تأثرت العديد من القطاعات الاقتصادية حول العالم بتداعيات وباء كورونا، ما عدا الابتكارات التكنولوجية، التي زاد عددها في 2020، وفق تقرير لمجلة لوبوان الفرنسية بسبب المنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين. هذه الأخيرة، التي تطمح لأن تصبح أول منتج لوحدات التشغيل (البروسيسرورز) وبطاقات الذاكرة في غضون 2035، رغم هيمنة الولايات المتحدة على هذه الصناعة في الوقت الراهن. وفي غضون هذا التنافس الشديد، ينتظر أن ينهي 200 مليون طالب صيني تعليمهم الجامعي في 2023، وتشير الاحصائيات إلى أن ثلثي هؤلاء الطلبة متخصصون في التكنولوجيا، أي أكبر من عدد الأشخاص النشطين في الولايات المتحدة، ما يعني أن العالم مقبل على ثورة تكنولوجية بقيادة الصين ظهرت ملامحها الأولى في 2020، وفي ما يلي أبرز الابتكارات في 2020: 1 – الحاسب الكمي في 3 ديسمبر 2020، أعلن فريق من جامعة الصين للعلوم والتكنولوجيا يقوده جيان وي بان ابتكار حاسوب كمي أطلق عليه اسم «جيوزهانغ»، قادر على القيام بعمليات أسرع 100 مليار مرة من أسرع حاسوب في العالم. الحوسبة الكمية هي تقنية وليدة تستخدم الفيزياء الكمية لتحقيق سرعة كبيرة في معالجة المعلومات، وقد تُحدث مثل هذه الأجهزة الجديدة يوماً ما ثورة في المهام التي قد تستغرق أجهزة الكمبيوتر العادية سنوات لإنجازها، مثل البحث عن أدوية جديدة وتحسين تخطيط المدن والنقل. واعتمد الباحثون الصينيون نهجاً مختلفاً للحوسبة الكمية عن تلك المستخدمة من قبل غوغل، ونتيجة لذلك، أصبح الكمبيوتر الصيني أسرع بـ10 مليارات مرة من التكنولوجيا التي أعلنت عنها شركة التكنولوجيا الأميركية أواخر العام الماضي، كما أنه أسرع 100 تريليون مرة من كمبيوتر فوجاكو الياباني. ويهدف الكمبيوتر الكمي إلى استخدام خوارزميات كمية جديدة لتسريع الحساب الرقمي، وفي محاولة للفوز بالسباق التكنولوجي مع الولايات المتحدة، تقوم الصين ببناء مختبر وطني جديد لعلوم المعلومات الكمية بتكلفة 10 مليارات دولار. 2 – السيارة الطائرة.. قريباً نحن اليوم أقرب ما يكون لسيارة مستقلة لمسافة تتراوح ما بين 800 وألف كيلومتر. وأما زمن شحنها، فلا يتجاوز 5 دقائق ما يضاعف عمرها خمس مرات. ويبدو مشروع البطاريات التي تعمل بقطب من الكربون الذي قدمته شركة ناوا للتكنولوجيات واعدا للغاية، ذلك أنه يمكن أن يقضي على السيارة الكهربائية التي لا تزال تعاني من الاستقلالية المحدودة ومن مدة الشحن التي تمتد لساعات عدة. يقع مقر شركة ناوا للتكنولوجيات الناشئة بالقرب من أكس أون بروفانس الفرنسية، وقد تمكنت مؤخرا من رفع رأسمالها إلى 13 مليون يورو، ما سيسمح لها بإنتاج أقطاب كهربائية دقيقة من الكربون، الذي يعد مادة متوافرة وقابلة للتدوير. ويمكن لهذا الابتكار أن يمنح نفسا قويا للمهندس الألماني غانثر شوه، الذي يعكف حالياً على صناعة التاكسي الطائر الصامت المنتظر في عام 2022. 3 – الذكاء الاصطناعي والبكتيريا المقاومة في فبراير 2020، أعلن معهد ماساشوستس للتكنولوجيا اكتشاف مضاد حيوي فعال ضد البكتيريا المقاومة لكل الأدوية بفضل الذكاء الاصطناعي. فمن خلال استغلال مكتبات افتراضية كبيرة تجمع ملايين الكتب وبطريقة ذاتية، لم تتمكن الخوارزمية فقط من العثور على التركيبة الفعالة، ولكنها استغلت أيضا الآليات المستخدمة من قبل المضادات الحيوية الموجودة، لتحدّ بذلك من خطر تأقلم البكتيريا مع المضادات الحيوية. وينتظر أن يشهد التصوير الطبي ثورة أيضاً مع إدماج أدوات تحليل آلي، ورغم أن الذكاء الاصطناعي لن يعوّض الطبيب المختص في الأشعة، فإنه سيجنبه ساعات طويلة من عدّ التشوهات ومميزاتها، مع التحقق من بقية الصورة بحثاً عن مرض غير متوقع. 4 – لقاح ARN ضد كورونا يعد لقاح كورونا أبرز ابتكار طبي في 2020، وقد تم إنتاجه بسرعة لمواجهة الوباء الذي أصاب أكثر من 66 مليون شخص وقتل أكثر من مليون ونصف المليون مريض. فمن بين 327 مشروع لقاح، تمكنت المجموعة الأميركية فايزر بالتعاون مع الشركة الألمانية بيونتك من إعلان نجاحها في تطوير لقاح فعال في 9 نوفمبر الماضي، تلتها موديرنا الأميركية. ويتمثل الإنجاز الأول في قصر المدة بين ظهور أولى حالات كورونا في 1 ديسمبر 2019 والإعلان عن تطوير اللقاح، إذ لم يمض بين الحدثين سوى 11 شهراً، بينما المعدل في الأوقات الطبيعية يصل إلى 15 عاماً. بالإضافة إلى ذلك، فهذه أول مرة يتم خلالها ابتكار لقاح ضد فيروس كورونا الذي يصيب الإنسان. وبالإضافة إلى التكنولوجيا المستخدمة، فموديرنا وفايزر لم تستخدما الفيروس نفسه وإنما شيفرته الوراثية، بينما اللقاحات الكلاسيكية تقوم بإنتاج مولدات ضد في الجهاز المناعي الذي ينتج أجساماً مضادة، غير أن اللقاح الجديد لا يتضمن حقن مولدات ضد، وإنما جزءاً من المادة الوراثية لسارس كوف 2، حتى تتمكن الخلايا من أداء عملها بنفسها، وتعد هذه الطريقة مرحلة جديدة في تاريخ اللقاحات الطويل. 5 – ثقوب سوداء غير مسبوقة في سبتمبر الماضي، سمح التعاون العلمي بين فريقين أميركي وأوروبي LIGO-Virgo باكتشاف وجود ثقوب غريبة، تم التطرق إليها في سبعينيات القرن الماضي، لكن لم تتم مشاهدتها إلا بعد رصد بعض الإشارات. وأظهرت الدراسات أن مصدر الإشارة كان نظاماً ثنائياً فائق الكتلة، وهما ثقبان أسودان كتلتهما 66 شمساً و85 شمساً، ونتيجة الاندماج شكّلا ثقباً أسود بكتلة 142 شمساً. سينتهي هذا الإعلان خلال 16 ووفق العلماء، فقد حدث الاندماج قبل 7 مليارات سنة، ويعد هذا الاكتشاف نقلة نوعية في الفيزياء الفلكية للثقوب السوداء، وأول دليل على وجود ثقب أسود في هذا النطاق الكتلي. 6 – استكشاف الفضاء: افتتاح الطريق نحوه للمرة الثانية في أقل من عام، تتمكن شركة سبيس إكس (SpaceX) الأميركية من الانطلاق إلى المحطة الفضائية الدولية (ISS) بـ4 روّاد، الأمر الذي وصفته إدارة وكالة الفضاء والطيران الأميركية ناسا (NASA) بأنه يوم عظيم. انطلقت هذه المجموعة المكونة من 3 أميركيين: مايكل هوبكنز، وفيكتور غلوفر، وشانون ووكر، والياباني سويشي نوغوتشي، عبر الصاروخ فالكون – 9 التابع لشركة سبيس إكس منتصف نوفمبر الماضي من مركز كينيدي للفضاء (Kennedy Space Center) في فلوريدا. وإلى جانب روّاد الفضاء، حملت المهمة نحو 230 كيلوغراماً من البضائع، مع أجهزة علمية جديدة، ومواد تجارب تتعلّق بفسيولوجيا الطعام في الفضاء، وأخرى لدراسة تأثيرات النظام الغذائي في صحة الطاقم، إلى جانب تجربة صممها فريق من الطلاب تهدف إلى فهم كيفية تأثير الرحلات الفضائية في وظائف الدماغ. 7 – عين الصين على القمر ثم المريخ بعد عام 2019، الذي تميز بهبوط أحد روبوتاتها على الوجه الخفي للقمر، حيث لم يخاطر الأميركيون ولا الروس بعد، أطلقت الصين وبنجاح في يوليو الماضي مسبارا غير مأهول باتجاه كوكب المريخ، في إطار سعيها لدور قيادي في الفضاء وإبراز قدراتها التكنولوجية. ويتكون مسبار الصين غير المأهول إلى المريخ واسمه تيانون-1 ومعناه أسئلة إلى السماء من مركبة مدارية ووحدة للهبوط على سطح الكوكب ومركبة جوالة. ومن المتوقع ان يهبط المسبار على الكوكب الأحمر في ربيع 2021 في سهل واسع في النصف الشمالي من الكوكب، لا يمثل أهمية علمية كبيرة ولكنه يوفر أمانا أكبر. وهذا ليس هو الإنجاز الوحيد للصين التي تمكنت في الخريف الماضي من جلب عينات من سطح القمر ومن عمق يتجاوز المترين، وإن تمت الأمور وفق ما هو مخطط له تتوقع الصين نجاحها في جلب كيلوغرامين من صخور القمر في منتصف الشهر الجاري، ما يعد إنجازا كبيرا بالنسبة للإنسان وللصين. 8 – أسراب الطائرات المسيرة في 20 سبتمبر الماضي، حطمت الصين الرقم القياسي للمجموعة الأميركية انتل باطلاق سرب يتكون من 3051 درونا، كان الاستعراض لافتا للنظر في سماء زوهاي ورسالة واضحة لجيوش العالم مفادها أن أسراب الطائرات المسيرة هذه يصعب تدميرها وتمثل احدى أبرز التهديدات للدفاعات الجوية، لأن لا أحد يستطيع حتما اختراق هذه الأسراب، وأما سر نجاحها فهو شيفرتها التي تحميها من أي عطل أو فشل في برنامج التوجيه. ويتصور الخبراء لاحقا امكانية طبع طائرات بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد وتوجيهها مباشرة إلى الجبهة لضمان توقيف دفاعات العدو بشكل دائم، وتدرس الكثير من الجيوش بينها الجيش الفرنسي هذا التهديد الذي قد يصبح نموذج حروب المستقبل. 9 – بروتينات ثلاثية الأبعاد في 30 نوفمبر الماضي أعلن فريق الذكاء الصناعي لشركة ديب مايد التي استحوذت عليها غوغل في 2014، قدرتها على التنبؤ بشكل البروتينات بفضل خوارزمية ذكاء اصطناعي، ويتوقع أن يؤدي توقع بنية البروتين إلى تحسين العلوم الطبية الحيوية بشكل كبير، والسماح للأطباء بتطوير علاجات جديدة بشكل أسرع، والبروتينات في الأساس هي سلاسل من جزيئات فردية تسمى الأحماض الأمينية التي تم ثنيها في شكل معقد. ويعد توقع بنية البروتين تحدياً كبيراً للعلماء، وكان أداء الخوارزمية في التوقع أفضل من أي خوارزمية أخرى في التاريخ، إذ تمكنت خوارزمية AlphaFold 2 من التنبؤ بهيكل البروتين بنسبة %92.4. وقال فريق ديب مايند إن الفريق كان قادراً على التنبؤ ببنية العديد من البروتينات الموجودة في فيروس كورونا، ويتوقع الفريق أن تسرّع الخوارزمية الوتيرة التي يمكن للأطباء من خلالها تحليل الأمراض الجديدة وتطوير العلاجات المحتملة.