إلى جانب أنباء ساحات القتال، يتابع العالم بقلق بالغ تداعيات الحرب الروسية على زراعة الحبوب عموما، والقمح خصوصا، في أوكرانيا، متوجسا من تعرض الأمن الغذائي لخطر كبير يتمثل في النقص وارتفاع الأسعار.
ذلك يعود إلى حقيقة أن أوكرانيا كانت في 2021 خامس مصدر للقمح عالميا، وأن كثيرا من المناطق الأوكرانية الساخنة أو المتوترة تعدّ أرضا رئيسة لزراعة القمح، ومنها منطقة خيرسون جنوبي البلاد، التي كانت "سلة غذاء" أوكرانيا في مجال الحبوب وغيرها، وسيطرت عليها روسيا في أول أيام الحرب.
كما تضم القائمة الرئيسة لعمليات زراعة القمح مناطق تشيرنيهيف وكييف، التي شهدت معارك عنيفة حتى أواخر مارس/آذار الماضي، وتشهد عمليات نزع ألغام حتى اليوم، إضافة إلى مناطق خاركيف شرقا وأوديسا جنوبا وزابارورجيا في الجنوب الشرقي، حيث يتهم الأوكرانيون الروس بـ"سرقة" 400 ألف طن من مخزون قمحها.
في المحصلة، توقعت وزارة السياسات الزراعية في أوكرانيا أن يتراجع إنتاج أراضي البلاد بنسبة 30% في العام الجاري، قبل أن تعدل رئاسة الوزراء نسبة التراجع إلى 20% في أواسط أبريل/نيسان الماضي.
أسباب ذلك -حسب المحلل الاقتصادي إيهور بوراكوفسكي- تحرير بعض المناطق، وإجراءات اتخذتها الحكومة لتشجيع المزارعين والشركات، بمنح قروض من دون فوائد، والإعفاء من رسوم التصدير.
ومن الأسباب أيضا إعفاء الاتحاد الأوروبي -المستورد الرئيس للقمح والزيوت الأوكرانية بنسبة 30%- المصدرين الأوكرانيين من الرسوم.
لكن هذا الأمر -حسب بوراكوفسكي- لا يطمئن الأسواق العالمية، موضحا، في حديث مع الجزيرة نت، أن "أوكرانيا صدّرت نحو 25.6 مليون طن من القمح في 2021، أو ما يعادل 80% من إنتاج قياسي في عام زراعي ناجح، وقد تراجعت هذه النسبة إلى 30% أو 50% في عام الحرب وهي نسبة لن تكفي حاجة الدول".
والأسواق المتضررة أكثر من غيرها هنا هي في دول أوروبا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وآسيا، التي تعدّ أبرز المستوردين للقمح الأوكراني.
وتراجع الإنتاج ليس السبب الوحيد لتنامي المخاوف العالمية، بل تتبعه كذلك مخاوف ارتفاع الأسعار بنسب قياسية أيضا، في ظل الخسائر الناجمة عن إغلاق الموانئ الأوكرانية، وصعوبات تواجه عمليات الشحن.
ووفقا لأوليغ نيفيفسكي نائب رئيس كلية كييف للاقتصاد، فإن الحصار الروسي على موانئ بحر آزوف والبحر الأسود، التي كانت تصدّر عبرها 90% من صادرات الحبوب سنويا ونحو 5-6 ملايين طن من الحبوب شهريا، يلحق بالبلاد خسائر تقدر بنحو 170 مليون دولار يوميا.
ويضيف في حديث مع الجزيرة نت أن تراجع الإنتاج وحصار الموانئ "سيؤديان إلى ارتفاع أسعار القمح عالميا لتعويض تلك الخسائر، ودفع تكاليف طرق برية بديلة عبر بولندا، لكنها لن تعوض أحجام وجدوى التصدير عبر الموانئ، فضلا عن أنها قيد الدراسة، ولا تستثنى من مخاطر القصف الروسي".
في سياق متصل، يرى خبراء أن العالم أمام أزمة نقص وغلاء في أسعار الغذاء لا مفر منها، ويستدلون على ذلك بالأرقام أيضا.
ويقول ميكولا هورباتشوف، رئيس جمعية مصدري الحبوب الأوكرانية، إن "أوكرانيا الخامسة عالميا في صادرات الحبوب، وفي 2021 صدّرنا 50 مليون طن، لكن التوقعات لعام 2022 تراجعت من 70 مليون طن إلى أقل من 35 مليونا".
وتابع "القاعدة العامة تقضي بتوريد 30% من الحبوب إلى دول الاتحاد الأوروبي، و30% إلى شمال أفريقيا، و30% إلى آسيا. هذه الوجهات ستتأثر بتراجع الكم وزيادة السعر حتما".
وفي رأيه "لا مفر من أزمة غذاء عالمية في ظل استمرار الحرب، والطرق البرية البديلة عن الموانئ، وفق تقديراتنا، وحتى إن تم الاتفاق عليها فلن تسمح بتصدير أكثر من مليون طن شهريا، أي بواقع 6 مرات أقل مما كان عليه الحال في العام الماضي".