logo

تفاصيل نظرة مستقبلية "سلبية" لاقتصاد مصر.. من سيدفع "الفاتورة"؟

29 مايو 2022 ، آخر تحديث: 29 مايو 2022
مصر.jpg
تفاصيل نظرة مستقبلية "سلبية" لاقتصاد مصر.. من سيدفع "الفاتورة"؟

للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، خفضت وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، محذرة من أن "البلاد لا تزال معرضة للخطر"، ما يثير المخاوف بشأن تداعيات القرار على الاقتصاد المصري عامة، والمواطن خاصة.

وتعني النظرة المستقبلية السلبية، أن موديز من المرجح أن تخفض تصنيفها لمصر بدلا من رفعه أو الحفاظ عليه مستقرا، وفقا لوكالة "بلومبرغ".

وشهدت مصر آخر تخفيض في تصنيفها الائتماني عام  2013، فما يعني تصنيف موديز  ولماذا جاء سلبيا في هذا التوقيت؟

ما علاقة أوكرانيا؟

يقول الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إن التصنيف السلبي يعني ارتفاع تكاليف اقتراض مصر من أسواق المال الدولية وارتفاع الفوائد على كافة أنواع أدوات الدين المصري المتداولة في الأسواق المالية العالمية.

وأضاف في تصريحات لموقع "الحرة"، أن هذا التقييم يعرقل خطط مصر المستقبلية لطرح المزيد من السندات في أسواق المال.

وأشارت "موديز" إلى أنها غيرت نظرتها المستقبلية للقدرة الائتمانية من مستقرة إلى سلبية مستندة إلى المخاطر الجانبية المتزايدة لقدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية.

وعن ذلك يقول الخبير الاقتصادي، "الوكالة ترى أن قدرة مصر على سداد التزاماتها الخارجية تكتنفها بعض المشاكل".

ويعلق عبدالمطلب على أسباب تلك النظرة السلبية، قائلا: "في اعتقادي أن طلب مصر لقروض من أجل تغطية وارداتها من القمح كان السبب الأساسي لتغير هذه النظرة من مستقرة إلى سلبية".

ووفقا لرئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، فقد تأثر الاقتصاد المصري بفعل تداعيات الحرب على أوكرانيا، حيث تستورد مصر أكثر من 42 في المئة من الحبوب التي تحتاجها من روسيا وأوكرانيا.

وأشار رئيس الوزراء المصري إلى أن  31 في المئة من السوق السياحي المصري يعتمد على مواطني الدولتين.

وعن تداعيات الحرب في أوكرانيا، كشف أن الموازنة العامة للدولة ستتحمل نحو 7 مليارات دولار تأثيرات مباشرة لارتفاع أسعار السلع الأساسية والبترول، بالإضافة إلى أكثر من 27 مليار دولار تأثيرات غير مباشرة.

إشادة.. رغم السلبية

وفي الوقت ذاته، يؤكد الخبير الاقتصادي ومستشار المركز العربي للدراسات، أبوبكر الديب، أن تقرير "موديز" أشاد بالاقتصاد المصري رغم تعديل الوكالة نظرتها المستقبلية لمصر إلى سلبية من مستقرة.

وقال الخبير الاقتصادي في حديثه لموقع "الحرة"، إن "الاقتصاد المصري تمكن من امتصاص الصدمات الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا مثلما نجح في امتصاص تداعيات جائحة كورونا من قبل".

واستطرد: "مصر كغيرها من دول العالم تعرضت للأزمة مالية عالمية ضخمة  أصابت أغلب دول العالم وأدخلت اقتصاديات كثيرة في دائرة الجمود والركود".

وأوضح أن التداعيات الاقتصادية لغزو أوكرانيا وجائحة كورونا قد أدت إلى تخفيض التصنيف الائتماني لثلثي الدول الأفريقية من قبل إحدى مؤسسات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى على الأقل منذ أوائل عام 2020، مستدركا "لكن مصر نجحت في تثبيت تصنيفها خلال نفس الفترة".

واستشهد الخبير الاقتصادي، ببيانات رسمية مصرية، تشير إلى "استهداف الحكومة المصرية جذب استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 10 مليار دولار سنويا خلال السنوات الأربع القادمة".

وقال إن مصر حققت معدلات نمو إيجابية خلال عامي 2020 و 2021، كواحدة من دول قليلة نجحت في هذا الأمر بشكل متواصل خلال تلك الفترة.

وتابع: "مصر واحدة من 10 في المئة فقط من دول العالم التي استطاعت تحقيق فائض أولي بالموازنة خلال الفترة الماضية وتراجع معدلات البطالة لتصل إلى 7.2% في مارس 2022".

وفي أعقاب صدور تقييم موديز، قالت وزارة المالية المصرية، إنها تستهدف تحقيق فائض أولى قدره 1.5٪ من الناتج المحلي خلال العام المالي 2022/2023.

وأضافت أنها ستواصل إدارة وخفض نسبة المديونية الحكومية للناتج المحلى لتصل الى 75% على المدى المتوسط مع استمرار جهود وخطط إطالة عمر الدين الذي وصل مؤخرا إلى 3.3 عام بدلا من متوسط لعمر الدين بلغ نحو 1.5 عام في يونيو 2016.

تداعيات  اقتصادية "غير خطيرة"

تلك الوقائع تطرح سؤالا آخر، فما تداعيات تلك النظرة المستقبلية السلبية على الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة؟

وعن تداعيات تلك التداعيات المنتظرة، يقول عبدالنبي عبدالمطلب، إنها "لن تكون خطيرة ما لم يصدر تقييم آخر في غضون ثلاثة أشهر يخفض التصنيف الائتماني لمصر أكثر".

وأضاف: "مصر سوف تبدأ موازنتها الجديدة بعد عدة أسابيع، وقد بدأت بالفعل منذ الشهر الحالي تطبيق زيادات في هيكل رواتب العاملين بالدولة".

واستطرد: "مصر حاليا في موسم حصاد القمح المحلي، وطلب تمويل لاستيراده كان أهم أسباب تخفيض التصنيف، وبذلك قد لا تضطر مصر للدخول كمقترض من الأسواق الدولية حاليا، لحين صدور التقييم الجديد".

من جانبه يري أبوبكر الديب، أن تداعيات قرار "موديز"، قد تكون إيجابية، معتبراً أنها "خطوة مهمة تضاف للاقتصاد المصري الذي نجا من التخفيض بسبب الاستجابة الاستباقية للحكومة للأزمة الروسية الأوكرانية ونجاح تنفيذ الإصلاح الاقتصادي والمالي على مدى السنوات الست الماضية".

وقال إن مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني انضمت إلى مؤسستي "فيتش" و"ستاندرد اند بورز" في تأكيد تصنيفهما الائتماني لمصر عند B2.

وأشار أبو بكر الديب، إلى أن تلك التصنيفات "ستفتح أبواب الاستثمارات الأجنبية للسوق المحلي بشكل مباشر وغير مباشر كما تدعم سوق أدوات الدين الحكومية بالخارج وتساعد في نجاح مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي".

أعباء جديدة على كاهل المصريين

قد تضيف تلك النظرة السلبية المستقبلية أعباء جديدة على كاهل المصريين، وقد تؤثر "بشكل سلبي على المواطن المصري"، وفقا لرأي عبدالمطلب.

وعن ذلك يقول "عند صعوبة الاستدانة من أسواق المال العالمية، أو المؤسسات المالية الدولية، فقد تلجأ الدولة لزيادة الاقتراض من الداخل أو فرض أعباء إضافية على المواطن المصري".

وتابع: "هذا التصنيف قد يجبر الدولة على التشدد في توفير التمويل للواردات مما قد يؤدي إلى شح السلع وبالتالي ارتفاع الأسعار".

واستطرد: "ارتفاع أسعار القمح، ثم ارتفاع أسعار الخبز أهم دليل على صحة هذا الاستنتاج، والمتابع للسوق المصري سيكشف ارتفاع كافة أسعار السلع بنسب تتراوح بين 10 في المئة إلى 50 في المئة".

وأوضح أن "تراجع قدرة الدولة على توفير التمويل المناسب لعملياتها، سواء في الإنتاج أو الاستيراد، قد يؤدى لزيادة الأسعار وزيادة الضغوط على المواطن المصري".

وفي تقريرها أشارت "موديز"، إلى المخاطر السياسية المتزايدة "لا سيما في سياق الزيادة الحادة في تضخم أسعار المواد الغذائية والتي إن لم يتم تخفيفها يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال"، قد حذرت من تداعيات أزمة الخبز في مصر، والتي قالت إنها "قد توقظ مخاوف قديمة من اضطرابات سياسية في البلاد".

وأشارت الصحيفة إلى أن احتمال حدوث نقص في الخبز، يعد بين التحديات الأمنية الأكثر إلحاحا التي واجهتها الدولة المصرية منذ عام 2013.

وأوضحت  أن مصر سعت إلى الحصول على قروض واستثمارات بمليارات الدولارات من الحكومات المجاورة وصندوق النقد الدولي للمساعدة في دفع تكاليف الخدمات الاجتماعية.

 أزمة مالية ضخمة وتضخم غير مسبوق

وحقق "البنك المركزي المصري"، الأسبوع الماضي أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ ما يقرب من نصف عقد، في محاولة لمعالجة التضخم المرتفع.

وبعد ارتفاع التضخم السنوي إلى 13.1 في المئة في أبريل، تحولت معدلات الفائدة في السياسة المصرية إلى سلبية للمرة الأولى منذ عام 2018، وفقا لـ"بلومبرغ".

وتشير تقديرات موديز  إلى أن حجم الدين المصري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، قد يصل إلى 93.5 في المئة في السنة المالية 2022.

وفي الوقت ذاته، أشارت موديز  إلي أن تصنيف مصر لا يزال يستفيد من "استجابة الحكومة الاستباقية للأزمة، وأيضا نتيجة لسجلها الحافل في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية على مدى السنوات الست الماضية".

وتقول "بلومبرغ"، إن مصر تسعى إلى جلب استثمارات بمليارات الدولارات في القطاع الخاص، كما أنها تعتزم وضع سياسات جديدة لتعزيز الاقتصاد.

وتعليقاً على ذلك، يقول أبو بكر الديب، "رغم موجات التضخم غير المسبوقة في العالم منذ عقود، فهنالك نجاحات قد حققها برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر".

وعن تلك النجاحات، أشار إلى "السيطرة على معدلات التضخم في مصر مقارنة بالأسواق المجاورة والأسواق الناشئة ونجاح الحكومة المصرية في توفير معظم السلع والمواد الأساسية دون وجود نقص في الأسواق".

عودة النظرة المستقرة

تلك الوقائع، تطرح سؤالا جديدا، هل يمكن أن تتغير تلك النظرة السلبية المستقبلية قريبا أم لا؟ وكيف يمكن أن يحدث ذلك؟

وعن إمكانية تغيير تلك النظرة السلبية، يقول عبدالمطلب، "بالتأكيد يمكن أن يتغير هذا التصنيف ارتفاعا أو انخفاضا حسب التغيرات في الاقتصاد المصري"، مضيفا "هذه الوكالات تصدر تقييما جديدا كل ثلاثة شهور".

من جانبه أكد أبو بكر الديب، أن " تصنيف مصر لا يزال مقيدا بمقاييس السيولة الخارجية الضعيفة وسط اعتماد كبير على استثمارات غير المقيمين في سوق السندات المحلية".

وتوقع الديب نجاح محادثات مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد وبالتالي عودة النظرة المستقبلية لمصر إلى "مستقرة قريبا جدا".

وعن كيفية حدوث ذلك، يقول إن هناك 5 عوامل تتعلق بنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي شرعت فيه الحكومة منذ عام 2016، ونجاح برنامج الطروحات الحكومية بالبورصة، وتطبيق خطة الدولة التخارج من بعض القطاعات الاقتصادية والاستثمارية.

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024