نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times) البريطانية مقالا يتحدث عن التهديد المتوقع أن يتعرض له الاقتصاد العالمي مما يُسمى بنوك الظل.
وقال كاتب العمود بالصحيفة روتشير شارما في المقال إنه بينما يرفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة، يحتدم الجدل حول دورة التضييق هذه إن كانت ستؤدي إلى ركود أم لا؟ ليوضح أن التاريخ يشير إلى إجابة مثيرة للاهتمام تقول إنه "منذ الحرب العالمية الثانية، أي تشديد من قبل بنك الاحتياطي الفدرالي يؤدي إلى مجموعة من النتائج للاقتصاد، من الهبوط الصعب إلى الضعيف، لكنه يؤدي دائما إلى أزمات مالية في مكان ما، بما في ذلك كل أزمة عالمية كبرى في العقود الأخيرة".
ويبيّن الكاتب أنه ومع الانتشار السريع للإقراض المصرفي والرهن العقاري، غالبا ما تتجسد أولى علامات الأزمة في ارتفاع ديون الشركات والأسر، المركزة في العقارات، ومع ذلك فإن هذه المؤشرات اليوم عند مستويات مقلقة في عدد قليل من الدول، على رأسها كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
يوضح الكاتب أن التدفق المستمر للأموال السهلة من البنوك المركزية أدى إلى تغذية الأزمات المتسلسلة على امتداد عقود.
ويحاول المنظمون عادة معالجة مصادر الأزمة الأخيرة، فقط لتحويل الائتمان إلى أهداف جديدة، فبعد الأزمة العالمية في عام 2008 اتخذت السلطات إجراءات صارمة ضد المصادر الرئيسة لذلك الانهيار، البنوك الكبرى وقروض الرهن العقاري التي دفعت بتدفق الأموال السهلة إلى القطاعات الأقل تنظيما، خاصة إقراض الشركات من قبل "بنوك الظل".
تدير بنوك الظل معا 63 تريليون دولار من الأصول المالية، ارتفاعا من 30 تريليون دولار قبل عقد من الزمن.
وقال شارما إن هذا المجال الذي يقع خارج الهيئات التنظيمية سيكون المكان الذي ستنشأ فيه الأزمة القادمة.
وأشار إلى أن بنوك الظل تشمل دائنين من أنواع عديدة، من صناديق التقاعد إلى شركات الأسهم الخاصة ومديري الأصول الآخرين، وتدير معا 63 تريليون دولار من الأصول المالية، ارتفاعا من 30 تريليون دولار قبل عقد من الزمن. وما بدأ في الولايات المتحدة انتشر في جميع أنحاء العالم، ونمت بنوك الظل أخيرا على نحو أسرع في أجزاء من أوروبا وآسيا.
وقال الكاتب إنه على الرغم من تراجعه في المدة الأخيرة تحت ضغط الحكومة، فإن قطاع الظل المصرفي الصيني لا يزال من بين أكبر القطاعات في العالم بنسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 4% في عام 2009، وهو متورط بشدة في الإقراض المحفوف بالمخاطر للحكومات المحلية والعقارات والشركات والمقترضين الآخرين.
وفي أوروبا- يضيف الكاتب- تشمل البؤر الرئيسة مراكز مالية مثل أيرلندا ولوكسمبورغ، حيث توسعت أصول بنوك الظل، ولا سيما صناديق التقاعد وشركات التأمين، بوتيرة سنوية تراوح من 8% إلى 10% في السنوات الأخيرة.
وحدد الكاتب المقترضين الذين تجب مراقبتهم من كثب الآن بالشركات، ففي الولايات المتحدة لا تزال ديون الشركات كحصة من الأصول قريبة من المستويات القياسية، لا سيما لدى الشركات العاملة في الصناعات الأكثر تضررا من الوباء، بما في ذلك شركات الطيران والمطاعم.
وقال إن ثلث شركات المساهمة العامة في الولايات المتحدة لا تكسب ما يكفي لتسديد مدفوعات الفائدة، وإن أي زيادة في تكاليف الاقتراض ستجعل الحياة صعبة على هذه الشركات التي تحتاج إلى ائتمان سهل للبقاء على قيد الحياة.
كثير من هذه الشركات يعتمد على الديون الباهظة الثمن غير المرغوب فيها، التي تضاعفت في العقد الماضي لتصل إلى 1.5 تريليون دولار، أو ما يقرب من 15% من إجمالي ديون الشركات الأميركية، كما يقول الكاتب.
وقد تم الكشف عن ضعفها في وقت مبكر من الوباء، عندما ارتفعت مخاطر التخلف عن السداد مدة وجيزة، ولكن سرعان ما تمت تغطيتها من خلال ضخ كميات هائلة من السيولة من الاحتياطي الفدرالي.
كثير من هذه الشركات يعتمد على الديون الباهظة الثمن غير المرغوب فيها، التي تضاعفت في العقد الماضي لتصل إلى 1.5 تريليون دولار.
وأكد الكاتب أن الأسواق الخاصة تشهد حاليا أكبر فترات الازدهار، فبعد عام 2008، عندما شدد المنظمون الخناق على أسواق الدين العام، لجأ العديد من المستثمرين إلى هذه القنوات الخاصة التي تضاعف حجمها منذ ذلك الحين 4 مرات إلى ما يقرب من 1.2 تريليون دولار، وجزء كبير منه هو الإقراض المباشر من مستثمري القطاع الخاص للمقترضين من الشركات الخاصة التي تكون في كثير من الأحيان محفوفة بالمخاطر، وكثير منها في هذه السوق على وجه التحديد لأنها غير منظمة.
وقال الكاتب إنه لا شيء يسلط الضوء على البحث المحموم عن العائد في الأسواق الخاصة بشكل أوضح مما يسمى بشركات تطوير الأعمال، إذ يقوم بعض أكبر مديري الأصول في العالم بجمع المليارات لهذه الشركات التي تعد بعوائد تتراوح من 7% إلى 8% على القروض للشركات الصغيرة والهشة من الناحية المالية.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، مع نمو الأسواق المالية إلى أكثر من 4 أضعاف حجم الاقتصاد العالمي، تغيرت حلقات التغذية الراجعة؛ فالأسواق التي كانت تعكس الاتجاهات الاقتصادية أصبحت الآن كبيرة بما يكفي لدفع هذه الاتجاهات.
ومن ثم، من المرجح أن تنشأ الأزمات المالية القادمة في مناطق جديدة من الأسواق، حيث كان النمو متفجرا، ولم يصل المنظمون بعد.
ويختم الكاتب تقريره بالقول إن الخطر الأكبر، في عالم تحوّل إلى عالم مالي إلى حد كبير، هو أن حادثا في الأسواق سيحسم الجدل حول مدى صعوبة تشديد بنك الاحتياطي الفدرالي في التأثير على الاقتصاد الحقيقي.