ماذا سيحدث للانفصال الكبير بين “وول ستريت” والاقتصاد الحقيقى، إن حدث؟.. هذا سؤال أساسى للمستثمرين الذين يعدون محافظهم الاستثمارية لعام 2021، كما أنه سؤال مهم للاقتصاد العالمى وصناع السياسة.
وخلال العام الوبائى الجارى، شهدنا اتساع آخر حاد لفجوة كبيرة بالفعل بين الأسواق المالية والاقتصاد، وأخذ التعافي السريع فى أسعار الاصول من المستويات الدنيا فى 23 مارس المؤشرات الامريكية لمستويات قياسية، وحتى قبل الانباء الجيدة الأخيرة بشأن لقاحات كوفيد 19، وذلك بجانب السياسات الأكثر تيسيراً من البنوك المركزية التى أدت إلى إصدار ديون قياسية بمستويات منخفضة تاريخية من العائد للدائنين.
وفى نفس الوقت، لاتزال الأحوال الاقتصادية العالمية غير أكيدة، وترسل موجة أخرى من فيروس كورونا أجزاء من أوروبا مجددا إلى ركود، وهو ما يسحب زخم التعافى الأمريكى ويحد من قوة دفع الأداء الأفضل لشرق الآسيا للنمو العالمى، وكلما استمر ذلك، ازدادت مخاطر “الندوب” التى تأكل النمو على المدى الأطول.
وتعد الأفاق الاقتصادية الغامضة والتفاوت الملحوظ بين أداء الدول ذات الأهمية النظامية ما هى إلا واحدة من الموروثات الرئيسية لـ”كوفيد 19″، والتى غضت الأسواق عنها الطرف نتيجة الإيمان القوى بقدرة البنوك المركزية على حماية أسعار الأصول من التأثيرات غير المحببة.
ونظراً لكون الأسواق أسواق، فقد وسع المستثمرون بسهولة الطبيعة الوقائية للحماية لتشمل فئات الأصول، التى فى أحسن الأحوال مدعومة بشكل غير مباشر فقط من خلال أموال البنوك المركزية “مثل الأسواق الناشئة”.
ولا يوجد شىء مطمئن لمستثمر أكثر من معرفة أن البنوك المركزية بميزانياتها الكبيرة سوف تشترى الأوراق المالية التى يمتلكونها، خاصة عندما يكون هؤلاء المشترون على استعداد للشراء بأى سعر ولديهم رأسمال غير محدود، والاستجابة العقلانية للمستثمر لن تكون فقط تعزيز مشترياتهم وإنما أيضاً البحث عن الفرص ستندفع إليها الأموال الباحثة عن عائد.
والنتيجة ليس فقط موجات صعود مدفوعة بالسيولة وتبدو لا نهائية بغض النظر عن الأسس الاقتصادية، وإنما تغير الأوضاع السوقية وانقلاب العلاقة التقليدية بين السبب والنتيجة.
وبناءً على ما نعرفه اليوم فإن التحديات التى تواجه المستثمرين فى 2021 لن تحدث على الأرجح فى الأسابيع القليلة الأولى وإنما ترتبط أكثر بوقت لاحق من العام، هذا فى حال لم يظهر حدث أو أكثر مغير للأحداث مثل تشديد للسياسة النقدية “وهو أمر غير مرجح بقدر كبير”، أو حوادث سوقية بسبب التحمل المفرط للمخاطر “ممكن الحدوث ولكنه ليس مرجحاً”، أو ازدياد حالات إفلاس الشركات “الأكثر احتمالية ولكنه سيظهر مع الوقت وليس دفعة واحدة”.
ورغم أن المستثمرين سيواصلون ركوب موجة سيولة عالية الربحية فى الوقت الحالى، فإن الأمور سوف تصبح أكثر صعوبة كلما ندخل فى 2021.
وسوف يكون من الصعب الدفاع عن مواصلة البنوك المركزية تشويه الأسواق فى حال تعافى الاقتصاد وسط ازدياد توقعات التضخم، وبقدر ما سيكون هذا التعافى مرحباً به، لن يكون كافياً على الأرجح لتعويض تأثير إفلاسات الشركات أو التأثيرات الضارة لعدم المساواة الأعلى، وقد يندم المستثمرون على اليوم الذى غامروا فيه بحمل فئات أصول بعيدة عن مجالاتهم المألوفة والتى ينقصها السيولة الكافية فى حركات التصحيح.
والإبحار فى مثل هذا المشهد سوف يتطلب أدوات تحليلية من شأنها أن تنتقص من العائدات التى تم تحقيقها خلال الجزء الأكبر من الارتفاع المدفوع بالسيولة، وأفكر هنا فى أدوات شديدة التنوع مثل الائتمان والتحليل الفنى والتخطيط وفقاً للسيناريوهات المستقبلية المحتملة، والهيكلة الذكية وتقييم السيولة فى أجزاء السوق، وفهم أفضل لإمكانية التعافى من الأخطاء الاستثمارية، وهو ما يتطلب إعادة التفكير فى تكوين (SE:1201) المحفظة التقليدى الذى يتضمن تخصيص 60% من الأموال فى الأسهم و40% فى الدخل الثابت الذى أصبح العائد عليه منخفض بحدة بشكل مصطنع فيما يخص السندات الحكومية.
وبالفعل، استمر الانفصال الكبير لوقت أطول مما توقع أغلب المحللون، وهو ما يوضح مجدداً التداعيات غير المقصودة لنهج السياسة الذى يضع عبئاً مفرطاً على البنوك المركزية.
ويكمن الأمل فى 2021 أن يؤدى التعافى الاقتصادى النانتج عن اللقاح وأسس الشركات الأفضل إلى إعطاء مصداقية لأسعار الأصول الآخذة فى الصعود، وتسمح بإعادة توازن منظم لمزيج السياسة الهيكلى النقدى المالى.
بقلم: محمد العريان، المستشار الاقتصادى لمجموعتى“أليانز” و”جرامسرى”، ورئيس كلية “كوينز” بجامعة كامبريدج المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”