بدأت تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بريطانيا تلقي بظلالها على قطاع العقارات الذي يعتبر من أهم الركائز التي يقوم عليها الاقتصاد في البلاد، ومعروف عن العقارات في بريطانيا ولندن خصوصا أنها من بين الأغلى في العالم إلا أنها تشهد انخفاضا بات يقلق المؤسسات البنكية وشركات العقار ويذكّر بالأزمة المالية لسنة 2008.
وأظهر التقرير الشهري لبنك "نيشن وايد" (Nationwide) استمرار انخفاض أسعار العقارات للشهر الرابع على التوالي، وهي أطول مدة تتراجع فيها أسعارها في البلاد منذ سنة 2008، مما بات يبعث مؤشرات سلبية للعاملين في هذا القطاع.
وينسجم تراجع أسعار العقار مع الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البريطانيون، حيث تسود حالة من القلق والترقب في كل مرة يقرر فيها البنك المركزي رفع معدل الفائدة، مما يعني زيادة معدلات الفائدة بالنسبة للأشخاص الراغبين في الحصول على قروض لشراء العقار.
ويعتبر قطاع العقار في المملكة المتحدة ثاني أكبر قطاع عقاري في أوروبا بعد ألمانيا، وتقدر قيمته السوقية بأكثر من 250 مليار جنيه إسترليني، وهو ما يجعل أي هزة يتعرض لها هذا القطاع ضربة قوية للاقتصاد برمته.
لا أحد من العاملين في قطاع العقار -سواء شركات بيع العقارات أو البنوك أو مؤسسات القروض- يريد تذكر أزمة 2008 وما كان لها من آثار مدمرة على أنشطتهم، ولهذا فهم يتابعون بحذر استمرار تراجع أسعار العقار لـ4 أشهر متتالية.
وحسب معطيات مؤسسة "هاليفاكس" (Halifax) -وهي مؤسسة بريطانية لمنح القروض- فقد تراجعت أسعار العقار بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين بنسبة 2.3%، وهو أكبر تراجع منذ بداية الأزمة الاقتصادية سنة 2008.
ومن المتوقع أن يستمر هذا التراجع خلال سنة 2023 بسبب سياسة البنك المركزي في رفع سعر الفائدة من أجل التحكم في معدلها الذي بلغ 3.5% على أن يرتفع إلى 4.75% مع نهاية هذه السنة، فضلا عن دخول الاقتصاد البريطاني في حالة ركود قد يمتد إلى سنة 2024.
وبلغة متشائمة، تحدثت كل التقارير الاقتصادية عن أسعار العقارات في البلاد، حيث تشير التوقعات إلى أن الأسعار تنخفض بنسبة تتراوح بين 5 و12%، فيما تذهب بعض التقديرات إلى السيناريو الأسوأ، وهو الانهيار بنسبة 20%.
ويأتي هذا التراجع في أسعار العقارات في بريطانيا بعد الارتفاع الصاروخي الذي شهده خلال جائحة كورونا عندما كان سعر الفائدة قريبا من 0.2%، مما أدى لارتفاع الطلب على اقتناء المنازل في بريطانيا، قبل أن يتراجع الطلب بشكل كبير بعد أن أصبح معدل الفائدة للحصول على قرض يصل إلى 6% في بعض الحالات.
ويحاول خبراء بنك "نيشن وايد" بث حالة من الطمأنة حول مستقبل قطاع العقار خلال هذه السنة، وذلك من خلال النظر إلى بعض المؤشرات التي تظهر أن القدرة الشرائية للبريطانيين لن تنهار بشكل كبير، وعلى سبيل المثال فإن نسبة البطالة قد تصل إلى 5% في أسوأ الأحوال، وهو معدل أقل من المستويات المسجلة في السنوات السابقة.
وهناك مؤشر آخر يظهر أن البريطانيين لن يكونوا مضطرين إلى بيع منازلهم لعدم قدرتهم على سداد أقساط القروض الشهرية، وهو أن 85% من قروض العقارات حاليا هي عقارات بنسبة فائدة ثابتة لمدة 5 سنوات، مما يعني أنهم بعيدون عن التأثر برفع البنك المركزي سعر الفائدة.
وتدريجيا، يتراجع سعر معدل الفائدة -وإن بشكل طفيف- بعد أن ارتفع بشكل صاروخي بعد إعلان رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تراس عن "الميزانية المصغرة"، فخلال تلك الفترة عجزت المؤسسات المانحة للقروض عن التعامل مع الصدمة التي أصابت الأسواق المالية وتوقفت عن منح القروض، قبل أن يعود الهدوء التدريجي إلى سوق القروض، وأصبح معدل الفائدة لقروض العقار بين 5 و6%.
على شركات منح القروض والمؤسسات البنكية أن تودع الأيام الذهبية التي عاشتها خلال جائحة كورونا عندما انفجر الطلب على قروض العقار.
وتشير توقعات المؤسسات البنكية البريطانية إلى تراجع حجم القروض لشراء العقار بنسبة 23% خلال سنة 2023 لتعود إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الجائحة بعد أن ساهمت الأخيرة في زيادة أسعار العقار بنسبة 25% في بعض المدن البريطانية.
وتشير توقعات مؤسسة "المملكة المتحدة للأموال" (UK Finance) -وهي تجمع للمؤسسات البريطانية- إلى تراجع قيمة الأموال الممنوحة للراغبين في شراء المنازل بحوالي 40 مليار جنيه إسترليني، وذلك من 171 مليار جنيه إسترليني سنة 2022 إلى 131 مليار جنيه إسترليني في 2023، بعد أن وصل هذا الرقم إلى مستوى قياسي سنة 2021 واقترب من 190 مليار جنيه إسترليني.
في المقابل، فإن قطاع تأجير المنازل يعيش أفضل أيامه بعد أن أصبح الناس عاجزين عن شراء البيوت فارتفعت الإيجارات بنسبة 4%، وهو أعلى معدل ارتفاع منذ سنة 2016، ومن بين الأسباب التي ساعدت على زيادة الإيجارات هو النقص الحاصل في عدد المنازل المعروضة للإيجار، خصوصا في العاصمة لندن.