بينما لا تزال المفاوضات النووية متعطلة بين الولايات المتحدة وإيران، تستمر العقوبات في إحداث الفوضى متسببة في ارتفاع التضخم وتراجع الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الأسعار.
وفي تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" (middle east eye) البريطاني، قال الكاتبان عمر الفاروق ورضا خواسته إنه بعد عدة أشهر من المفاوضات الرامية إلى استئناف الاتفاق النووي الإيراني، توقفت المحادثات مع مخاوف من احتمال انهيارها بشكل تام، وطوال ذلك الوقت، استمرت العقوبات الدولية وتحمّل المواطنون الإيرانيون العبء الأكبر؛ إذ إن الهزات الاقتصادية زادت من صعوبة حياتهم اليومية.
ونظرا لإدراجها لسنوات ضمن القائمة السوداء المالية من قبل المجتمع الدولي، تعلمت إيران التأقلم مع هذا الوضع، لكن التضخم المطرد وانخفاض قيمة الريال الإيراني وتراجع الناتج المحلي الإجمالي ولّد أزمة حادة.
وصرح إسفياندر باتمانجليج، وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بأن "العائلات الإيرانية باتت مجبرة على تغيير قائمة مشترياتها من البقالة، وأصبح الكثير من الإيرانيين يستهلكون كميات أقل من اللحوم، حتى إنهم قلقون بشأن تكلفة المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والخبز، ومع أن إيران لا تواجه أزمة جوع حقيقية، إلا أن تراجع القدرة الشرائية يمثل أزمة إنسانية".
وأضاف باتمانجليج "يجب الاعتراف بأن تراجع سبل العيش ورفاهية الأشخاص العاديين دليل على إخفاق السياسة التي تهدف إلى تقليل الأضرار الإنسانية".
وشهد الناتج المحلي الإجمالي لإيران نموا منذ عام 2010 حتى عام 2012 تبعه تراجع مطرد نتيجة العقوبات الدولية على صادرات النفط الإيرانية.
وفي عام 2016، سجل هذا الناتج ارتفاعا طفيفا نتيجة تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، لكنه انخفض بشكل كبير بمجرد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الصفقة بعد ذلك بعامين.
وبحلول عام 2020، وصل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى ما يقارب ثلث ما كان عليه في عام 2012، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار في إيران بشكل عام، كان متوسط الدخل بالبلاد يشهد انخفاضا؛ مما جعل تكلفة السلع الأساسية مثل الطعام والأدوية باهظة للغاية.
حيال هذا الشأن، قال باتمانجليج إن "تأثير العقوبات على العملة الإيرانية ومعدلات التضخم المرتفعة التي سجلتها إيران خلال فترة العقوبات زاد من تكلفة جميع أنواع السلع، بينما ارتفعت أسعار المستهلك بنحو 40% مقارنة بالعام الماضي، وهذا يعني تدني القدرة الشرائية بالنسبة لملايين الأسر الإيرانية".
يقول علي -وهو مواطن إيراني يبلغ من العمر 26 عاما يعيش في طهران- إن العقوبات الأميركية لم تضاعف أسعار السلع والخدمات الأساسية فحسب، بل أدت أيضا إلى صعوبة العثور على بعض الأدوية خلال الأعوام القليلة الماضية.
وبينما تجادل الولايات المتحدة بأنها توفر استثناءات إنسانية تسمح بدخول الأدوية إلى البلاد، قالت جماعات حقوقية إن فرض عقوبات ثانوية خلق مخاوف لدى بعض الشركات من العمل في إيران، مما أعاق الوصول إلى أنواع معينة من الأدوية.
وأشار الكاتبان إلى أنه حتى في حالة توفر أنواع معينة من الأدوية، فإن التضخم في البلاد قد جعل بعضها باهظ التكلفة بالنسبة للمواطن الإيراني العادي.
لذلك، وحتى مع توفر الأدوية على رفوف الصيدليات، تمنع العقوبات الإيرانيين من الحصول عليها. ويعد التضخم أحد أكثر تداعيات العقوبات المسلطة على إيران التي لا تلقى التغطية الكافية، وقد سلط باتمانجليج الضوء في تقرير الأخير على تأثير العقوبات السلبي على مستوى التضخم في البلاد.
فعلى سبيل المثال، احتل التضخم في الولايات المتحدة عناوين الأخبار الرئيسية هذا العام بعد أن ارتفع بنسبة 8.5% خلال الأشهر العديدة الماضية، وهذا يجبر شريحة كبيرة من الأميركيين على الاعتماد بالكامل على رواتبهم لتغطية نفقاتهم.
في المقابل، اعتاد الإيرانيون على العيش في ظل التضخم منذ عقد من الزمان، وفي ظل عدم جدوى المحادثات الجارية يخشى الكثيرون تواصل التضخم من دون نهاية.
وتقول عايدة (38 عاما) -وهي مديرة شركة لتصميم قاعات المؤتمرات ودور السينما- "فقد عديد من الناس وظائفهم نتيجة إعادة فرض العقوبات الأميركية".
ولكن حتى في حال وافقت الولايات المتحدة على الصفقة النووية (المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة) ورفعت العقوبات فورا، فإن تحسن الأوضاع سوف يستغرق ما لا يقل عن 6-8 أشهر ليتمكن الإيرانيون من استيراد السلع التي يحتاجونها أو أن تبيع الحكومة نفطها وتحصل على الإيرادات.
ويذكر بيمان (24 عاما)، الذي يعمل في محل بقالة، أن عائلته لا تتمكن أحيانا من تغطية جميع نفقاتها وسط الارتفاع اليومي للأسعار، لذلك يتعين على جميع أفراد عائلته الأربعة -بمن فيهم أخته الصغيرة- العمل بين 8 و10 ساعات يوميا ليتمكنوا من العيش ولو بدخل أقل من المتوسط.