كشف كبير الاقتصاديين في "موديز أناليتكس"، مارك زاندي، أن مخاطر الركود مرتفعة بشكل غير مريح وتتحرك نحو الأعلى، إذ تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في تفاقم أزمات الأسعار والسلع وخصوصاً النفط، وهو ما عزز دخول العالم في ركود تضحمي عنيف خلال الفترة المقبلة.
وأشار زاندي في مذكرة بحثية حديثة إلى أن الحرب في أوكرانيا، والتضخم المرتفع بشدة، والارتفاع السريع في أسعار الفائدة، كلها أزمات تواجه الانتعاش الاقتصادي الذي بدأ قبل عامين، وهي تهديدات جديرة بأن تؤدي إلى زواله المبكر، إذ لم يتعاف الاقتصاد العالمي حتى الآن من التداعيات والمخاطر التي خلفتها جائحة كورونا.
وأوضح زاندي أن الاقتصاد الأميركي لديه فرصة واحدة من كل ثلاثة، على الأقل، للغرق في ركود خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، خصوصاً أن مخاطر الركود مرتفعة بشكل غير مريح وتتحرك نحو الأعلى، لا سيما بعدما سجل معدل التضخم أعلى مستوى داخل الولايات المتحدة في أكثر من 40 عاماً خلال الفترة الماضية.
ارتفاع احتمالات الركود في أميركا
وأشار تقرير "موديز" إلى أنه قبل هجوم روسيا على أوكرانيا، كان الاقتصاديون يأملون أن تهدأ أسعار الطاقة والتضخم العام في الربيع والصيف. لكن، في الوقت الحالي، أصبحت توقعات التضخم مظلمة، مع ارتفاع حاد في أسعار البنزين والمواد الغذائية والمعادن وغيرها من المواد الخام. وقال زاندي، إنه "من المنطقي الشعور بالتوتر هنا... الحرب الروسية والارتفاع الحاد في أسعار النفط والسلع الأساسية، كل ذلك غير مجريات الأمور".
وفي وقت سابق من مارس (آذار) الحالي، قال الاقتصاديون في بنك "غولدمان ساكس" إن فرصة حدوث ركود في الولايات المتحدة خلال العام المقبل ارتفعت لتصل إلى 35 في المئة.
وربما تدفع صورة التضخم المتدهورة مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى بذل مزيد من الجهد لخفض التضخم إلى مستويات صحية. وتشير البيانات إلى ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة 7.9 في المئة خلال فبراير (شباط) الماضي، وهو أكبر ارتفاع في 12 شهراً منذ 40 عاماً. لكن بيانات التضخم الأخيرة لم تتناول تأثير الهجوم الروسي على أوكرانيا على السوق الأميركية.
ورأى زاندي أنه من الواضح أن الحرب في أوكرانيا تعزز توقعات التضخم، وهو تطور ينذر بالسوء لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الذين كانوا يأملون تهدئة مخاوف التضخم. وغالباً ما يتوتر محافظو البنوك المركزية عندما تتوقع الأسر وكبار رجال الأعمال ارتفاع الأسعار، لأن ذلك يمكن أن يصبح نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها. وأضاف "هذا خط لا يمكن تجاوزه... هذا يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يكون عدوانياً للغاية".
إجراء لم يفعله الاحتياطي الفيدرالي منذ 1994
في تقرير حديث، توقع بنك "مورغان ستانلي"، الذي انضم إلى عدد من البنوك الأخرى في "وول ستريت"، أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية خلال كل من الشهرين المقبلين. ولم يفعل الاحتياطي الفيدرالي ذلك في اجتماعات متتالية منذ 1994.
وقال زاندي "كلما زادت خطوات بنك الاحتياطي الفيدرالي على المكابح، زادت احتمالية توقف السيارة ودخول الاقتصاد في حالة ركود... والأيام المقبلة سوف تشهد تسارع وتيرة التضخم مع موجات جديدة من ارتفاعات الأسعار في جميع أنواع السلع... كل ذلك يشير إلى أن الأزمة أصبحت وشيكة".
وأشار إلى أن الاحتمالات لا تزال في مصلحة بنك الاحتياطي الفيدرالي لجعل الاقتصاد يتباطأ في توسع مستدام ذاتياً. وأضاف "نحتاج إلى القليل من الحظ هنا. لا يمكن للوباء وأوكرانيا السير في طريق مظلم".
وفي خطاب ألقاه في وقت سابق من الأسبوع الحالي، أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إلى أن البنك المركزي الأميركي في الماضي كان قادراً على ترويض التضخم، من دون تعطل الاقتصاد. واستشهد بالأعوام 1965 و1984 و1994 كأمثلة. وقال باول "أعتقد أن السجل التاريخي يوفر بعض الأسس للتفاؤل: فقد كانت عمليات الهبوط الناعمة، أو على الأقل السهلة، شائعة نسبياً في تاريخ النقد الأميركي".
الركود التضخمي يلوح في الأفق
في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي، اتهم لاري سمرز، وزير الخزانة الأميركي السابق، الاحتياطي الفيدرالي بـ "التفكير بالتمني والوهم.
وحذر سامرز سابقاً من أن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي تركت الاقتصاد الأميركي في طريق الركود الكبير والركود التضخمي، وهو مزيج سام من النمو الضعيف والتضخم المرتفع الذي شوه الاقتصاد الأميركي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.
من جانبه، قال زاندي إن الركود التضخمي حدث "منخفض الاحتمال" لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيفعل كل ما يلزم لتجنب ذلك، بما في ذلك إنهاء الانتعاش. وأضاف "إذا بدا أننا نتجه نحو الركود التضخمي، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيدفعنا إلى الركود".