أعلنت موسكو عن وقف إمدادات النفط والمنتجات النفطية للدول والشركات التي انضمت إلى تحديد سقف الأسعار للنفط والمنتجات البترولية الروسية، وذلك ردا على ما اعتبرتها إجراءات غير ودية وغير قانونية للمنظومة الغربية، وكإجراء لحماية مصالحها القومية.
جاء ذلك بمرسوم صدر عن الرئيس فلاديمير بوتين، نص كذلك على منع توريد النفط للأفراد والكيانات القانونية الأجنبية في حال اعتمدت السقف السعري.
ووفق المرسوم، ستتوقف روسيا اعتبارا من الأول من فبراير/شباط 2023 عن بيع النفط للبلدان التي اعتمدت سقفا لسعره حُدّد بـ60 دولارا للبرميل، لكن يمكن أن يرفع الحظر في بعض الحالات الفردية بناء على "قرار خاص" من الرئيس.
وكانت روسيا حذرت في وقت سابق من أن المحاولات الغربية لوضع سقف لأسعار منتجات النفط الروسية لن تمر بدون رد، وقال بوتين حينها إن بلاده "ستبحث عن شركاء واعدين آخرين في المناطق النامية بنشاط في الاقتصاد العالمي، كآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا".
أما نائب رئيس الوزراء، ألكسندر نوفاك، فصرح بأن روسيا إما ستقوم بإعادة توجيه الإمدادات إلى شركاء آخرين في السوق، أو تقليل الإنتاج.
بهذا القرار تكون روسيا قد قامت بأول رد فعلي على قيام الولايات المتحدة ودول غربية أخرى في ربيع عام 2022 برفض شراء النفط من موسكو، وعلى فرض الاتحاد الأوروبي في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، حظرا جزئيا على استيراد المواد الخام الروسية.
ولم يقف الأمر في حينه عند هذا الحد، فقد تبع قرار الاتحاد الأوروبي قرار مشابه في نفس اليوم لدول مجموعة السبع (الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا) والاتحاد الأوروبي وأستراليا، يمنع شركاتهم من تأمين ونقل النفط من روسيا عن طريق البحر إلى مناطق أخرى من العالم، بسعر أعلى من 60 دولارا للبرميل.
وانطلاقا من هنا، قامت روسيا في الأشهر الأخيرة بإعادة توجيه صادراتها إلى حد كبير، وزادت من حجم إمداداتها النفطية للصين والهند ودول أخرى في آسيا والمحيط الهادي، وكذلك لأفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويرى خبراء روس في الاقتصاد أن القرار الروسي سيادي بامتياز، لكنه قد يؤدي لارتفاع خطير في أسعار النفط في السوق العالمية، وفي نفس الوقت، سيتسبب في "توجيه ضربة" للأطراف التي بادرت لوضع سقف لأسعار النفط الروسي.
بل إن بعض هؤلاء لا يستبعدون أن تطلب بعض دول الاتحاد الأوروبي، استثناء لها من الالتزام بسقف تسعير للنفط الروسي، ومن بين هذه الدول ألمانيا وبولندا، اللتان أعلنتا أنهما ستتخليان تماما عن النفط الروسي، لكنهما، بعد ذلك، تقدمتا بطلبات لضخ النفط الروسي إليها في العام 2023.
ويقول الباحث الاقتصادي فيكتور لاشون، إن مرسوم بوتين يأتي ردا على محاولات الغرب "الواضحة" في تقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية، وبالتالي الحد من أرباح موسكو "الزائدة" من بيع المواد الخام، وكذلك لمواجهة سيل الضغوط على الكرملين فيما يتعلق بالأحداث في أوكرانيا.
ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن المرسوم وضع بعناية، وفي المقام الأول، هو رسالة تحذير للدول التي قررت الانضمام إلى آلية "تسقيف" سعر النفط الروسي، بأنها لن تتلقى نفطا من روسيا بمثل هذه الأسعار، وأنه سيتعين عليها التفكير الآن في المكان الذي يمكنها أن تشتري منه بمثل هذه الأسعار، وما إذا كان بإمكانها فعل ذلك أصلا.
في المقابل، يشير الخبير الروسي إلى أنه بسبب خسارتها السوق الأوروبية، ستضطر الشركات الروسية إلى تقديم خصومات كبيرة على منتجاتها، فاليوم، يُباع برميل نفط الأورال الروسي بمتوسط 57.49 دولارا أميركيا، بينما يتم تداول المواد الخام من ماركة برنت في السوق العالمية بسعر 85-86 دولارا للبرميل.
يلفت لاشون إلى أن أحد تداعيات هذا المرسوم تمثلت بمنح كل من الصين والهند، بشكل أساسي، فرصة الاستفادة من المواجهة بين روسيا والغرب، من خلال زيادة وارداتهما من النفط الروسي، وفي نفس الوقت، من خلال شرائه بخصم كبير.
أما الخبير الاقتصادي، ميخائيل بيلياييف، فيقول إنه لن يكون لفرض حظر على بيع النفط الروسي للدول التي انضمت إلى آلية سقف الأسعار؛ تأثير سلبي على الاقتصاد الكلي الروسي.
ويوضح في هذا السياق، أن كميات النفط غير المباعة يمكن تحويل وجهة تصديرها إلى الصين، وفي الوقت نفسه، يؤكد أنه كان من المهم للغاية بالنسبة لروسيا اتخاذ إجراءات انتقامية، وإلا فإن الدول الأخرى ستعتقد أن موسكو قد استسلمت لقيود الأسعار التي فرضها الغرب.
وردا على سؤال، استبعد بيلياييف حدوث ردود أفعال من الغرب على العقوبات الروسية المضادة، لأن أوروبا -وفق رأيه- استنفدت جميع "القيود" الممكن فرضها على الاقتصاد الروسي.
لكن ذلك لا ينفي -وفق ما يقول- أن روسيا ستكون بحاجة إلى وقت لاستبدال المشترين من أوروبا، ما قد يؤدي لانخفاض طفيف في إنتاج النفط في روسيا في المستقبل القريب.
وبلغة الأرقام، قد ينخفض إنتاج المواد الخام في الدولة بنحو 5-7% أي ما يعادل 500-700 ألف برميل يوميا.
وعلى هذا الأساس، يرجح ميخائيلوف أن يتم الذهاب إلى خيار وقف الإنتاج في الظروف الحالية، لحين الاستقرار على سياسات بيع جديدة تضمن تجاوز إشكالية سقف السعر.
وختم بأن سريان مرسوم بوتين بشأن الإجراءات الانتقامية على فرض سقف على أسعار النفط من روسيا حتى الأول من يوليو/تموز 2023، هو بمثابة فرصة، "لكي تعود هذه الدول إلى رشدها" وفق تعبيره.