يقرع شهر رمضان أبواب الأتراك وهم في حال حرج، غلاء يضاعف معاناتهم، وعملة متدنية، وتضخم مرتفع وسط محاولة السلطات التركية معالجتها من أجل قضاء شهر مليء بالفقرات العائلية ومائدة غنية بأطباق تراثية ورثها الأتراك عن أجدادهم منذ مئات السنين وحافظوا عليها.
ولأنه شهر مميز تجد الأتراك يولونه اهتماما لدرجة أنهم يستعدون له منذ النصف الثاني من شهر شعبان، حيث تجد حركة لافتة في الأسواق، لكن هذا العام الوضع مختلف قليلا، ففي "أنكا مول" أكبر مراكز تسوق العاصمة أنقرة الذي كان يشهد اكتظاظا مع كل قدوم للشهر الفضيل، ترى حركة الناس بطيئة لشراء حاجيات رمضان.
الحاجة مليحة أونال أثناء وقوفها في طابور قصير لشراء خبز البيدا الذي يعتمده الأتراك على مائدة الإفطار، قالت للجزيرة نت "على الرغم من غلاء الأسعار غير المسبوق في تركيا فإنني دعوت أبنائي وأحفادي لمشاركتي أنا وجدهم أول سحور رمضاني، حيث سأقدم لهم الفواكه الطازجة والتين المجفف والملبن التركي المحشو بالمكسرات والقشطة، من أجل تخفيف حدة العطش عليهم نهار تركيا الطويل".
وبابتسامة خالطتها نفحة حزن ارتسمت على محياها، أضافت الحاجة مليحة (67 عاما) "سأجتمع بهم أيضا أول أيام رمضان للإفطار معهم، وسأعد لهم مأكولات طيبة لن تشمل مع الأسف كفتة داود باشا التراثية التي اعتدنا على صنعها في رمضان منذ أيام أجدادنا العثمانيين وذلك بسبب غلاء ثمن اللحوم الحمراء التي وصل الكيلو منها 120 ليرة" (الدولار يعادل 14.68 ليرة).
بينما شكا حياتي أرجان (بائع في سوق أولوص أكبر أسواق أنقرة الشعبية) قلة المقبلين على شراء "رمضان شربتي" بسبب ارتفاع سعره، مشيرا إلى أن ارتفاع الأسعار ناتج عن عودة ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تجاوز 14 ليرة للدولار.
ورمضان شربتي "ramazan şerbeti" مشروب بارد يقدم في رمضان وتغص به متاجر الأغذية خلال الشهر الفضيل، حيث يستهلكه الأتراك بشدة، وهو أيضا موروث عثماني قديم يرتبط بشكل وثيق برمضان، ويمحلّى بالسكر مع خليط من نكهات بعض الفواكه كالعنب والتوابل لا سيما القرفة.
ورغم تضعضع الوضع الاقتصادي فإن البائع حياتي يُصر على أن شعبه سيعيش فرحة الشهر الفضيل خاصة بعد شوق له امتد لسنتين بسبب وباء كورونا.
وأضاف "سنرحب بسلطان الشهور ونقول له مثل كل عام "hoşgeldin ya şehri ramazan" أي "أهلا يا شهر رمضان".
وقد أعدت المتاجر الكبيرة سلات غذائية رمضانية متنوعة بأسعار في متناول المواطن كحل لارتفاع الأسعار.
ولشهر رمضان مكانته الخاصة لدى الأتراك، فقد توارثوا الاستعداد له والاحتفال بحلوله، وخاصة ليلة الرؤية وأول سحور وأول يوم، حينما تجتمع الأسرة على مائدة إفطار واحدة في جو أسري يضم كل أفرادها، لاسيما الجدات والأجداد الذين يمثلون النفحة الجميلة الباقية للحفاظ على تقاليد وعادات رمضان التي تميزه عن باقي شهور السنة.
ويعتمد المسلمون في تركيا الحسابات الفلكية في ثبوت شهر رمضان، وقليل من الناس من يخرج ليرصد هلال الشهر الفضيل.
وحسب رئاسة الشؤون الدينية فإن رمضان هذا العام سيكون 30 يوما، وأقصر ساعات الصيام ستكون في هاطاي (جنوب) وستمتد على مدار 15 ساعة و33 دقيقة، في حين ستكون أطول ساعات صيام بمدينة سينوب (شمال) حيث ستمتد إلى 16 ساعة و10 دقائق
وفي هذا العام لم تفح روائح المسك والعنبر وماء الورد من كل البيوت بسبب أسعارها الباهظة، فقد جرت العادة على نثر هذه العطور الطبيعية على عتبات الأبواب والحدائق المحيطة بالمنازل.
وتقيم الجمعيات الخيرية، وبالاشتراك مع أهل الإحسان والميسورين، كل يوم من أيام رمضان ما يسمى موائد الرحمن المفتوحة التي تمثل فرصة كبيرة للفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وتقام هذه الموائد عادة في الساحات والأماكن العامة، كما يوزع أهل الخير الحلوى والمشروبات على الأطفال المشاركين في صلاة التراويح عقب انتهائها.
وتتميز تركيا، عن غيرها من الدول أيضاً، بعادة تناول وجبة ثالثة ما بين الفطور والسحور، لكنها غالبا ستلغى من قاموس الكثير من العائلات هذا العام بسبب الغلاء
وأبقت وكالة فيتش على تصنيفها الائتماني للاقتصاد التركي عند "BB-" وغيرت نظرتها المستقبلية لهذه البلاد من مستقرة إلى سلبية خلال العام 2022
وأشارت الوكالة الى أن النمو الاقتصادي لتركيا قوي مقارنة بمثيلاتها من الدول، لكن نصيب الفرد من الدخل بهذا البلد يتجه نحو الانخفاض من حيث القيمة الدولارية.
وقال وزير المالية نور الدين نباتي إنه يتوقع أن يبلغ معدل التضخم ذروته عند نحو 40% خلال الأشهر المقبلة، وألا يتجاوز 50% عام 2022، حسبما نقلت مصادر حضرت اجتماعا مع الوزير.
وقد ارتفعت الأسعار بضغط من قيام البنك المركزي بخفض الفائدة الرئيسية بـ 500 نقطة أساس في 4 اجتماعات متتالية، قبل أن يوقف في آخر اجتماعين سلسلة الخفض