كشف تقرير حديث عن أن أسعار المواد الغذائية التي وصلت إلى مستوى قياسي في وقت سابق من هذا العام، تسببت في زيادة انعدام الأمن الغذائي وارتفاع حدة التوترات الاجتماعية.
كما أدت زيادة الأسعار إلى إجهاد ميزانيات الحكومات التي تكافح مع ارتفاع فواتير استيراد المواد الغذائية وتقلص القدرة على تمويل الحماية الاجتماعية الإضافية للفئات الأكثر ضعفاً وفقراً.
لفهم حجم هذه التحديات غير المسبوقة بشكل أفضل لواضعي السياسات العالمية، أشار صندوق النقد الدولي في دراسة بحثية جديدة إلى التأثير النموذجي لأربعة محركات مهمة تاريخياً لأسعار السلع الغذائية.
وذكر الصندوق أن انخفاض المحاصيل العالمية بنسبة واحد في المئة أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 8.5 في المئة، فيما تؤدي زيادة بنحو واحد نقطة مئوية في سعر الفائدة الرئيس للاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض أسعار السلع الغذائية بنسبة 13 في المئة بعد ربع واحد.
كما أدت زيادة أسعار الأسمدة بنسبة واحد في المئة، التي ارتفعت أخيراً مع صعود أسعار الغاز الطبيعي إلى زيادة أسعار السلع الغذائية بنسبة 0.45 في المئة، كما تؤدي زيادة أسعار النفط بنسبة واحد في المئة إلى زيادة أسعار السلع الغذائية بنسبة 0.2 في المئة.
صندوق النقد أشار إلى أنه يمكن استخدام هذه التقديرات لشرح التقلبات الأخيرة في أسعار المواد الغذائية بشكل أفضل والمساعدة في تحديد التوقعات، حيث يمكن أن تمارس العوامل المختلفة قوى معارضة.
في الوقت نفسه، فمن المتوقع استمرار عدم استقرار أحوال الطقس للعام الثالث على التوالي، وهو ما يؤدي إلى انخفاض درجات حرارة المياه عن المتوسط إلى شرق وسط المحيط الهادئ، وفقاً لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية التابعة للأمم المتحدة.
وحدثت فترات مماثلة مدتها ثلاث سنوات خلال أزمة الغذاء العالمية الأولى بين 1973-1976 ومرة أخرى بين 1998-2001.
علاوة على ذلك، فإن مبادرة حبوب البحر الأسود التي توفر شحناً آمناً للتصدير من أوكرانيا يمكن أن تسبب صدمة أخرى لإمدادات الحبوب إذا تم تعليقها مرة أخرى من قبل روسيا.
وسيؤدي هذا وحده إلى خفض إمدادات القمح والذرة العالمية بمقدار 1.5 نقطة مئوية، مقارنة بالتوقعات الحالية، بالتالي رفع أسعار الحبوب بنسبة 10 في المئة بغضون عام.
إضافة إلى ذلك، تزيد أسعار الطاقة المرتفعة أسعار الوقود والأسمدة، مما يتسبب في ارتفاع كلفة إنتاج الغذاء، لكنها تحول الإنتاج من الغذاء إلى الوقود الحيوي.
وفي الوقت الحالي، فإن أسعار الأسمدة ضعف ما كانت عليه قبل الوباء، حتى بعد التراجع خلال الأشهر الأخيرة.
وتظهر أبحاث صندوق النقد الدولي أن نحو 45 في المئة من أي تغيير بأسعار الأسمدة يغذي أسعار الحبوب العالمية بشكل مباشر في غضون أربعة أرباع.
ويشير هذا إلى أن جزءاً من تأثير ارتفاع أسعار الأسمدة قد يتحقق بالكامل في البلدان الفقيرة، حيث يستخدم المزارعون الأسمدة بشكل أقل، قد يقلل الاستخدام المنخفض من المحاصيل.
إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، الذي له تأثير مباشر متواضع على أسعار المواد الغذائية خففت زيادات البنوك المركزية في أسعار الفائدة من ضغوط الأسعار بشكل كبير.
في السوق الأميركية يقوم الاحتياطي الفيدرالي، على سبيل المثال، برفع كلفة الاقتراض بأسرع وتيرة منذ عقدين وتميل المعدلات المرتفعة إلى تثبيط حيازات المخزون وتقليل أنشطة المضاربة في أسواق العقود الآجلة للسلع الأساسية، مما يضع ضغطاً هبوطياً على أسعار المواد الغذائية.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي قد ساعد بالفعل على خفض أسعار الحبوب منذ أبريل (نيسان) الماضي، وسيواصل الضغط الهبوطي على الأسعار حتى نهاية العام المقبل.
لكن لا يزال من غير المؤكد كيف سيحدث مزيج اضطرابات الحصاد وأسعار الطاقة والسياسة النقدية، تشير التجارة في أسواق العقود الآجلة إلى أن أسعار الحبوب بالجملة ستنخفض بنسبة ثمانية في المئة فقط خلال العام المقبل من المستويات المرتفعة الحالية، لكن التقديرات تشير إلى أن قيود العرض قد تفوق الطلب الضعيف، مما يحافظ على الأسعار مرتفعة خلال الأرباع القليلة المقبلة.
وكشفت الدراسة عن أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الدولية أضاف ست نقاط مئوية إلى تضخم الأسعار الاستهلاكية في عام 2022، ومع ذلك فإن العبور إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالتجزئة المحلية قد يستغرق من ستة إلى 12 شهراً، وهو سبب آخر لذلك، إضافة إلى الضعف الأخير في عملات الأسواق الناشئة سيتعين على عديد من الناس انتظار الراحة من انخفاض أسعار السلع الأساسية.
أخيراً، تظل مخاطر ارتفاع أسعار المواد الغذائية مرة أخرى بدلاً من انخفاضها خلال الربعين المقبلين مرتفعة، وإذا لم تكن هذه المخاطر كافية، فقد يكون تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على انعدام الأمن الغذائي مختلطاً، وذلك لأن التباطؤ الناتج في النشاط الاقتصادي قد يقلل من إجمالي الدخل الشخصي.
وإلى جانب استمرار ارتفاع مستويات أسعار المواد الغذائية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي.
للوقاية من ارتفاع الأسعار الجديد والسماح بتدفق الغذاء والأسمدة إلى من هم في أمس الحاجة إليها، يظل من الضروري أن تظل التجارة الدولية حرة، على وجه الخصوص، سهل ممر الحبوب في البحر الأسود صادرات الحبوب من أوكرانيا وخفض الأسعار إلى مستويات ما قبل الحرب، مما قلص من حدة انتشار الجوع في العالم، ومن المهم أن يكون هناك أيضاً وصول عالمي إلى الأسمدة من خلال إزالة الحواجز التجارية التي تحد من العرض العالمي إلى أقصى حد ممكن.
وشدد صندوق النقد على ضرورة أن تسمح الحكومات بزيادة الأسعار العالمية بالمرور إلى الأسعار المحلية مع زيادة الإنفاق المستهدف على الحماية الاجتماعية، كما تسمح ميزانيتها، وهذا ضروري للسماح لمؤشرات الأسعار بإعادة التوازن إلى أسواق المواد الغذائية، وفي الوقت نفسه لحماية القوة الشرائية للأسر الضعيفة.
كما يمكن أن يساعد تخفيف عبء الديون الخارجية والمنح المقدمة من المنظمات الدولية في تمويل التوسع ببرامج المساعدة الاجتماعية في البلدان النامية.
وللمساعدة في تخفيف توترات الإمدادات يجب على البلدان تحفيز الإنتاج الغذائي المحلي، مع تجنب التخزين واستخدام الاحتياطيات، خصوصاً تلك التي تراكمت لديها مستويات مخزون أعلى.
فيما أدت أسعار الوقود المرتفعة في المضخة إلى دفع صانعي السياسات للاحتفاظ أو زيادة تفويضات مصافي النفط لمزج الوقود الحيوي في مزيج الوقود الوطني، بهدف زيادة العرض.
وهذا الطلب الإضافي على المحاصيل لإنتاج المواد الأولية للإيثانول وأنواع الوقود الحيوي الأخرى يضع مزيداً من الضغط على أسعار الغذاء، وسيساعد الحد من تفويضات خلط الوقود الحيوي في تقليل تأثير زيادة الطلب على الوقود الحيوي على أسعار الغذاء.
المزيد عن: أزمة الغذاء