أعادت الحكومة المصرية العمل بسياسة التوريد الإجباري لمحصول الأرز للمرة الأولى منذ تحرير القطاع الزراعي مطلع تسعينيات القرن الماضي والأخذ بآليات السوق، وأجبرت الفلاحين على توريد كميات محددة.
وأصدر وزير التموين المصري علي المصيلحي قبل أيام قرارا وزاريا لتنظيم التداول والتعامل مع الأرز الشعير المحلي لموسم الحصاد 2022 الذي بدأ في 25 أغسطس/آب الماضي ويستمر حتى 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ونص القرار على إجبارية توريد طن واحد من الأرز الشعير عن كل فدان مزروع (يعادل 25% من إنتاجية الفدان) لحساب هيئة السلع التموينية، بإجمالي مستهدف 1.5 مليون طن من الأرز الشعير خلال موسم التوريد لهذا العام.
وبررت وزارة التموين إعادة التوريد الإجباري لمحصول الأرز برغبة الحكومة في دعم إستراتيجية تعزيز الأمن الغذائي من السلع الأساسية، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز، وتأمين احتياجات بطاقات التموين من هذه السلعة الإستراتيجية.
والأرز وجبة رئيسية للمصريين، وأحد السلع الغذائية التي تقوم الحكومة بصرفها على نحو 23 مليون بطاقة تموين ضمن بعض السلع المدعومة، مثل الزيت والسكر والمكرونة والشاي، إلى جانب الخبز المدعم.
وتم تسعير الأرز الرفيع بـ6600 جنيه للطن، والأرز العريض بـ6850 جنيها للطن (الدولار يساوي 19.19 جنيها)، ووصفت الوزارة أسعار التوريد بأنها مجزية وتحمل هامش ربح عادل للمزارعين، وأنه جاء بعد حساب التكلفة الفعلية.
يعاقب المزارع بالتالي:
وبلغ إجمالي المساحة المزروعة من الأرز الشعير هذا العام 1.5 مليون فدان، وتصل إنتاجية الفدان إلى 4 أطنان، بإجمالي إنتاجية 6 ملايين طن من الأرز الشعير، والمستهدف هو توريد 1.5 مليون طن لحساب هيئة السلع التموينية.
يأتي توجه الحكومة المصرية نحو عودة التوريد الإجباري لبعض المحاصيل الزراعية الإستراتيجية على خلفية اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على مصادر مصر من بعض الحبوب الغذائية مثل القمح والذرة، وارتفاع أسعارها بشكل كبير.
ويتزامن ذلك مع رغبة الحكومة في تأمين مخزونها من الحبوب عموما وتوفيره على بطاقة التموين للمواطنين، بحسب أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة جمال صيام.
ويعتقد صيام -في حديثه للجزيرة نت- أن السعر الذي حددته الحكومة لطن الأرز الشعير يبقى متدنيا مقارنة بالسعر العالمي، مشيرا إلى أن كثيرا من الفلاحين يمتلكون بين فدان و3 أفدنة فقط، مما يعني أنهم سيدفعون ضريبة ضمنية؛ لأنهم يتحملون الفرق بين السعرين.
ورأى أن دور الفلاح ظهر بقوة مع تفاقم أزمة نقص وغلاء السلع الغذائية عالميا، لذلك على الدولة دعمه بشكل يحقق له ربحا عادلا، ويضمن استمراره في قطاع الزراعة، خاصة أن نسبة الاكتفاء الذاتي لا تتجاوز 40%، في ظل الضغوط على مصادر المياه ومساحة الأراضي الزراعية التي لم تشهد زيادة تتفق مع الزيادة السكانية.
وانتقد صيام تهديد المزارعين المخالفين بعدم السماح لهم بزراعة الأرز، مبينا أن هذه العقوبة تضر الأرض قبل المزارع؛ لأن زراعة الأرز تقع أغلبها في الدلتا وشمالها من أجل الحفاظ على أراضيها من ملوحة مياه البحر كون الأرز محصولا شرها للمياه.
خلال السنوات الماضية، تفاوت إنتاج مصر من محصول الأرز الإستراتيجي بين العجز وتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ بسبب القيود التي فرضتها الحكومة على زراعة الأرز من أجل ترشيد استهلاك المياه، وتنامي المخاوف من بناء سد النهضة الإثيوبي، حيث يستهلك القطاع الزراعي 75% من واردات البلاد من المياه.
هذه ليست المرة الأولى التي تلزم فيها الحكومة المزارعين بتوريد محصول بعينه لتأمين الاحتياطي الإستراتيجي منه في مخازنها، فقد ألزمتهم في مارس/آذار بتوريد 12 أردبا ( الأردب يساوي 160 كيلوغراما) عن كل فدان مزروع من القمح لتأمين احتياجات البلاد من الخبز المدعم، لكن السعر جاء أقل بكثير من السعر العالمي رغم ارتفاع جودة القمح المصري.
ومن أجل ضمان توريد القمح إلى صوامعها، ألزمت الحكومة الفلاحين بعدم التصرف في أي كميات من دون تصريح، وأقرت عدة إجراءات؛ مثل تخصيص حد أدنى للبيع، وحظر البيع لأطراف ثالثة من دون ترخيص، وتوعدت بعدم صرف السماد المدعم لموسم الزراعة الصيفي لمن يورد أقل من 60% على الأقل من محصوله، والحبس للمخالفين.
وكانت الحكومة تأمل جمع نحو 5.5 ملايين طن، نزولا من 6 ملايين طن استهدفت جمعها، لسد العجز في واردات القمح الناشئ عن الحرب الروسية الأوكرانية، لكن مع انتهاء الموسم لم تستطع جمع الكميات المستهدفة.
وفي تصريحات صحفية، قال وزير التموين إن من المتوقع تسلم 4 ملايين طن من القمح المحلي بنهاية الموسم الجاري، مشيرا إلى أنه تم تسلم نحو 3.9 ملايين طن من القمح حتى الآن.
وأكد الوزير أن الاحتياطي الإستراتيجي من القمح يكفي 7 أشهر، ومن الزيت يكفي نحو 7 أشهر، والسكر يكفي نحو 6 أشهر، مضيفا أن هناك اكتفاء ذاتيا من الأرز بجانب بدء موسم حصاد الأرز.
توقع المستشار السابق بوزارة التموين الدكتور عبد التواب بركات أن تخفق الحكومة مجددا في تحقيق المستهدف من محصول الأرز كما حدث مع القمح؛ "لأنه يقل عن سعر السوق المحلي العالمي، ولا يراعي زيادة تكاليف الإنتاج، وخفض قيمة الجنيه، لذلك سيفضل المزارعون بيع الجزء الأكبر للتجار"، بحسب تعبيره.
وأوضح الخبير في الزراعة أن الفلاح بهذه الأسعار يدعم الدولة من ماله وتعبه بدلا من أن تدعمه الدولة، وتشجعه على الاستمرار في الزراعة حتى لا تزداد الفجوة الغذائية في بلد يتجاوز عدد سكانه 103 ملايين نسمة.
ودعا بركات الحكومة المصرية إلى ضرورة مراعاة أحوال الفلاحين في ظل ارتفاع أسعار الإنتاج مثل الوقود (السولار) والأسمدة والتقاوي والمبيدات الحشرية والأيدي العاملة، التي تشكل عبئا ماديا عليهم، وعدم استغلالهم كونهم الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج الزراعي والغذائي.
في المقابل، أثنى رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية النائب طارق حسانين "بالإستراتيجية الجديدة لتوريد الأرز مثل ما حدث مع محصول القمح"، ورأى أن السعر الحكومي عادل بناء على التكلفة الفعلية.
وأوضح في تصريحات تلفزيونية أن "الفلاح سيحقق 8 آلاف جنيه مكسبا عن كل فدان يتكلف 15 ألف جنيه، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة، وأنه سيربح نحو 50% من رأس ماله، لتوفير احتياطي للبطاقات التموينية يكفي طوال العام".
وأكد حسانين أن من شأن تلك الخطوة أن تحقق اكتفاء ذاتيا للحكومة، ولن تحتاج إلى استيراد الأرز من الخارج طوال العام بعد الحصول على مليون ونصف مليون طن من الأرز من الفلاحين؛ أي نحو 25% من الإنتاج الكلي.