تتمحور الصناعة المصرفية حول خدعة الثقة، ولا يمكن لأي بنك أن يصمد إذا أراد عدد كافٍ من المودعين سحب أموالهم في نفس الوقت، التاريخ مليء بحالات إفلاس البنوك، لذلك يجب على البنوك تجنب أي سبب قد يدعو العملاء لسحب ودائعهم على الإطلاق، وهو ما فشل بنك وادي السيليكون "سيليكون فالي" (SVB) في تفاديه رغم أنه كان في المرتبة الـ16 في قائمة أكبر البنوك المقرضة في الولايات المتحدة.
وقالت صحيفة "الإيكونوميست" (Economist) البريطانية إن معظم عملاء بنك وادي السيليكون من الشركات التي تمتلك ودائع تزيد على 250 ألف دولار محمية من قبل المؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع (FDIC)، وإفلاس هذا البنك يعني تكبد هذه الشركات خسائر أيضا، وقد استخدم بنك وادي السيليكون هذه الودائع لشراء السندات طويلة الأجل في ذروة السوق.
ومع أنه كان يفترض أن انهيار البنك لن يثير عدوى في القطاع، أظهرت طلبات السحب من البنوك الإقليمية الأخرى في الأيام التالية انتشار عدوى واسعة، وفي هذه الحالة، أصبح الوضع يتطلب تدخل السلطات، تضيف الصحيفة.
وقبل إعادة فتح الأسواق في 13 مارس/آذار الجاري، كشف الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) ووزارة الخزانة أن بنك "سيغنتشر"، البنك المقرض في نيويورك، أفلس أيضا، ما تبعه إعلام عن إجراءين للحماية من المزيد من الانهيارات:
وسيسمح هذا الإجراء للبنوك بإيداع الأصول عالية الجودة، مقابل سلفة نقدية تساوي القيمة الاسمية للأصل، بدلا من قيمتها السوقية، ما يحمي البنوك التي تملك سندات انخفضت قيمتها من مواجهة نفس مصير بنك وادي السيليكون، وفق ما تذكر الصحيفة البريطانية.
وتثير هذه الأحداث أسئلة عميقة حول النظام المصرفي الأميركي إذ كان من المفترض- تقول الصحيفة- أن تؤدي اللوائح التنظيمية في فترة ما بعد الأزمة المالية إلى تعبئة البنوك برؤوس الأموال، وزيادة احتياطياتها النقدية، والحد من المخاطر التي كانت قادرة على تحملها، كما كان من المفترض أن يمتلك بنك الاحتياطي الفدرالي الأدوات التي يحتاجها لضمان صمود هذه المؤسسات.
وقد أجرى البنك الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة التدخلات المتوقعة في أي أزمة، وأعادا تشكيل الهيكل المالي بشكل أساسي، لكن للوهلة الأولى -تقول الصحيفة- بدا أن المشكلة تكمن في ضعف إدارة المخاطر في بنك واحد.
ولتقييم الاحتمالات -تؤكد الصحيفة- أنه من المهم فهم كيفية تأثير التغيرات في أسعار الفائدة على المؤسسات المصرفية.
عندما كانت أسعار الفائدة تقترب من الصفر في بداية عام 2022، كانت البنوك الأميركية تمتلك أصولا بقيمة 24 تريليون دولار وكانت حوالي 3.4 تريليونات دولار منها في شكل نقد في متناول اليد لسداد المودعين، كما كانت حوالي 6 تريليونات دولار في شكل أوراق مالية معظمها سندات خزانة أو سندات مدعومة برهن عقاري، بينما كانت 11.2 تريليون دولار أخرى في شكل قروض.
وقامت البنوك الأميركية -حسب الصحيفة- بتمويل هذه الأصول بقاعدة ودائع ضخمة تبلغ 19 تريليون دولار نصفها فقط تقريبا كان مؤمنا من قبل المؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع. ومن أجل حماية أصولها من الخسائر، احتفظت البنوك بتريليوني دولار من "أصول الدرجة الأولى" عالية الجودة.
لكن بعد ارتفاع أسعار الفائدة إلى 4.5% لفت انهيار بنك وادي السيليكون الانتباه إلى حقيقة تراجع قيمة محافظ البنوك نتيجة هذا الارتفاع دون أن تتم الإشارة إلى هذا المأزق في الميزانيات العمومية، في حين أفادت المؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع أن المؤسسات المالية الأميركية لديها 620 مليار دولار من الخسائر غير المحققة في السوق، تفيد الصحيفة البريطانية.
تقول الصحيفة البريطانية إنه في بعض الأحيان يمكن أن تتلاشى الودائع بين عشية وضحاها مثلما حصل مع بنك وادي السيليكون بطريقة أدت إلى انهياره، وتضيف أن البنوك التي لديها ودائع كبيرة ومنخفضة التكلفة لا تحتاج إلى القلق بشأن القيمة السوقية لأصولها، لكن على النقيض من ذلك فإن البنوك ذات الودائع مرتفعة القيمة تقلق كثيرا.
وتوضح الصحيفة أن أسعار الفائدة المرتفعة أدت إلى عدم التطابق بين الأصول (ما تملكه البنوك) والخصومات (ما تدين به لأطراف ثالثة) ما تسبب في انهيار بنك وادي السيليكون، وقد كشفت المعدلات المرتفعة عن مشاكل في محافظ السندات، حيث تظهر الأسواق في الوقت الفعلي كيف تنخفض قيمة هذه الأصول عندما ترتفع أسعار الفائدة، لكن السندات ليست الأصول الوحيدة التي تحمل مخاطر عند تغير السياسة المالية.
وتعتقد الصحيفة أن ما سبق نتج عنه نظام مصرفي أكثر هشاشة على عكس ما كان يعتقده المنظمون والمستثمرون، حيث من الواضح -حسب الصحيفة- أن البنوك الصغرى التي لديها ودائع غير مؤمنة ستحتاج قريبا إلى زيادة رأس المال.
وتقول الصحيفة بما أن ثلث الأصول في النظام المصرفي الأميركي مملوكة لبنوك أصغر من بنك وادي السيليكون، فإن هذه البنوك ستشدد الآن الإقراض في محاولة لتقوية ميزانياتها العامة.
وخلصت الصحيفة إلى أن البنوك متوسطة الحجم معرضة للفشل مهما كانت مكانتها، فقد قلب إفلاس بنك وادي السيليكون أيضا النماذج الأخرى للتمويل في فترة ما بعد الأزمة رأسا على عقب.