logo

جائحة اقتصادية في 2023

04 يناير 2023 ، آخر تحديث: 04 يناير 2023
جائحة اقتصادية في 2023
جائحة اقتصادية في 2023

استهل العالم عام 2023 بتحذيرات من صندوق النقد الدولي من أخطار يشهدها النمو العالمي قد ترقى إلى حد "الجائحة الاقتصادية" لتداعياتها على التشغيل في الكثير من البلدان، بينما خرج العالم من 2022 بندوب عميقة بفعل التضخم الجامح، الذي أنهك ميزانيات الطبقات المتوسطة والفقيرة وحتى الأثرياء، لتشهد دول لطالما كانت تتمتع بالرفاه احتجاجات على الصعوبات المعيشية وإضرابات عمالية واضطرابات اجتماعية.

وتبدو الأضرار المتوقعة لطبقات العمال والموظفين أكثر وقعاً من عامي تفشي جائحة كورونا 2020 و2021، وكذلك عام أزمة الطاقة 2022 الذي شهد موجات غلاء حادة في مختلف البلدان، ما ينذر بانتزاع أصحاب العمل المكاسب التي حصل عليها هؤلاء لمواجهة الأعباء المعيشية ويفاقم الأوضاع الاجتماعية.

خمسة مهددات

وتجتمع هذا العام خمسة مهددات كل واحدة منها كفيلة بتأزيم الاقتصاد العالمي، ولعل أبرزها الركود المتوقع لأكبر كتل اقتصادية ممثلة في الصين والولايات المتحدة وأوروبا، لتضاف إلى تداعيات استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، والتضخم المتجذر، وعودة شبح كورونا، وأزمات الديون، ما يتسبب في تعثر الكثير من الشركات أو تقلص أعمالها ما يدفعها إلى الإقدام على تسريح أعداد من الموظفين وتجميد أي زيادات مقررة في الرواتب ما يضع الملايين في مواجهة أخطار البطالة والغلاء.

مساء الأحد، خرجت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، بتصريحات توقعت فيها أن يكون 2023 صعباً على معظم الاقتصاد العالمي، "لأن الاقتصادات الرئيسية الثلاثة، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، تتباطأ جميعها في وقت واحد".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خفض صندوق النقد توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2023، مما يعكس استمرار التداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا بالإضافة إلى ضغوط التضخم ومعدلات الفائدة المرتفعة التي وضعتها البنوك المركزية مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لكبح جماح ضغوط الأسعار.

لكن الصين تبدو حاضرة في المشهد بقوة هذا العام، وفق صندوق النقد الدولي، إذ قالت جورجيفا إنه "للمرة الأولى منذ 40 عاماً، من المرجح أن يكون نمو الصين في عام 2022 مساوياً للنمو العالمي أو دونه". وأضافت أن الزيادة الكبيرة المتوقعة في الإصابات بفيروس كورونا هناك خلال الأشهر المقبلة ستلحق الضرر بالاقتصاد الصيني على الأرجح هذا العام وتؤثر على نمو المنطقة والعالم.

وقالت: "كنت في الصين الأسبوع الماضي داخل فقاعة في إحدى المدن الخالية من كوفيد-19.. لكن هذا سيتغير بمجرد أن يبدأ الناس في السفر". وتابعت "في الشهرين المقبلين، سيكون الأمر صعباً على الصين وسيكون التأثير على النمو الصيني، وعلى المنطقة ككل، سلبياً، كما سيكون سلبياً على النمو العالمي".

اقتصاد دولي

 وألغت الصين الشهر الماضي معظم قيود سياسة "صفر كوفيد" وشرعت في إعادة فتح اقتصادها، على الرغم من أن المستهلكين الصينين لا يزالون قلقين مع زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا. وفي أول تصريحات علنية له منذ تغيير السياسة المرتبطة بكورونا، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، يوم السبت الماضي، في خطاب بمناسبة العام الجديد إلى بذل مزيد من الجهد وتعزيز الوحدة مع دخول البلاد "مرحلة جديدة".

وفي توقعاته في أكتوبر/ تشرين الأول، قدر صندوق النقد، نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني العام الماضي عند 3.2%، مشابهاً للتوقعات العالمية للصندوق لعام 2022. وفي ذلك الحين، توقع أيضاً تسارع النمو السنوي في الصين في 2023 إلى 4.4% مع مزيد من التباطؤ في النشاط العالمي.

مع ذلك، تشير تعليقات جورجيفا إلى أن خفضاً آخر لكل من توقعات النمو في الصين والعالم قد يجري في وقت لاحق من هذا الشهر عندما يكشف صندوق النقد الدولي عادة عن توقعاته المحدثة خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا.

ركود ثلث اقتصادات العالم

ورغم أنها اعتبرت أن الاقتصاد الأميركي يقف على مسافة أبعد وقد يتجنب الانكماش المطلق الذي من المحتمل أن يصيب ما يصل إلى ثلث اقتصادات العالم، أشارت مديرة صندوق النقد إلى مخاطر إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول من أجل خفض التضخم.

وفي أكبر تشديد للسياسة النقدية منذ أوائل الثمانينيات، رفع البنك الفيدرالي الأميركي العام الماضي سعر الفائدة القياسي من ما يقرب الصفر في مارس/آذار إلى النطاق الحالي بين 4.25% و4.50%، وتوقع مسؤولو البنك الشهر الماضي أنه سيتجاوز حاجز 5% في عام 2023، وهو مستوى لم يصل إليه منذ عام 2007. وستكون سوق العمل في الولايات المتحدة في الواقع محور تركيز لمسؤولي البنك المركزي الأميركي الذين يرغبون في رؤية الطلب على العمالة يتباطأ للمساعدة في تقليل ضغوط الأسعار.

وستصدر خلال الأسبوع الأول من العام الجديد مجموعة كبيرة من البيانات الرئيسية فيما يتعلق بالتوظيف، ومنها تقرير الوظائف غير الزراعية الشهري يوم الجمعة المقبل.

اقتصاد الناس

 وتبدو مخاطر التضخم المتجذر حاضرة في المشهد وكذلك سياسات الفيدرالي الأميركي للحد منه، وفق ماثيو ماكلينان، الرئيس المشارك لفريق القيمة العالمية في شركة "فيرست إيغل إنفستمنت مانجمنت"، موضحا في تصريح لوكالة بلومبيرغ الأميركية أن رفع أسعار الفائدة يتسبب في صعود تكاليف الاقتراض التي ينجم عنها ركود اقتصادي.

وفي استطلاع أجرته بلومبيرغ أخيراً، توقع خبراء اقتصاد أن يشهد الاقتصاد الأميركي ركوداً خلال العام الجاري بنسبة 70%، بينما كانت النسبة 65% في نوفمبر/ تشرين الثاني، لتصل التقديرات الأخيرة إلى أكثر من ضعف ما كان عليه الوضع قبل ستة أشهر.

وقال بيل آدامز، كبير الاقتصاديين في مصرف "كوميركا بنك": "يواجه الاقتصاد الأميركي صعوبات كبيرة ناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم المرتفع ووقف الحوافز المالية وضعف أسواق التصدير في الخارج". وأضاف: "أصبحت الشركات تتوخى الحذر بشأن الإضافة إلى المخزونات والتوظيف ومن المرجح أن تؤخر البناء وخطط النفقات الرأسمالية الأخرى مع زيادة تكلفة الائتمان وتقلص الطلبيات".

ويتوقع الاقتصاديون أن تنخفض الأجور في الربعين الثاني والثالث من العام الجاري، وبحلول الربع الأول من عام 2024، ومن المتوقع أن يصل معدل البطالة إلى الذروة بمتوسط 4.9%.

الأسواق الناشئة ستعاني

وإضافة إلى الوضع في الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، فإن الأسواق الناشئة أيضا ستعاني، لا سيما التي تشهد مستويات مرتفعة من الديون لتدخل في دائرة ركود يطيح بأسواق التوظيف ويزيد من الفقر والبطالة واحتمال اندلاع اضطرابات اجتماعية، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على الأسواق العالمية وعودة شبح كورونا القادم من الصين.

ووفق جون فيل، كبير الخبراء الاستراتيجيين في السوق العالمية لدى شركة "نيكو أسيت مانجمنت" فإنه "في حال تفاقمت الحرب وبات حلف شمال الأطلسي (الناتو) متورطاً أكثر بصورة مباشرة في الأعمال القتالية وشُددت العقوبات، فسيكون لذلك أثر سلبي تماماً".

وستسفر العقوبات الثانوية ضد الشركاء التجاريين الروس، خاصة الهند والصين، عن تضخم تأثير القيود الراهنة المفروضة على أخطار الاقتصاد العالمي، بحسب فيل. وأضاف أن "ذلك سيشكل أزمة هائلة في جانب العرض فيما يرتبط بالغذاء والطاقة ومواد خام أخرى على غرار الأسمدة وبعض المعادن والكيماويات".

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024