البوصلة الاقتصادية-غزة
قد يبدو للوهلة الأولى أن مصطلح الضرائب يطلق على المبالغ والرسوم الإضافية التي تفرضها الحكومة على مختلف السلع والخدمات لتحصيل وتمويل المشاريع العامة والتهرب منها جرم قانوني خطير لا تحمد عقباه. لكن هل سمعت يوماً ما عن مصطلح (الضريبة الوردية)؟
في الواقع, فإن مصطلح (الضريبة الوردية) ليس بمعناه الحرفي أي أن الحكومات لا تفرض هذه الضرائب على السلع والخدمات بل هي عبارة عن تكاليف إضافية على بعض المنتجات التي تشتريها النساء.
لكن لماذا؟ وما السر في ذلك؟
ما المبرر المنطقي والإقتصادي الذي يجعل سلعة ما أغلى دون شبيهتها برغم تطابق المواصفات إلى حد كبير؟
الضريبة الوردية هي تلك التي يخضع لها حوالي نصف السكان فقط وربما ليسوا على علم بذلك وغالباً ما تعزى إلى شكل من أشكال التمييز على أساس الجنس (النوع) وهذا الاسم ناشئ عن ملاحظة أن العديد من هذه المنتجات متأثرة بالوردي حيث أن اللون الوردي مرتبط بالأنوثة.
ليست هذه جملة مجازية ولا مبالغة نسوية، لكن بالفعل تدفع الأنثى مقابلًا أكبر في المنتجات النسائية مما يدفعه الرجل في المنتجات الرجالية. ويمكن التحقق من ذلك باطلاع سريع على أي متجر على الإنترنت، إذ سنجد المنتج النسائي الذي لا يختلف في أي شيء عن المنتج الرجالي سوى أن لونه وردي أو قرمزي فاتح بسعر أعلى.
والمثال الكلاسيكي على ذلك هو شفرات الحلاقة فالمنتج ذاته مضاف إليه بعض اللمعان أو العطور لإضفاء النعومة عليه نجد سعره أعلى من المنتج الرجالي وذلك لأنه يخضع للضريبة الوردية أو ما يعرف بالـ "Pink tax" وهي ظاهرة اختلاف أسعار المنتجات والخدمات بناءً على الجنس, فالمنتجات النسائية التي تتميز عادةً باللون الوردي دائماً ما يفوق ثمنها المنتجات الرجالية المثيلة.
لكن من ناحية تسويقية يتم تعريف الضريبة الوردية في مجال السوق على أنها المبلغ الإضافي الذي تدفعه النساء مقابل خدمات وسلع معينة، وذلك لأنها غالباً ما تأتي في عبوات وردية بتصميم أنثوي.
يمكن ملاحظة هذا الأمر بشكل واضح على المنتجات التي ذات طابع أنثوي فعلى سبيل المثال يمكنك اكتشاف فرق السعر في أسعار الأمشاط والمرطبات ومزيل العرق وحتى الضمادات التي تكون باللون الوردي أغلى نسبياً من نظيراتهم ذوات الألوان العادية, وببحث بسيط على أمازون بين منتجات شركة بربيري للعطور والإكسسوارات فستلاحظ اختلاف أسعار ساعات اليد للرجال عن النساء بفارق يصل إلى مئة دولار ويصل إلى عشرين دولاراً في العطور المختلفة مع ثبات نسبة التركيز والإصدار.
تكلف المنتجات المسوقة خصيصًا للنساء حوالي 7% أكثر من المنتجات المسوقة للرجال وفقاً لدراسة أجرتها إدارة شؤون المستهلك بمدينة نيويورك. ينطبق هذا التناقض على الملابس والألعاب ومنتجات الرعاية الصحية.
من بين أمور أخرى, في قطاع الألعاب مثلاً، تكلف ألعاب الفتيات في المتوسط 7% أكثر من ألعاب الأولاد. تحدثت الدراسة عن مقارنة جنباً إلى جنب لسكوتر راديو فلاير حيث يكلف السكوتر الأحمر 24.99 دولاراً بينما يكلف السكوتر الوردي، وهو مطابق في جميع المواصفات ما عدا اللون، 49 دولاراً.
في ملابس الأطفال، كانت ملابس الفتيات أغلى بنسبة 4% من ملابس الأولاد, وكانت ملابس الرجال أقل تكلفة بنسبة 8% من ملابس النساء. إلى جانب ذلك, جاء أكبر اختلاف في منتجات العناية الشخصية - النظافة حيث تكلف منتجات النساء 13% أكثر من منتجات الرجال.
الدوافع والأسباب والتحليلات الإقتصادية:
يرجع خبراء الاقتصاد التسعير المبني على الجنس إلى عدة أسباب منها:
- الدراسات العلمية المرتبطة بالتجارة والتي تظهر اهتمام المرأة بالشكل الخارجي للمنتج مما يدفع الشركات المنتجة إلى بذل مجهود إضافي على التغليف والتعليب وبالتالي تكبد الشركة المنتجة كلفة إضافية.
- إن الشركات المتوجهة للنساء تفوق تلك التي تقدم منتجاتها للرجال وعليه فإن المنافسة بين الشركات الأولى مضاعفة مما يلزمها بالتوجه إلى التسويق والإعلانات لزيادة نسبة مبيعاتها وعلى المرأة تحمل تلك التكلفة.
- التجديد والموضة: طالما أن لكل موسم صيحات موضة متجددة, فهذا التجديد السريع يكلف بالطبع الكثير من المال والمواد الأولية من أجل ابتكار نماذج تصميمات المواسم الجديدة وبالطبع أجور المصممين والبحث المستمر عما هو جديد. هذه الأمور بالطبع تساهم في إضافة تكاليف على المصنع من أجل تزويد السوق والوصول إلى المستهلكات الإناث وبالتالي تكلفة إضافية في الأسعار.
- السعر الأعلى يعني دائماً الأنسب: معظم النساء تدرك أن كلما كان سعر المنتج مرتفع نسبياً (خاصةً إذا كان موجهاً للنساء) فهذا يعني أن هذا المنتج يلبي احتياجاتها منه على فرض أن المنتج موجه لها كلياً. في الواقع, وُجِدَ أنَّ شفرات الحلاقة للرجال والنساء متساوية في الأساس وأن التمييز بينهم هو ببساطة استراتيجية تسويقية. ويرجع ذلك إلى اعتقاد المسوقين أن النساء أقل حساسية لتغير الأسعار أي أن النساء لا يأخذن في الاعتبار العوامل الاقتصادية والتكلفة.
تقول الآراء المدافعة عن تباين الأسعار بين المنتجات النسائية ومثيلاتها الرجالية أن المنتجات النسائية تحتاج لمواد خام أكثر من الرجالية ولأن هناك تكلفة بحث وتطوير للمنتجات تقع على الشركات لكي تصنع خيارات أكثر وتكلفة إضافية لجعل المنتج يبدو جذاباً ويلائم احتياجات الأنثى.
فيما يقول سبب آخر أن المنتجات النسائية توزع في أماكن مختلفة من المتاجر إلى الصيدليات ويخضع الأمر حينها لأمور تسويقية تتطلب سعراً أعلى ولأن الرجال أيضاً يؤخذ عنهم صورة العقلانية في الشراء أي أنهم يشترون الأشياء القيمة فقط, أما الصورة النمطية التي تصدر عن النساء أنهن يبحثن عن "الموضة" وعن شكل الأشياء لا عن قيمتها أو عن الأشياء الجذابة, لكن الحقيقة أن اختلاف الأسعار هو نتيجة لأن المسوِّق يفترض أن النساء لا يعلمن الاختلاف بين المنتجين المتماثلين في الحقيقة ما عدا في اللون.
هناك العديد من الأسباب وراء وجود الضرائب الوردية بما في ذلك التعريفات وتمايز المنتجات. يرى مناهضوا الضرائب الوردية أن التمييز للمنتج هو أمر مزعوم حيث أن شفرات الحلاقة للرجال والنساء متساوية في الأساس وأن التمييز بينهم هو ببساطة استراتيجية تسويقية ويرجع ذلك إلى اعتقاد المسوقين أن النساء أقل حساسية لتغير الأسعار أي أن النساء لا يأخذن في الاعتبار العوامل الاقتصادية والتكلفة.
وبالرغم من التبريرات, لا يعتقد الجميع أن الضريبة الوردية حقيقية على الرغم من الدراسات التي يبدو أنها تثبت وجودها والقوانين التي تم تمريرها في محاولة لمكافحتها. ولدى المشككين ثلاث حجج رئيسية ضدها:
- اختلاف السلع النسائية والسلع الرجالية حتى عندما تبدو متشابهة: يذكر تقرير فيرمونت حول التسعير القائم على النوع الاجتماعي أن تجار التجزئة ومقدمي الخدمات يستطيعون تفسير الاختلافات المشروعة عند تحديد الأسعار. يشير التجار إلى أنه يمكن إرجاع أسباب اختلاف الأسعار إلى الوقت وطول الشعر وتعقيد القطع والتصميم والتلوين.
على سبيل المثال: رغم أن شفرات الحلاقة الرجالية والنسائية متشابهة في الأصل لكن تضاف خواص أكثر إنسيابية للشفرات النسائية لكي تكون أكثر ملاءمة لاحتياجات المرأة وأيضاً عند تصنيع بنطال من الجينز للنساء يحتاج القماش إلى قصات أكثر انحناء ليتلاءم مع شكل جسم المرأة.
- قوانين الاقتصاد تمنع التمييز السعري: يجادل بعض الاقتصاديين بأن تجار التجزئة ومقدمي الخدمات لا يستطيعون حقاً أن يفرضوا على النساء سعراً أكبر مقابل منتج مماثل لأنهم إذا فعلوا ذلك فإن الشركات المنافسة التي تحاول الحصول على هذه الأرباح ستزيد المعروض مما يدفع الأسعار إلى الهبوط.
- جاءت معارضة قانون الإلغاء الضريبي الوردي من قبل تجار التجزئة والمصنعين للمنتجات والملابس النسائية. الحجة الرئيسية لهم هي أن قانون الإلغاء الضريبي الوردي سيكون من الصعب تطبيقه وستتبعه الدعاوى القضائية ويزعمون أن الفرق بين منتجات الرجال والنساء ليس من السهل دائماً رؤيته لذا فإن إزالة الضريبة الوردية ستكون ذاتية. كما زعموا أن مشروع القانون لم يكن ودياً لوظائف التصنيع المحلية وأن تخفيض أسعار منتجات النساء يمكن أن يؤدي إلى تسريح العمال.
تبريرات وانتقادات .. وحتى تناقضات!
الأثر الاقتصادي للضريبة الوردية هو أن المرأة لديها قوة شرائية أقل خاصةً مع فجوة الأجور القائمة على الجنس (أي التمييز في الأجور بين الرجال والنساء في أسواق العمل). تضع فجوة الأجور النساء بالفعل في وضع غير موات عندما يتعلق الأمر بالقوة الشرائية. تحقق النساء حالياً متوسطاً إحصائياً يبلغ 80 سنتاً مقابل كل دولار واحد يكسبه الرجل في الولايات المتحدة مما يعني أن النساء - إحصائياً - في المتوسط لديهن دخل أقل لإنفاقه على السلع والخدمات. هذا وحده يمنح الرجال المزيد من المال وبالتالي المزيد من القوة الشرائية.
تساهم الضريبة الوردية أيضاً في عدم المساواة الاقتصادية بين الرجال والنساء بحيث أنه عند دفع المزيد من المال مقابل السلع والخدمات التي يتم تسويقها للنساء (حيث تكسب النساء أقل من الرجال) يعني أن الرجال يملكون غالبية القوة الشرائية في الاقتصاد. الضرائب على منتجات النظافة الأنثوية التي لا يحتاجها الرجال تساهم في هذا التناقض.
فما الذي يدفع المرأة في ظل متوسط أجور عملها الأقل نسبياً من الرجال وذات الإنفاق الأعلى أن تتحمل الضريبة الوردية وغلاء أسعار منتجاتها؟ يبدو أن غريزتها نحو البحث عن الجمال والشباب الدائم هو السر