أظهرت أرقام مؤشر شهري أساسي في قياس معدلات التضخم في الاقتصاد العالمي أن أسعار السلع والخدمات في شهر أغسطس (آب) ارتفعت بنسب كبيرة مقارنة مع المتوسطات التاريخية لهذا الشهر، وجاءت معدلات ارتفاع الأسعار أكبر في الخدمات المقدمة للمستهلكين مباشرة، وبشكل خاص نتيجة زيادة الطلب على السفر والسياحة والترفيه، كما أضاف ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة كلفة السفر والانتقال بشكل عام.
ورغم بعض التباطؤ في ارتفاع الأسعار في قطاع الخدمات عموماً، إلا أن زيادة الأجور وارتفاع أسعار الطاقة وأسعار المواد الخام يشير إلى أن معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة ستظل أعلى بكثير من النسبة المستهدفة من البنوك المركزية في الأشهر المقبلة.
ويخشى المحللون في السوق من أن استمرار معدلات التضخم العالية، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة أيضاً، لفترة طويلة يهدد احتمالات التعافي الاقتصادي. خصوصاً في ضوء البيانات الاقتصادية هذا الأسبوع من بعض الاقتصادات الكبرى التي تشير إلى تباطؤ شديد في النمو كما في الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، أو الاقتصاد البريطاني الذي انكمش بمعدل أكبر من المتوقع. ويعيد هذا الوضع احتمالات الركود مرة أخرى بعدما كانت بعض المؤشرات الإيجابية جعلت المستثمرين والمختصين يستبعدون احتمال الركود في مقابل تباطؤ الاقتصاد العالمي فقط.
ارتفاع الأسعار
ويشمل مؤشر مديري المشتريات العالمي بيانات تجمعها "ستاندرد أند بورز غلوبال" برعاية من بنك "جيه بي مورغان" الاستثماري من 40 بلداً من دول الاقتصاد المتقدم والاقتصادات الصاعدة، وبحسب البيانات الصادرة هذا الأسبوع، انخفض المؤشر الذي يغطي أسعار السلع والخدمات في كل تلك الدول لشهر أغسطس (آب) بشكل طفيف إلى 53.4 نقطة من قراءة عند 53.7 نقطة في شهر يوليو (تموز)، وتلك أقل قراءة للمؤشر منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2020.
تبدو قراءة المؤشر متسقة مع التراجع الطفيف في ارتفاع معدلات التضخم العالمي الذي قدر من مصادر مختلفة بنسبة 5.8 في المئة بمعدل سنوي لشهر يوليو (تموز)، إلا أن تلك المعدلات تظل أعلى من ضعف المستهدف وأيضاً من متوسط معدلات التضخم في السنوات الـ10 السابقة على أزمة وباء كورونا. وبالتالي يتوقع أن يظل معدل التضخم العالمي مرتفعاً عند نسبة أربعة في المئة لفترة أطول.
ويظل الارتفاع في معدلات التضخم مدعوماً بارتفاع الأسعار في قطاع الخدمات، كما أن أسعار المصانع أيضاً أظهرت ارتفاعاً الشهر الماضي بعد ثلاثة أشهر من الانخفاض. وباستثناء بريطانيا، تدل بيانات مؤشر مديري المشتريات لأسعار البيع في الاقتصادات الكبرى على أن التضخم في قطاع التصنيع وصل إلى أدنى مستوياته. وبدأت وتيرة الانخفاض تقل في منطقة اليورو وفي الصين وعادت الأسعار في الولايات المتحدة للارتفاع مجدداً.
بما أن معدل التضخم المستهدف من البنوك المركزية في أغلب الاقتصادات الكبرى هو عند نسبة اثنين في المئة، يعتقد أغلب المحللين والاقتصاديين أن معدلات التضخم ستظل أعلى من ذلك المستهدف لفترة في الأقل خلال المستقبل القريب. وتقدر "ستاندرد أند بورز غلوبال" أن يكون أدنى مستوى يصل إليه ارتفاع التضخم هو عند نسبة ثلاثة في المئة، علماً أن معدل التضخم حالياً في أميركا عند نسبة 3.2 في المئة، وبالتالي لا يتوقع انخفاض الأسعار أكثر في الأشهر المقبلة.
أما في منطقة دول اليورو حيث معدلات التضخم حالياً عند نسبة 5.3 في المئة، فهناك مساحة لمزيد من انخفاض الأسعار حتى يقترب معدل التضخم من حده الأدنى فوق المستوى المستهدف من البنك المركزي الأوروبي. ويحتاج التضخم في بريطانيا، حالياً عند نسبة 6.8 في المئة، إلى مزيد من انخفاض الأسعار كي يقترب من حده الأدنى.
أسباب الارتفاع
وانطلاقاً من تحليل البيانات التفصيلية المصاحبة لقراءة مؤشر مديري المشتريات العالمي للشهر الماضي، تتباين أسباب استمرار معدلات التضخم مرتفعة. ويتضح أن العامل الأكبر تأثيراً في ارتفاع أسعار السلع والخدمات هو ارتفاع الأجور. ومع أن معدل الارتفاع في الأجور في شهر أغسطس (آب) يعد الأقل منذ شهر مارس (آذار) الماضي، إلا أنه أهم أسباب الضغوط التضخمية في الاقتصاد.
يأتي تالياً الارتفاع في كلفة المواد الخام التي تظل أعلى من معدلاتها الطبيعية بضعفين ونصف تقريباً. وفي الشهر الماضي عادت الضغوط التضخمية لارتفاع أسعار الطاقة، بعد نحو عام من التراجع. كذلك لم تؤد الأسعار المرتفعة إلى الضغط على الطلب في الاقتصاد نزولاً.
وكان الارتفاع الأكبر في الأسعار بين القطاعات في الشهر الماضي في قطاع الرعاية الصحية، وذلك نتيجة الزيادة في كلفة الخدمات الصحية وفي أجور العاملين في القطاع الصحي. تظل الضغوط التضخمية الأكبر من قطاعات تقديم الخدمات والسلع للمستهلكين مباشرة، خصوصاً السياحة والترفيه والنقل والمواصلات.
في المقابل واصلت أسعار المواد الأساسية الانخفاض نتيجة الخصومات على سعر البيع بسبب فائض العرض الكبير في الأسواق في مقابل ضعف الطلب. يضاف إلى ذلك توجه الشركات نحول التخلص من المخزونات المتراكمة من فترة أزمة وباء كورونا.