أكثر أنه أمر يحدث في منطقة تعد سلة غذاء العالم".
وحتى قبل حرب أوكرانيا كانت أسعار القمح تتعرض إلى ضغط بسبب تبعات فترة كورونا، وأيضاً موجات الجفاف في مناطق عدة من العالم، ففي الشهور الأولى من الوباء ارتفعت أسعار القمح 80 في المئة بحسب أرقام صندوق النقد الدولي.
ويضيف غلوبر، "يأتي ذلك ليضاف إلى مشكلة النقص في الإمدادات العالمية من القمح، وهو أسوأ وقت يحدث فيه هذا الأمر".
وتقع موانئ تصدير القمح من أوكرانيا ضمن مناطق القتال، مما يعني احتمالاً كبيراً لتعطل قدرتها على التصدير.
مشكلات اجتماعية مزمنة
أما روسيا فإن العقوبات على قطاعها المالي تعني أن عمليات تسوية تعاقدات التصدير، بما فيها الطاقة والقمح والحبوب ستتضرر بشدة، وعلى سبيل المثال فإن بنك "في تي بي" الروسي مسؤول عن نحو ثلثي تعاقدات السلع للتصدير من روسيا، وهو الآن من أكبر البنوك الخاضعة للعقوبات الأميركية، كما تقول حليمة كروفت من البنك الاستثماري "آر بي سي كابيتال ماركتس".
وتضيف كروفت، "أين تذهب هذه الصادرات من القمح؟ إنها تذهب لدول فيها مشكلات اجتماعية مزمنة، ورأينا من قبل كيف أن مشكلات كلفة المعيشة وأسعار الغذاء والسلع أدت إلى احتجاجات شعبية من قبل".
وتعتمد أغلب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا، مثل مصر والعراق والجزائر ولبنان وتونس، ويقول كبير الاقتصاديين في برنامج الغذاء العالمي عارف حسين إن بعض تلك الدول "في وضع خطر بالفعل في ما يخص مشكلات الجوع وعدم توفر الأمن الغذائي".
ويضيف حسين، "كثير من تلك الدول على شفا المجاعة بالفعل"، ضارباً مثلاً بلبنان الذي لا يوجد لديه مخزون من القمح سوى ما يكفي شهراً واحداً.
ويستورد لبنان 60 في المئة من القمح من أوكرانيا، ويحاول جاهداً الآن توفير القمح من موردين آخرين مثل الولايات المتحدة وكندا والهند.