بعد حظر دام 5 أعوام، استقبلت الموانئ الإيرانية أول شحنة من السيارات الأجنبية تضم 22 مركبة من إنتاج شركة "كيا" (KIA) الكورية الجنوبية، على أن تشمل الحمولات المقبلة طرازات محددة من السيارات اليابانية والصينية.
ولم تكن السيارات المستوردة جديدة على الشوارع الإيرانية، بعد أن أنتجت خطوط الإنتاج في المصانع الوطنية مئات الآلاف منها إلی جانب استيراد كميات مماثلة، حتى قبيل عودة العقوبات على طهران، إثر انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من الاتفاق النووي عام 2018.
ومع عودة العقوبات الغربية على إيران، غادر العديد من شركات السيارات الأوروبية، منها "بيجو" (Peugeot) و"سيتروين" (Citroën) و"رينو" (Renault) الفرنسية، و"فولفو" (Volvo) السويدية، و"مرسيدس بنز" (Mercedes-Benz) الألمانية، وأخرى شرقية مثل "بريليانس" (Brilliance) و"شنغان" (Changan) الصينيتين، و"هيونداي" (Hyundai) و"كيا" (Kia) الكوريتين الجنوبيتين؛ مما أدى إلى حظر طهران استيراد السيارات الأجنبية مايو/أيار 2018 للحد من خروج العملة الصعبة.
وأدى الحظر المفروض على واردات السيارات -علاوة على مغادرة الشركات الأجنبية- إلى إقبال المواطن الإيراني على اقتناء السيارات المحلية، مما تسبب في نقص حاد بالعرض، الذي دفع حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي مايو/أيار الماضي إلى رفع منع استيراد السيارات، في إطار "تعديل الأسواق وتنافسية قطاع صناعة السيارات" في البلاد.
وأثارت قضية واردات السيارات جدلا كبيرا في الأوساط الإيرانية منذ أشهر، بسبب السياسات المتبعة منذ أعوام بشأن سعر الصرف والمبادلات المالية، لكن مشكلة الطلب المتراكم في سوق السيارات المحلية حثت البرلمان الإيراني المحافظ على تشريع قانون يلزم المركزي الإيراني بتوفير مليار يورو لهذا الغرض.
وبعد وصول أول شحنة من السيارات المستوردة إلى الأراضي الإيرانية، فجر الأحد الماضي، احتفل الإعلام المحافظ الموالي للحكومة بكسر حصار واردات السيارات الأجنبية، وهو ما أثار انتقادات واسعة لدى الإعلام الإصلاحي الذي استذكر إنجاز الحكومة السابقة في ضم عدد من طائرات "إيرباص" (Airbus) إلى الخطوط الإيرانية بعد 38 عاما من الحظر.
وتحت عنوان "تمخض الجبل فولد فأرا"، كتب معهد "تحريرية" للدراسات الاقتصادية أنه لا يعوّل على استيراد 22 مركبة أن تروي عطش السوق، وأنه يتوقع أن تواصل أسعار السيارات ارتفاعها خلال الفترة المقبلة.
وعما إذا سيحقق استيراد السيارات الأهداف المرجوة من القرار، يقول الباحث الاقتصادي، محمد جعفري، إن ما تم استيراده ليس سوى عملية رمزية استقبلتها أسعار السيارات بالارتفاع، عازيا ذلك إلى ارتفاع سعر الدولار الأميركي خلال الفترة الماضية.
وفي حديثه للجزيرة نت، استبعد جعفري أن تؤدي السيارات المستوردة إلى تعديل أسعار السيارات المحلية أو تطوير جودتها، وذلك بسبب منح شركتي "إيران خودرو" و"سايبا" -أكبر شركتين مصنعتين للسيارات في إيران- حصة الأسد من قطاع استيراد المركبات الأجنبية.
ورأى الباحث الإيراني أن قرار استيراد السيارات الأجنبية مؤقت، وقد يتوقف بعد صرف المليار يورو المخصص لهذا الغرض، موضحا أنه في حال وصول جميع الشحنات خلال الأشهر القليلة المقبلة حينها سينعكس إيجابا على تعديل الطلب على السيارات، وسيؤدي إلى تراجع أسعار بعض الطرازات المحلية بشكل نسبي.
ووفقا للمتحدث باسم وزارة الصناعة والتجارة الإيرانية، أميد قاليباف، من المقرر استيراد 100 ألف مركبة حتى منتصف مارس/آذار المقبل، ومثل هذه الكمية خلال الأشهر الثلاثة الأولی من العام الإيراني المقبل (يبدأ في 21 مارس/آذار المقبل).
وفي ظل تعثر المفاوضات الرامية إلى إنقاذ الاتفاق النووي، فإن الموافقة الإيرانية على واردات السيارات الأجنبية لن تشمل الطرازات الغربية منها، لا سيما الأميركية والألمانية والفرنسية، لأسباب سياسية.
وفي حين أعلنت وزارة الصناعة والتجارة الإيرانية أنها ستعتمد العرض والطلب في البورصة لتسعير السيارات المستوردة، إلا أنها التزمت الصمت إزاء كيفية دفع قيمتها في ظل الحظر المفروض على معاملاتها المالية، مما فتح الباب على مصراعيه للتكهنات بشأن التعامل مع طرف ثالث أو شرائها من الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج.
في غضون ذلك، كشفت صحيفة "دنياي اقتصاد" عن أن المصرف المركزي لم يسدد دولارا واحدا من أجل استيراد المركبات الأجنبية رغم تعهده بتوفير مليار يورو، ونقلت عن المتحدث باسم وزارة الصناعة والتجارة الإيرانية قوله إنه سيتم تقديم طلبات إلى الشركات الأجنبية لتصنيع الكمية المطلوبة بعد بيعها سلفا في بورصة طهران.
أما داود (صاحب معرض للسيارات في حي غيوري جنوبي العاصمة طهران)، فيرى أن آلية عرض أعداد محدودة من السيارات المستوردة في البورصة ستخرجها عن القدرة الشرائية لشريحة كبيرة جدا من المواطنين الإيرانيين، في ظل الطلب الكبير من قبل السماسرة ومعارض السيارات.
وأوضح التاجر الإيراني، للجزيرة نت، أنه ما عدا شريحة الأثرياء -التي لا تتجاوز 20% من المجتمع الإيراني- فإن المواطن العادي لم يعد قادرا منذ سنوات على اقتناء حتى السيارات الصينية التي يتم تجميعها في الداخل، فضلا عن أنه لا يمكن مقارنتها من حيث الجودة مع السيارات الكورية الجنوبية أو اليابانية.
وخلص إلى أن قرار الاستيراد سينعكس إيجابا على نشاط السماسرة الذين سيشترون أعدادا من المركبات المستوردة وسيراهنون على بيعها بأسعار مرتفعة خلال الأشهر القليلة المقبلة، في ظل التضخم المستفحل بالبلاد.