من جديد، تتجه بوصلة العراق نحو ألمانيا للبحث عن حلول جديدة لإنهاء أزمة الطاقة الكهربائية في البلاد، وذلك عبر التعاقد مع شركة سيمنز الألمانية التي وقع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مذكرة تفاهم معها في زيارته الأخيرة لألمانيا الجمعة الماضي.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز، أعلن السوداني توقيع مذكرة تفاهم مع شركة سيمنز لزيادة إنتاج الطاقة وتحسين عمليتي النقل والتوزيع وتقليل الفاقد الكهربائي في البلاد، كما أكد شولتز أن ألمانيا تجري محادثات مع الحكومة العراقية بشأن إمكانية استيراد الغاز الطبيعي من العراق بعد تراجع واردات الوقود الأحفوري من روسيا.
وتعليقا على مذكرة التفاهم العراقية الألمانية، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي إن المذكرة التي وقعها السوداني في برلين ستضيف للمنظومة الوطنية 6 آلاف ميغاوات؛ بما سيؤدي إلى زيادة ساعات التيار الكهربائي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد العبادي أن المذكرة تعالج مشاكل النقل والتوزيع في المنظومة، وإنشاء محطات تحويلية وخطوط ناقلة للطاقة، لافتا إلى أن حجم الطلب المحلي على الطاقة يبلغ الآن 34 ألف ميغاوات، في الوقت الذي تنتج فيه البلاد حاليا أقل من 20 ألف ميغاوات بسبب انحسار إطلاق الغاز المستورد، معلقا أن "هناك زيارة حالية لوزير الكهرباء العراقي زياد فاضل إلى إيران لزيادة إطلاق الغاز من أجل تشغيل محطات إنتاج الكهرباء".
من جهته، يحدد عضو لجنة الطاقة والكهرباء النيابية مهند الخزرجي أهمية كبيرة لزيارة السوداني الأخيرة إلى ألمانيا لما لها من علاقة مباشرة بقضيتي توليد الكهرباء واستثمار الغاز المصاحب.
وفي حديثه لمراسل الجزيرة نت، يقول الخزرجي إن "شركة سيمنز الألمانية لديها خطة لرفع نسب تزويد العراق بالكهرباء عن طريق معالجة مشاكل زيادة إنتاج الطاقة واستغلال الغاز المصاحب للنفط، الذي يخسر العراق بموجبه موردا مهما للطاقة يوميا يقدر بنحو 1500 مليون متر مكعب قياسي.
وعن حاجة العراق، يعلق الخزرجي بأن "العراق بحاجة لأكثر من 12 ألف ميغاوات سنويا من الكهرباء، وهذا النقص أدى إلى أزمة متجددة مع كل فصل صيف، ولا بد من معالجتها جذريا من خلال شركة سيمنز".
ولم تكن زيارة السوداني إلى برلين الأولى لرئيس وزراء عراقي بعد عام 2003، إذ سبقه رئيسا الوزراء السابقان حيدر العبادي وعادل عبد المهدي في زيارات أثمرت حينها توقيع مذكرات تفاهم لاستثمار الطاقة في البلاد من قبل شركة سيمنز كذلك، ومن دون أن تسفر عن شيء.
وتعليقًا على ذلك يقول الخزرجي إن "زيارة السوداني تختلف عن زيارة العبادي الذي شهدت حقبته معارك ضد تنظيم الدولة، كما تختلف عن زيارة عادل عبد المهدي إلى برلين حيث شهدت حقبته كذلك مظاهرات شعبية نهاية 2019 أجبرته على الاستقالة".
ويستطرد الخزرجي بالإشارة إلى أن "حقبة السوداني تشهد حالة من الاستقرار السياسي والأمني مع وفرة مالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ومن الممكن أن تكون هذه الوفرة دافعا للمضي بالاتفاق مع ألمانيا مع بدء تنفيذ مذكرة التفاهم".
على الجانب الآخر، يؤكد الخبير في مجال الطاقة علاء الأسدي أن "السوداني لن يغير شيئا من خلال مذكرة التفاهم هذه، كون حكومته شبيهة بالحكومات السابقة التي سبق أن وقعت مذكرات تفاهم مع شركة سيمنز وغيرها".
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد الأسدي أن العراق اختار 4 شركات في مجال الطاقة الكهربائية، وهي "باورتشاينا" الصينية، و"أي بي بي" البريطانية-الهولندية، وسيمنز الألمانية، إضافة إلى "جنرال إلكتريك" الأميركية، إلا أن جميع هذه الشركات تلكأت في تنفيذ المشاريع بشكل واضح.
ويتوقع الأسدي بقاء وضع الطاقة على ما هو عليه من تردٍ خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث يعزو ذلك للتباطؤ في تنفيذ المشاريع مقابل زيادة سكانية غير مستقرة مع زيادة كميات الطاقة الكهربائية التي يحتاجها العراق سنويا.
لا توجد أفضلية بين شركات الطاقة الأميركية والألمانية والصينية للاستثمار في العراق، وفقا للخبير في شؤون الطاقة بلال الخليفة، الذي أوضح أن "لكل شركة مميزات تختلف عن الأخرى، وأن العراق بحاجة لجميعها".
وقال للجزيرة نت إن "الشركات الصينية تعمل بسعر أقل وفي ظل ظروف أمنية غير مستقرة، في حين أن الشركات الغربية تعمل بجودة أعلى مع أسعار أكبر من نظيرتها الصينية؛ وبالتالي فإن العراق بين خيارين: السعر على أساس الجودة أو الجودة على أساس السعر".
ولمزيد من التوضيح، أشار الخليفة إلى أن كلفة عقد شركة "باورتشاينا" لإنشاء محطة توليد كهروشمسية بسعة ألفي ميغاوات بلغت نحو مليار دولار، في الوقت الذي ترفض فيه الشركات الألمانية والأميركية تنفيذ هذا المشروع بمبلغ كهذا.
ويؤيد الخليفة ذهاب العراق نحو الشركات التي تقدم عروضا أفضل مع قروض ميسرة عن طريق بنوك عالمية، ويرى أن" الجودة مهمة جدا، وأن اختيار الشركات الرصينة أفضل حتى وإن كان سعر إنشاء المحطات أكثر كلفة".
وبعد الحديث عن وصاية أميركية على العراق في ما يتعلق بالطاقة الكهربائية، طالبت زينب جمعة الموسوي عضوة البرلمان العراقي عن تحالف الإطار التنسيقي (يضم جميع القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري) حكومة السوداني بإخراج العراق من الوصاية الأميركية بشأن الطاقة.
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت الموسوي إن "الوصاية الأميركية على قطاع الطاقة في العراق مستمرة منذ 2003 وحتى الآن، حيث تسببت في أزمات متتالية لإنتاج الكهرباء واستغلال الغاز المصاحب"، لافتة إلى أن دخول شركة سيمنز الألمانية للعراق سيعني الخلاص من الهيمنة الأميركية على قطاع الطاقة، حسب تعبيرها.
وبينت الموسوي أن ملف الكهرباء يُعد أداة ضغط رئيسية تُستخدم أميركيا على نطاق واسع للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية في العراق، معلقة بالقول إن "شركة جنرال إلكتريك الأميركية لعبت دورا سلبيا في عدم وصول الكهرباء للعراقيين من خلال عرقلة مشاريع سيمنز عن طريق بعض الأدوات السياسية".
ويعاني العراق من أزمة طاقة كهربائية مستفحلة منذ عقود، حيث لا تتوفر الكهرباء في البلاد إلا في ساعات محددة وفق نظام يُعرف محليا "بالقطع المبرمج"، حيث تزود الدولة المواطنين بالكهرباء لساعات معينة مقابل ساعات انقطاع أخرى، وهو ما أدى إلى اعتماد العراقيين على مولدات الطاقة الكهربائية الأهلية، مع تكبدهم أجورا إضافية لتوفير كميات محدودة من الكهرباء.