تبخرت آمال حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في التوصل إلى اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة قبل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير (كانون الثاني) الجاري. وذكر تقرير لوكالة “بلومبيرغ” أنه كان من المتوقع الإعلان عن التوصل لاتفاق تجارة حرة بين واشنطن ولندن خلال أيام، إلا أن اقتحام أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب لمبنى الكابيتول يوم الأربعاء الماضي عطلت الإعلان. وتسعى حكومة جونسون، منذ ما قبل التوصل لاتفاق بريكست مع الاتحاد الأوروبي عشية عيد الميلاد الشهر الماضي، للتوصل إلى اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة. ولطالما اعتبرت هذا الاتفاق “جائزة كبرى” للخروج من الاتحاد. لكن آخر جولة مفاوضات رسمية بين الأميركيين والبريطانيين كانت في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2020، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وجاءت نتيجة الانتخابات الأميركية مخيبة لآمال الحكومة البريطانية التي كانت تعتمد على العلاقة الجيدة بين جونسون وترمب، وتراهن على حماس ترمب لخروج بريطانيا من أوروبا. ولم يتم التوصل بعد لاتفاق على بنود حساسة، مثل فتح خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا أمام الشركات الخاصة الأميركية في قطاعات الصحة والأدوية والمواد الزراعية والغذائية التي لا توافق المواصفات الصحية البريطانية وكذلك مسألة حرية المعلومات والدعم الحكومي. لكن تقارير إعلامية حديثة ذكرت أن البلدين يعملان على التوصل إلى “صفقة مصغرة” تتضمن رفع التعرفة الجمركية على المنتجات البريطانية مثل الويسكي الاسكتلندي قبل نهاية أيام ترمب في البيت الأبيض. لكن الاعتداء على الكابيتول يوم تصديق نتيجة فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية قضت فيما يبدو على تلك الآمال، حسب تقرير “بلومبيرغ”. ولم تعقد بعد أي جولة مفاوضات رسمية بين الجانبين منذ آخر جولة في 30 أكتوبر الماضي. ولم يسمع أي تصريح من وزيرة التجارة الدولية البريطانية ليز تروس أو من الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتيزر. وعلى الرغم من توقيع بريطانيا اتفاقية تجارية مع اليابان وغيرها، إلا أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يحمل أهمية خاصة للمملكة المتحدة. والسبب ليس حجم التجارة بين الجانبين، التي تمثل نحو 15 في المئة من التجارة الخارجية البريطانية (أقل من ثلث التجارة البريطانية مع دول الاتحاد الأوروبي). وحسب أحدث أرقام متاحة، وصل حجم التجارة بين البلدين عام 2019 إلى 273 مليار دولار. ووصلت الصادرات الأميركية لبريطانيا إلى 147.4 مليار دولار بينما وصلت صادرات بريطانيا للولايات المتحدة إلى 125.6 مليار دولار. إنما لاتفاق التجارة مع أميركا أهمية سياسية أيضاً لحكومة حزب المحافظين في رسالتها للناخب البريطاني الذي حمسته للتصويت للخروج من أوروبا في استفتاء 2016، فضلاً عن تأكيد “العلاقة الخاصة” بين لندن وواشنطن. ويبدو الآن أن التأخير في التوصل لاتفاق التجارة بين البلدين، أولاً بسبب انتخابات نوفمبر وفوز بايدن وثانياً بسبب أحداث الكابيتول، لن يكون الأخير. حتى الموعد التقريبي المتوقع الآن بتوصل فريقي التفاوض لمسودة الاتفاق قبل أبريل (نيسان) القادم ربما يكون متفائلاً جداً. فالإدارة الأميركية الجديدة التي ستتولى مهامها يعد أيام ستكون لديها أولويات مختلفة تغلب عليها القضايا الداخلية من مواجهة وباء كورونا وتحفيز الاقتصاد وغيرها. ويرى كثير من المحللين أن إدارة بايدن لن تضع في أولوياتها التوصل لاتفاق تجارة مع بريطانيا، لأسباب عدة منها حماس جونسون لترمب وتفضيل إدارة بايدن لتعزيز العلاقات مع أوروبا حين تفرغ من قضاياها الداخلية. وكتب السفير البريطاني السابق في واشنطن كيم داروك مقالاً في صحيفة “فايننشال تايمز” اعتبر فيه أن تصرف جونسون، وانتقاده أحداث الكابيتول بعد 24 ساعة من وقوعها، قد لا يفيده في تحسين العلاقة مع إدارة بايدن. وقال داروك إن رئيس الوزراء البريطاني فوّت فرصة مهمة لبدء علاقة جيدة مع الإدارة الجديدة كان يمكن أن تفيد في التوصل لاتفاق تجارة جيد بين البلدين. وأشار إلى أن تفادي حكومة جونسون أي موقف من تصرفات ترمب التي تنتهك المبادئ الأساسية حتى في علاقات البلدين جعلت من المسؤولين الأميركيين حول بايدن يعتبرون أن التصرف الأفضل مع إدارة ترمب كان من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحكومتها وليس من حكومة جونسن.