في الوقت الذي تترقب فيه تركيا جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية يوم الأحد 28 مايو/أيار الجاري، للاختيار بين الرئيس رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، حذرت وسائل إعلام دولية من تراجع للسوق المحلي و"سيناريوهات صعبة" تنتظره في حال استمرار السياسات القائمة.
وتقدم أردوغان في الجولة الأولى بحصوله على نسبة 49.5% من الأصوات مقابل 44.9% لكليجدار أوغلو، وهو ما أسفر عن إحباط لدى الأوساط الغربية انعكس في تقارير تناقلتها وسائل إعلامها.
من جانبه، أكد أردوغان -في أثناء مقابلة مع قناة "سي إن إن" (CNN) الخميس الماضي- أنه "سيواصل سياسته غير التقليدية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة لتقليل التضخم المرتفع إذا فاز في جولة الإعادة".
وفي ما يلي، نستعرض مؤشرات توجس الغرب من فوز أردوغان، وأسباب مخاوفه من رؤيته الاقتصادية غير التقليدية، وعوامل القوة والضعف فيها، وما حققه حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002.
عقب الإعلان عن جولة الإعادة، تداولت وسائل إعلام دولية تقارير "تحذر من العودة للإدارة الاقتصادية السابقة واستمرار سياسات أردوغان الاقتصادية"، بعد أن كانت تتوقع إلغاء بعضها في حال فوز كليجدار أوغلو.
ونقلت وكالة رويترز عن جون هاريسون، المدير العام لإدارة دراسات الأسواق الناشئة في شركة "تي إس لومبارد" (TS Lombard) المصرفية الخاصة، قوله إن "سياسات أردوغان جعلت تركيا غير قابلة للاستثمار".
كما حذرت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" (Fitch) من أن حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي ستستمر على الأقل حتى بعد جولة الإعادة، وفي ما يتعلق بالتصنيف الحالي للبلاد "بي سلبي" (-B)، أشارت أنها ستقرر بعد الانتخابات إذا ما كانت السياسات المتبعة أكثر مصداقية وثباتا.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي التركي ورئيس قسم الاقتصاد بجامعة صباح الدين زعيم التركية عبد المطلب أربا أن أردوغان والغرب وصلا إلى مفترق طرق منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
وقال أربا -في حديث للجزيرة نت- إن "سياسات أردوغان قبلها كانت متماشية مع الرؤية الغربية، وتدفقت الاستثمارات نتيجة الاستقرار سياسي في الفترة بين عامي 2002 و2016، وهو ما انعكس على الاستقرار الاقتصادي. لكن أردوغان بعد عام 2016، خاصة بعد توليه الرئاسة في 2018، أصبح يسعى لاستقلال الاقتصاد التركي بزيادة الإنتاج المحلي وبالتبعية زيادة الصادرات وتقليل كل من الاستيراد والحاجة للعملات الأجنبية".
وتابع الخبير بأن "ذلك يتعارض مع المصالح الغربية التي تريد أن تظل تركيا معتمدة عليها باعتماد سياسات (تقليدية) لزيادة الاستيراد عن التصدير (تقليل الإنتاج بالتبعية) والاعتماد على العملات الأجنبية ورفع الفائدة للحفاظ على سعر صرف الليرة".
تعيش تركيا منذ منتصف عام 2018 -الذي يمثل بداية الانخفاض الحاد لقيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية- أزمات اقتصادية تفاقمت في السنوات الثلاث الأخيرة مع توابع جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وخسائر الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير/شباط الماضي.
وفق البنك الدولي، تعاني تركيا "غياب الاستقرار المالي الكلي منذ 2018 وارتفاع نسبة التضخم"، ومن ثم زيادة الأسعار وانخفاض القوة الشرائية لليرة.
وتراجعت الليرة التركية في الأيام الماضية إلى "مستوى قياسي منخفض" بلغ قرابة 19.80 للدولار، وفقدت العملة 44% من قيمتها عام 2021 و30% عام 2022، في ظل خفض أسعار الفائدة رغم ارتفاع التضخم كجزء من إستراتيجية أردوغان غير التقليدية.
في المقابل، يصف أردوغان في خطاباته الفائدة وسعر صرف الليرة والتضخم بأنها "مثلث الشر"، ويؤكد أن الجميع "في الداخل والخارج أصبح يرى أن تركيا لن تخضع لهذا المثلث".
وحسب البنك المركزي التركي، بلغ معدل التضخم 45.48% وسعر الفائدة 8.50% الشهر الماضي، ومن المقرر أن يعقد اجتماعا حول سعر الفائدة قبل 3 أيام من جولة الإعادة.
وعزا عبد المطلب أربا تراجع الليرة إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي واللجوء إلى شراء العملات الأجنبية، وأرجع ارتفاع التضخم إلى الفواتير المكلفة لاستيراد الطاقة (لتلبية 95% من احتياج البلاد آنذاك) خاصة وقت جائحة كورونا".
في الأيام الثلاثة التي تلت الجولة الأولى، تراجعت الأسهم المصرفية والسندات السيادية المقومة بالدولار وارتفعت تكلفة تأمين ديون تركيا ضد التخلف عن السداد، في ظل انخفاض التصنيف الائتماني للبلاد وعجز الحساب الجاري التركي.
كما انخفضت احتياطات النقد الأجنبي إلى مستويات قياسية في الأسبوع الذي سبق الانتخابات، لتصل إلى 60 مليارا و815 مليون دولار.
وحول مسألة الديون، توقع الخبير التركي أن تتبنى حكومة أردوغان المقبلة سياسات تقشفية للتعامل معها، مشيرا إلى أن الاستقرار السياسي خلال الفترة القادمة سيسمح بجلب الاستثمارات لتسديدها.
في حين عزا أربا انخفاض الاحتياطات إلى الإنفاق الحكومي للتعامل مع الأزمات التي ضربت البلاد من كورونا إلى الزلزال، بالإضافة إلى جهود المركزي التركي لدعم الليرة وتثبيت سعر الصرف.
وفق معهد الإحصاء التركي، فإن الاقتصاد المحلي نما 5.6% عام 2022 متجاوزا التوقعات، مقابل تباطؤ النمو إلى 3.5% بالربع الأخير منه.
وقال أربا إن "معدلات النمو بشكل عام في تزايد، والاقتصاد التركي متجدد ويتميز بالجودة العالية والتنوع في الإنتاج واستخدام التقنيات الحديثة فيه والكثافة السكانية الشبابية وجودة الحرفيين، لذلك أصبح هناك توجه للسوق التركي كبديل عن الصيني".
وبينما تتهم المعارضة الحكومة بـ"التقاعس عن مكافحة البطالة"، أوضح أربا أنها "بلغت 10% وفق آخر إحصاء في مارس/ آذار الماضي، لكن هناك أيضا آلاف فرص العمل المعروضة يوميا".
وفق الخبير التركي، اتبعت الحكومة 3 إجراءات للتعامل مع الأزمات:
تحتل تركيا -وفق البنك الدولي- المرتبة الـ19 بين أكبر الاقتصادات في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 906 مليارات دولار، وحققت تركيا، عضوة مجموعة الـ20، إصلاحات طموحة وتمتعت بمعدلات نمو عالية بين 2006-2017 دفعتها إلى أعلى مستويات الدخل فوق المتوسط وخفضت من الفقر.
بدوره، لفت أربا إلى أن مستوى دخل المواطن التركي قبل 2002 كان متواضعا، لكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 3641 دولارا آنذاك إلى 9661 دولارا عام 2021.