عادت الخلافات والتشنجات بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بشأن آلية تصدير النفط الخام من الحقول في الإقليم، لتؤجج التوتر بين الجانبين، وتهدّد بإضعاف رغبة المستثمرين الأجانب بالتوجه إلى العراق.
وبدأت هذه الخلافات عندما أصدرت المحكمة الاتحادية في بغداد قرارا منتصف فبراير/شباط الماضي يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في الإقليم، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، بل يجب أن يكون التصدير عن طريق بغداد بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط العراقية. ومن ضمن قرارات المحكمة الاتحادية استقطاع مبالغ تصدير النفط من نسبة الإقليم في الموازنة في حال عدم التزام كردستان بتطبيق القرار.
وعلى ضوء ذلك قررت "شلمبرغير" (Schlumberger) الأميركية، أكبر شركة عالمية في مجال خدمات حقول النفط، وشركة "هاليبرتون لخدمات الطاقة" (Halliburton Energy Services)، وشركة شركة "بيكر هيوز" (Baker Hughes Company) أكبر شركات خدمات حقول النفط في العالم، الانسحاب من العمل في إقليم كردستان امتثالا لقرار المحكمة الاتحادية في بغداد.
وأصدرت وزارة النفط العراقية إيضاحا بهذا الشأن أطلعت عليه الجزيرة نت قائلة إن "الشركات الثلاث تعد من الشركات العالمية الرصينة في مجال الخدمات النفطية الساندة، وبحسب مخاطباتها الرسمية للوزارة أكدت عدم التقديم على مشاريع جديدة في الإقليم امتثالا لقرار المحكمة الاتحادية وتوجيهات اللجنة المشكلة في الوزارة".
وبحسب الإيضاح فإن "هذه الشركات في طور تصفية وإغلاق المناقصات والعقود القائمة"، مؤكدة عدم امتلاكها كيانا تجاريا أو شركات أخرى تعمل في الإقليم سواء بالعلامة التجارية لها أو لغيرها أو بالإنابة عنها، وبما لا يخالف قرار المحكمة الاتحادية أو يتقاطع مع توجيهات الوزارة.
وكشف الأكاديمي الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي عن حقيقة انسحاب شركات النفط الأجنبية بشكل فعلي من الإقليم، وقال -للجزيرة نت- إنه حسب المعلومات الموثوقة من مصدر خاص على صلة وثيقة بعمل شركات الخدمات النفطية فإن كل شركات الخدمات النفطية ما زالت تعمل في الإقليم لكن بأسماء جديدة.
وكشف المرسومي أن "الشركات غيرت أسماءها، فمثلا شركة شلمبرغير تعمل حاليا في كردستان باسم "إل أو تي" (IOt) الذي هو أحد أقسامها، في حين تعمل شركة هاليبرتون باسم "بوتز أند كوتز" (boots and coots) الذي هو أيضًا أحد أقسامها.
ويضيف المرسومي نقلا عن المصدر أن كتاب شلمبرغير الأخير إلى وزارة النفط هو للتغطية على عملها في الإقليم تحت اسم آخر لتجنب العقوبات التي تزمع الوزارة فرضها على الشركات النفطية العاملة في كردستان.
ويؤكد الأكاديمي في شؤون النفط والطاقة الدكتور بلال الخليفة على أهمية قرار المحكمة الاتحادية الذي لا يقل عن أهمية تأميم النفط في بداية سبعينيات القرن الماضي.
وقال الخليفة في حديثه مع الجزيرة نت، إن قرارات المحكمة الاتحادية باتت ملزمة حسب المادة 94 من الدستور العراقي ولا يمكن التأني وعدم تطبيقها أو رفضها وإلا سيتم القبض على من رفض القرار حسب المادة 329 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 النافذ.
ويشير الأكاديمي إلى أن "هناك شركات عالمية غير التي أعلنت الانسحاب التزمت الصمت ومنها روزنفت الروسية، ودانا غاز الإماراتية"، مشيرا إلى أنه في حال عدم انسحابها فإن بغداد ستطبق قرار المحكمة الاتحادية في التعامل معها.
ويتوقع الخليفة أن "تتعامل تلك الشركات مع بغداد لتعديل العقود المبرمة سابقا لضمان بقائها في مناطق وسط وجنوب العراق لأنها قبلت بقرار المحكمة الاتحادية، كما أنها ربما ستبقى للعمل بالإقليم لكن بموافقة وشرط التعامل مع بغداد وليس مع أربيل.
بدوره يرى المستشار الاقتصادي لرئاسة برلمان إقليم كردستان الدكتور أرشد طه أنه كان يتعين على بغداد تشريع قانون النفط والغاز لعام 2007 المركون على رفوف البرلمان العراقي لرسم السياسة النفطية المشتركة، بدلاً من إصدار القرار الأخير الذي اعتبر أنه يخالف الدستور العراقي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرجع طه أسباب تصدير أربيل للنفط دون الرجوع إلى بغداد لامتناع الحكومة العراقية عن إرسال حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية منذ عام 2014، مبينا أن "تصدير النفط كان لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين الكرد والخدمات العامة".
وحول الموقف الكردي والخطوات الجديدة من قرار المحكمة الاتحادية، كشف طه أن "حكومة الإقليم تنتظر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة من أجل التفاوض معها والتي يجب أن تضع في أولوياتها تشريع قانون النفط والغاز لعام 2007 لحل الخلافات بين الجانبين".
وتؤكد زينب جمعة الموسوي النائب عن الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية البارزة باستثناء التيار الصدري، على أهمية سيطرة الحكومة الاتحادية على تصدير نفط الإقليم"، الذي عدته منفذا جديدا يرفد ويعظم إيرادات العراق بدلا من ذهاب الأموال لصالح حكومة أربيل العاجزة عن تأمين الرواتب لموظفي الإقليم.
وأضافت زينب الموسوي في حديثها للجزيرة نت أن "بغداد ستكون قادرة على توفير حصة الإقليم من الموازنة المالية الاتحادية بما فيها رواتب موظفيه من خلال السيطرة على الإنتاج النفطي الكردي".