ايران.. هل نجحت في الالتفاف على العقوبات بأسلوب المقايضة؟
لطالما أثقلت العقوبات الغربية كاهل الاقتصاد الإيراني طوال العقود الماضية، وسعت طهران إلى استخدام المقايضة للالتفاف على الحظر الأجنبي إبان حقبة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، لكن الحكومة الإيرانية الحالية بقيادة إبراهيم رئيسي وجدت في التبادل السلعي أسلوبا لتحدي الضغوط الأميركية.
وتعزز توجه طهران إلى المقايضة بعد اتفاقها مع بغداد في يوليو/تموز الماضي على مقايضة الغاز الإيراني بالنفط الأسود العراقي، وكذلك بعد جولة أفريقية في الشهر نفسه قام بها رئيسي إلى كل من كينيا وأوغندا وزيمبابوي تم خلالها الاتفاق على مقايضة المنتجات البتروكيميائية الإيرانية بالسلع الأساسية.
ومنذ تسلم حكومة رئيسي مهامها في صيف 2021 تحول اقتصاد المقايضة إلى أحدث ثوابت الاقتصاد الرامي إلى إبطال مفعول العقوبات الأجنبية، وراحت طهران تحتفل تارة بالاتفاق على مقايضة النفط ومنتجاته مع دول أميركا اللاتينية، وتارة أخرى مع الصين ودول شرق آسيا، ثم مع حلفائها الروس ودول الجوار، وهو ما طرح تساؤلات كبيرة عن مدى جدوى نظام المقايضة في الالتفاف على العقوبات الأميركية.
وتتباين قراءة الأوساط الإيرانية بشأن لجوء طهران إلى اعتماد نظام المقايضة، بين من يرى السياسة ضرورة لتوفير السلع الأساسية وتفادي معضلة التحويلات المالية، وبين آخرين يعتبرونها مؤشرا على حالة الإفلاس التي تكبدها الاقتصاد نتيجة إقحام البلاد في القائمة السوداء بسبب عدم التصديق على قوانين مجموعة العمل المالي (فاتف) المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي السياق، حث الباحث الإيراني غلام رضا مقدم بلاده على الإفلات من العقوبات الأجنبية المفروضة عليها، وذلك عبر التوصل إلى اتفاقات مقايضة مع الدول الأخرى وتيسير معاملاتها التجارية معها.
وأكد مقدم للجزيرة نت أن الاقتصاد الإيراني لم يعد نفطيا، وأن اتفاقات المقايضة تظهر تطورا كبيرا في قطاعاتها الصناعية.
وتابع أن اتفاقات المقايضة التي تتوصل إليها الحكومة الإيرانية مع الدول الأخرى لم تعد لتوفير السلع الأساسية فحسب، وإنما لإعادة الأصول المجمدة بالخارج على شكل سلع أو خدمات، والحد من خروج العملة الصعبة من البلاد، ودعم الأسواق الداخلية دون الحاجة إلى التعامل عبر جمعية الاتصالات المالية العالمية (سويفت).
ونفى مقدم أن يكون نظام المقايضة قد اندثر في العصر الحديث، مؤكدا أنه بعيد عن التسميات والتصنيفات، فالعديد من الدول لا تزال تعتمد نظام المقايضة من أجل إتمام العملية التجارية دون الحاجة إلى دفع الأموال.
في المقابل، اعتبر عضو غرفة إيران للصناعة والتجارة زين العابدين هاشمي تفعيل نظام المقايضة للتجارة الخارجية عودة إلى الوراء بسبب رفع نفقات البلاد من أجل استيراد السلع الأساسية، ناهيك عن أن إيران تعتبر من أكبر الدول المنتجة لبعض البضائع المستوردة في إطار صفقات التبادل السلعي، مثل النفط الأسود والشاي والقماش.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى هاشمي أن اتفاقات المقايضة تمت مع دول قد لا تمتلك صناعات متطورة لمبادلتها مع البضائع الإيرانية، وأن استيراد نماذج مشابهة للبضائع المصنعة محليا سيؤدي إلى الانكماش الاقتصادي في عدد من القطاعات.
وكانت وسائل إعلام إيرانية قد أفادت في أغسطس/آب الماضي بتوصل طهران وكولومبو إلی صفقة ترسل بموجبها سريلانكا الشاي إلى إيران لتسديد ديونها السابقة على واردات النفط.
وتساءل هاشمي عما إذا كان استيراد التكنولوجيا والصناعات المتطورة ممكنا وفق نظام المقايضة، موضحا أنه لا يمكن اعتبار نظام المقايضة حلا أساسيا للالتفاف على العقوبات طالما أنه لا يمكّن طهران من استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية واستيراد البضائع المحظورة وفق العقوبات الأجنبية.
وخلص هاشمي إلى أن طهران تلتزم عمليا بالعديد من بنود قوانين مجموعة العمل المالي، وأن التصديق على قوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب سينعكس إيجابا على شطب اسم إيران من القائمة السوداء والانفتاح العالمي على اقتصادها الوطني.
وعلى وقع التعليقات الموافقة والمعارضة في وسائل الإعلام الإيرانية يدعو عالم الاقتصاد الإيراني هادي حق شناس الطرفين إلى عدم إصدار أحكام قطعية، والنظر إلى اتفاقات المقايضة في إطار المنطقة الرمادية من أجل تعزيز الجوانب الإيجابية.
وفي مقال نشره في صحيفة "آرمان ملي" يستذكر حق شناس عددا من الاتفاقات التي بقيت حبرا على ورق بسبب العقوبات الأجنبية، مشيرا إلى أن البعض يرى في نظام المقايضة طريقا لتمويل تلك المشاريع، في حين أن المشكلة الرئيسية هي بقاء طهران في القائمة السوداء، مما يؤدي إلى مغادرة الشركات العالمية لتقليل المجازفة الخاصة بالاستثمار في المشاريع الإيرانية.