تعثرت التجارة العالمية في مارس (آذار) بسبب تسارع التضخم والحرب في أوكرانيا وإغلاقات "كوفيد-19" في الصين، ما يعزز احتمالات دخول الاقتصاد العالمي رقعة صعبة إذ يكافح صانعو السياسات من أجل الحفاظ على النمو، وتشير الأرقام التجارية واستطلاعات الرأي للنشاط التجاري الصادرة هذا الشهر من التجار الأقوياء في آسيا، والصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، إلى التراجع، كما تباطأت صادرات الصين، الشهر الماضي، وسجلت الواردات إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم أول انخفاض سنوي لها منذ ما يقرب من عامين، وفقاً للأرقام الصادرة، الأربعاء 13 أبريل (نيسان).
وقال بعض الاقتصاديين إن التدفقات التجارية تتراجع بسبب ذبول الطلب من المستهلكين الأوروبيين الذين يتصارعون مع هجوم ارتفاع أسعار الطاقة وإغلاق المدن الكبرى في شنغهاي وشنتشن ما أدى إلى تباطؤ الإنتاج في المصانع الصينية، وأضافوا أنه في حين أن شهية الولايات المتحدة للواردات صامدة، فمن المرجح أن يؤثر التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في إنفاق المستهلكين، وتعد التحديات على جبهة التجارة علامة على آفاق اقتصادية عالمية قاتمة وتضرب الحكومات التي تتعامل مع تداعيات حرب أوكرانيا، والتي تعطل إمدادات السلع الأساسية مثل الحبوب والنفط والمعادن. في غضون ذلك، تحاول البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم من دون تعطيل النمو.
ويجتمع وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في واشنطن العاصمة، الأسبوع المقبل، لمناقشة المشاكل المتضاعفة إذ يستعد الاقتصاد العالمي لنمو أقل هذا العام مقارنة بعام 2021، وقال مارك زاندي كبير الاقتصاديين في "موديز أناليتيك" لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "تعد التجارة سبباً إضافياً لتوقع تراجع النمو العالمي هذا العام".
اضطرابات تجارية
وقالت منظمة التجارة العالمية في أحدث توقعاتها، التي أعلنتها، الثلاثاء، أن الاقتصاد العالمي سيتوسع بنسبة 2.8 في المئة في عام 2022، وهو أضعف من متوسط ثلاثة في المئة بين عامي 2010 و2019، وتتوقع أن تنمو التجارة العالمية في السلع بنسبة ثلاثة في المئة فقط، بعد التعديل، بالنسبة إلى تغيرات الأسعار، مقارنة بـ9.8 في المئة في عام 2021، وأشارت المنظمة إلى الاضطرابات التجارية في السلع الأساسية بسبب حرب أوكرانيا وعمليات الإغلاق في الصين التي "أدت مرة أخرى إلى تعطيل التجارة المنقولة بحراً في وقت بدا فيه أن ضغوط سلسلة التوريد تتراجع".
تراجع الصادرات الآسيوية
وتظهر استطلاعات نشاط التصنيع تراجعاً في الصادرات في تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، ومنتجي الرقائق، والإلكترونيات المتطورة والآلات التي دفعت بوفرة تجارية في عام 2021 حيث ساعدت لقاحات كورونا والتحفيز السخي على عودة الاقتصاد العالمي إلى الحياة.
أكبر انكماش في الصادرات الصينية
في الصين، يعمل نهج الحكومة الذي لا يتسامح مطلقاً في القضاء على تفشي "كوفيد-19" على ضغط الإنفاق الاستهلاكي وإلحاق الضرر بإنتاج المصانع في اقتصاد كان يعاني بالفعل أزمة عقارية واتساع نطاق الحملة التنظيمية على التكنولوجيا وغيرها من الصناعات، وأفاد مكتب الجمارك الصيني بأن نمو الصادرات الصينية تباطأ إلى 15 في المئة سنوياً في مارس، من 16 في المئة في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) مجتمعين، وتجمع البيانات الرسمية بين الشهرين الأولين من العام في محاولة لتخفيف التقلبات الكبيرة في النشاط حول العام القمري الجديد، وهو عطلة رئيسة في الصين وأجزاء كثيرة من آسيا، ويقول الاقتصاديون إن هذا لا يزال بإمكانه ترك الصورة مشوهة، ويميلون إلى إجراء تعديلات إحصائية خاصة بهم لحساب الانقطاع، الذي انخفض هذا العام في أوائل فبراير.
وقال جوليان إيفانز-بريتشارد كبير الاقتصاديين الصينيين في "كابيتال إيكونوميكس"، إنه بعد التعديلات الموسمية، يقدر أن الصادرات الصينية، في مارس، انخفضت بنسبة ستة في المئة عن فبراير، مع الأخذ في الاعتبار تأثير ارتفاع أسعار الصادرات بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وأضاف إيفانز-بريتشارد في مذكرة للعملاء أن حساباته تشير إلى أكبر انكماش في أحجام الصادرات الصينية منذ انتشار الوباء في أوائل عام 2020.
تباطؤ نمو الصادرات لأوروبا وروسيا وانتعاشها لأميركا
وتباطأ نمو الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي وجنوب شرق آسيا، وكذلك الصادرات إلى روسيا حيث عطلت العقوبات الغربية تجارتها مع بقية العالم، في حين انتعش نمو الصادرات إلى الولايات المتحدة، وقال أنجوس لين، مدير التجارة في شركة "وينتشو ديان بيت بروداكتس كو"، إن الاختناقات اللوجستية نتيجة تفشي "كوفيد-19" في شنغهاي أدت إلى تأخير الشحنات إلى العملاء الأجانب، بينما انخفضت الطلبات من أوروبا في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وفي علامة أخرى على تجمع الرياح المعاكسة للتجارة العالمية تراجعت الواردات الصينية وأدى أسوأ تفشٍّ لوباء كورونا في البلاد منذ عامين إلى إغلاق مناطق بعيدة مثل جيلين في الشمال الشرقي ومركز التكنولوجيا في شنتشن في الجنوب، كما أدى الإغلاق إلى حبس الملايين من الصينيين في منازلهم، ومع تباطؤ إنتاج المصانع، تباطأ الطلب على المكونات، واتخذت السلطات خطوات صغيرة لتخفيف الإغلاق في شنغهاي، المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الصين، لكن القيود استمرت في تعطيل تدفق البضائع عبر المدينة، وأظهرت بيانات الجمارك انخفاض الواردات في مارس بنسبة 0.1 في المئة عن العام السابق، وهو أول انخفاض سنوي للصين في الواردات منذ أغسطس (آب) 2020، وتراجعت الواردات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على حد سواء.
انخفاض الواردات سيئ للتجارة العالمية
وقال كريج بوثام، كبير الاقتصاديين الصينيين في "بانثيون" للاقتصاد الكلي، "انخفاض الواردات بشكل مباشر أمر سيئ للغاية بالنسبة إلى التجارة العالمية"، وارتفعت الواردات من روسيا بنسبة 26 في المئة في مارس، متباطئة من وتيرة يناير وفبراير عند 36 في المئة، وقال المحللون إنه بعد أخذ أسعار الطاقة المرتفعة في الاعتبار، من المحتمل أن تكون الواردات من روسيا قد انخفضت في مارس، ما يشير إلى أن الصين لم تكثف مشترياتها من النفط الروسي التي تجنبها الغرب، وقدر إيفانز بريتشارد انخفاض حجم إجمالي الواردات لروسيا في مارس بنسبة 10 في المئة عن فبراير، وتشير الإشارات المتشائمة الناشئة من مراكز التصدير القوية في آسيا إلى تحول عن الماضي القريب عندما كانت التجارة العالمية بمثابة المحرك لانتعاش المنطقة من أعماق الوباء في عام 2020، وقال أديتيا ماتو، كبير الاقتصاديين لشرق آسيا والمحيط الهادي بالبنك الدولي، "هذه منطقة ازدهرت بفضل التجارة".
زيادة أسعار السلع والطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية
وأدى هجوم روسيا على أوكرانيا والعقوبات الغربية رداً على ذلك إلى زيادات حادة في أسعار السلع والطاقة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشركات، فضلاً عن تعطيل سلاسل التوريد وتثبيط الطلب في أوروبا، ولا يواجه المستهلكون هناك ارتفاعاً في أسعار البنزين وحسب، بل يواجهون ارتفاعاً حاداً في فواتير الطاقة المنزلية نتيجة لارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي، وبالنسبة إلى المصدرين الآسيويين الآخرين، تعني معركة الصين ضد متحور "أوميكرون" من "كوفيد-19" عدداً أقل من الطلبات من المصانع الصينية للرقائق والمكونات الأخرى المستخدمة في الإلكترونيات والمركبات، فضلاً عن انخفاض الطلب الصيني على منتجاتهم النهائية، وسجلت الدراسات الاستقصائية لمديري المشتريات في الشركات المصنعة في تايوان وكوريا الجنوبية واليابان هذا الشهر أكبر انخفاض في طلبات التصدير منذ ما يقرب من عامين.
كما أن بيانات التجارة الرسمية لتايوان وكوريا الجنوبية متشائمة هي الأخرى، وبالتكيف مع السنة القمرية الجديدة والآثار الموسمية الأخرى، وقدر الاقتصاديون في "غولدمان ساكس" أن صادرات تايوان في مارس انخفضت بنسبة تسعة في المئة عن فبراير، بينما ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 0.5 في المئة فقط، وقالت شركة "هيونداي موتور" الكورية الجنوبية هذا الشهر إن المبيعات الخارجية في مارس تراجعت بنسبة 14 في المئة عن العام السابق حيث واجهت الشركة مشاكل في سلسلة التوريد، بما في ذلك إغلاق مصنع في روسيا، وقال بريان تان، الاقتصادي الإقليمي لآسيا في "باركليز" في سنغافورة، "نحن بالتأكيد نمر بفترة صعبة"، وسيكون الأمر متقطعاً إلى حد ما، بخاصة في الأشهر القليلة المقبلة حيث تعمل الصين على القضاء على تفشي المرض.