عادت أزمة الدولار لتطفو على السطح من جديد رغم ارتفاعه بأكثر من 100%، منذ تحريكه للمرة الأولى فى مارس الماضى، وسط توقعات من بنوك استثمار عالمية ترجح ارتفاعه لمستويات قد تصل إلى 35 جنيها.
فوفق تقرير صادر عن “كريدى سويس” فإن الجنيه مٌرشح للانخفاض إلى مستوى 35 جنيه للدولار على المدى القصير، فى ظل غياب الإصلاحات التى تقنع السوق بمرونة سعر الصرف رغم تعويم قيمة العملة 3 مرات، وذلك رغم أن القيمة العادلة له تدور حول مستوى 23.8 جنيه، أى أعلى بنحو 29% من قيمته الحالية، ومن المرجح أن تتراجع تلك القيمة إلى مستوى 25 جنيها للدولار خلال 12 شهراً.
وتوقع تقرير حديث لبنك سوسيتيه جنرال، ارتفاع قيمة الدولار 10%، ليصل إلى 34 جنيها بعد تثبيت البنك المركزى سعر الفائدة فى الاجتماع الماضى بشكل يهدد مصداقية التزامه بتنفيذ تعهده باستهداف التضخم، وهو المآخذ نفسه الذى أخذه كريدى سويس فى تقريره.
وأشار إلى أن الجنيه انخفض بشكل طفيف مقارنة بالخسائر التى منيت بها شهادات الإيداع الدولية للشركات التى أصدرتها فى الأسواق الدولية.
وأثار تباطؤ تدبير الدولار من قبل البنوك للشركات المستوردة للمواد الخام ومستلزمات الإنتاج مخاوفها من عودة قيود الاستيراد لكن كان هناك تباين فى التعامل مع القطاع.
وقالت وكالة ستاندرد أند بورز، إن جزء رئيسى من انخفاض قيمة العملة هو تخزين الشركات لأرباحها بالعملة الأجنبية فى ظل عدم اليقين بشأن قيمة الجنيه.
أضافت أن قطاعات مثل السياحة ظلت محتفظة بتدفقاتها الدولار، فى ظل محدودية الوصول للعملة الأجنبية فى سوق الإنتربنك لكن الأكثر من ذلك كان عدم الارتياح بين البنوك الأجنبية بشأن مستوى عدم اليقين على مستوى السياسات.
ونمت أرصدة الودائع الدولارية إلى 47.8 مليار دولار بنهاية يناير الماضى مقابل نحو 42.4 مليار دولار، وجاءت الزيادة معظمها فى أرصدة ودائع شركات القطاع الخاص، إذ زادت من نحو 12 مليار دولار إلى ما يقارب 16 مليار دولار.
ويعد اضطراب سعر الصرف وعدم القدرة على حساب التكلفة والخوف من تآكل المدخرات بالتأكيد أحد أسباب نمو أرصدة الودائع الدولارية خلال الفترة الماضية بحسب محللة بأحد بنوك الاستثمار.
لكن المحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، هانى جنينه يرى أن تراكم الودائع بالعملات الأجنبية للقطاع الخاص ليس بالضرورة تفضيل للادخار بالعملة الأجنبية، وإنما قد يكون راجع لانخفاض استخدامها فى عمليات استيرادية.
“استعادة الثقة فى العملة المحلية، يتطلب اثبات القدرة على توليد إيرادات بشكل مستدام عبر قطاع خاص قوى، عبر تطبيق إصلاحات حقيقية من شأنها أن تساهم فى تدفق الاستثمارات الأجنبية لمصر”، وفق جنينة.
أضاف أن الإصلاحات قد تؤدى إلى حل مشكلة هيكلية فى الميزان الجارى، عبر اقناع المستثمر الأجنبى بجدوى إعادة استثمار أمواله فى مصر.
وذكر أن المستثمر الأجنبى لن يدخل فى بيئة لا يضمن سلاسة خروج رأسماله أو أرباحه منها وهو أمر جوهرى.
“الفترة المقبلة ما بين الـ12 والـ18 شهرًا ستكون حرجة لتقييم جدية الحكومة لتنفيذ الاصلاحات ومدى التحديات على الصعيد الخارجى” بحسب تقرير حديث لبنك أوف أمريكا ميريل لينش.
وقال البنك إن السيناريو الأساسى هو أن تلجأ الحكومة لمزيج خفض الجنيه وتقنين الواردات الخاصة بالمشروعات وتشديد السياسة النقدية لجذب استثمارات المحافظ المالية بجانب الدعم المالى من الشركاء الاستراتيجيين.
وتوقع أن تسمح الحكومة بخفض ملحوظ للجنيه بما يسهم فى تخفيض عجز الحساب الجارى ويولد تدفقات بالعملة الأجنبية بما يؤدى لخدمة سدادات الديون الكبيرة المقبلة.
وأشار إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة ينبغى أن تكون كافية لاستيعاب الأثر التضخمى لتراجع العملة.
وقال إن هناك سيناريو متفائلا يضع فى اعتباره التزام الحكومة بالاصلاحات الهيكلية والمالية والنقدية بما يؤدى لتعبئة الموارد الدولارية بشكل سريع عبر بيع الأصول والخصخصة، ويؤدى ذلك السيناريو إلى تعافى النشاط الاقتصاد كما يسهم تعافى السياحة فى تضييق الحساب الجارى، بجانب دوره فى زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر ورفع الاحتياطى الأجنبى وتحسين التنافسية.
وأعلن البنك المركزى المصرى الشهر الماضى عن بدء البنوك فى الترويج لعمليات المشتقات المالية، للعملاء ضد مخاطر تذبذب أسعار الصرف، إذ يتيح المنتج التحوط من تقلبات أسعار العملات.
لكن الشركات الصناعية، طالبت بنوك بتوضيح كيفية الاستفادة من المشتقات المالية لتمكينها من تخطى المرحلة الحالية والحفاظ على رأسمالها من التآكل وتوفير الدولار اللازم لاستيراد مستلزمات الإنتاج.
قال محمود الزنوكى، نائب المدير العام بمجموعة الزنوكى للأوانى المنزلية، إن البنوك لم تتواصل مع الشركة لطرح عليها الاستفادة من المشتقات المالية للتحوط من تذبذب سعر الصرف.
أشار «الزنوكى» إلى أن المجموعة ترغب فى الاستفادة من هذه المشتقات طالما ستدعم الشركة فى توفير دولار لاستيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج للتصنيع، حيث تسبب ندرة الخامات فى خفض عمليات الإنتاج.
وأضاف أنه سيتواصل بالفعل مع البنوك التى تتعامل معها المجموعة لمعرفة المشتقات التى يتيحها البنك للتحوط، ولتوفير الدولار حتى لو بسعر أعلى من سعر الصرف.
من جانبه قال أحمد السباعى، المدير العام لمجموعة المصرية السويسرية للمكرونة والدقيق والمركزات، إن المشتقات المالية للتحوط من تغير سعر صرف الدولار مازالت بحاجة إلى توضيح أكثر حتى تتمكن الشركات الاستفادة منها.