شهد مؤشر أسعار العقارات في تونس ارتفاعاً قُدر بـ7 في المئة في الثلاثية الأولى من عام 2021 مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
وارتفعت أسعار الشقق بنسبة 6.1 في المئة في هذه الفترة، بينما زادت أسعار المنازل بنسبة 14.4 في المئة والأراضي المعدة للسكن بنسبة 6.2 في المئة.
ويعود هذا إلى تكلفة البناء المرتفعة نتيجة تراجع الدينار، وارتفاع أسعار المواد الأولية للبناء، والإجراءات الجبائية المجحفة،
إضافة إلى تواصل الاعتماد على فائدة مديرية مرتفعة ما أدى إلى العزوف عن شراء المنازل وتقهقر قطاع العقارات.
ارتفاع التكلفة
ويمر قطاع العقارات في تونس بأزمة خانقة نتيجة عوامل خارجة عن نطاق تجديد العقار باعتباره يقع في أعلى هرم البناء.
ومن أهم العوامل التي أدت إلى اختناقه تراجع سعر الدينار التونسي منذ عام 2011 مقابل العملات الأجنبية وبخاصة اليورو.
وكشف رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقاريين فهمي شعبان في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن التزود بأغلب المواد المكملة
في البناء يتم عن طريق الاستيراد، وهي المواد الخام أو النصف مصنعة أو المصنعة ما أدى إلى رفع الكلفة.
كما أدى رفع الدعم على الطاقة وارتفاع سعر المحروقات في تضخم الفواتير إضافة إلى رفع الدعم عن مادة الإسمنت، في
حين تضاعف سعر مستلزمات البناء الأخرى ثلاث مرات. حيث تم رفع سعر الحديد بنسبة 25 في المئة في الفترة الأخيرة.
يضاف ذلك إلى ارتفاع أجور اليد العاملة وأسعار الأراضي. وقد لوحظ تضاعف سعر الأراضي 20 مرة في بعض المناطق مثل
أحواز تونس العاصمة مثلاً، بينما ارتفعت كلفة النقل في أوروبا مما رفع كلفة التوريد.
غياب التخطيط للتهيئة العمرانية
وقد ترافقت هذه المستجدات مع غياب استراتيجية واضحة للتهيئة العمرانية، وفق شعبان. فقد غاب التخطيط لخلق نسيج
عمراني جديد ومتطور من طرف الدولة التونسية.
وكان ذلك في السابق موكلاً إلى "الوكالة العقارية للسكنى" التي كانت تمول الباعثين العقاريين بنحو 80 في المئة من جملة
مشاريعهم بتوفير الأراضي المخصصة للبناء بينما يتم الآن التعامل رأساً مع القطاع الخاص.
كما تمثل السياسة المالية الحالية أهم عامل في الأزمة التي يعاني منها العقاريون في تونس، حيث تبلغ نسبة الفائدة المديرية 6.15 في المئة حالياً.
وقد تم تخفيضها حديثاً بعد أن رفعت إلى 7.85 في المئة في فترة سابقة، ووصفها شعبان بالقاتلة. فهي تضاف إلى فائدة
البنك والتأمين لتصبح نسبة الفائدة باهظة وتصل إلى 12 في المئة.
وتجدر الإشارة إلى أن الباعث العقاري لا يتمتع بإجراءات أو تسهيلات خاصة به فهو يخضع إلى هذه الترتيبات مثله مثل المستهلك.
كما لا يخص الباعث العقاري بسياسة مالية خصوصاً لدى البنوك عند شراء الأراضي، فهو يوفر 20 في المئة من التمويل الذاتي للقرض ويتكفل القرض بـ80 في المئة من التمويل.
وهي نسبة مجحفة في ظل نسبة الفائدة الحالية إضافة إلى ارتفاع معاليم رخص البناء.
تضاعف سعر الشقة
وزاد من معاناة العقاريين التأخير الحاصل في التزود برخص البناء حيث يتم استنزاف أموال الشركات في خلاص القروض في ظل نسبة الفائدة المرتفعة أثناء انتظار التزود بالرخصة الذي يطول في بعض الأحيان إلى 8 أشهر أو سنة مما يؤدي إلى تأخر إنجاز المشاريع لتصل إلى 4 سنوات عوض عن 18 شهراً في عدة حالات.
كما اتسمت المعاملات الإدارية، أخيراً، بالبيروقراطية الخانقة بسبب تأخر جاهزية الوثائق لدى المستلزم العمومي.
وخص شعبان بالذكر الربط بالشبكة الكهربائية والمياه الصالحة للشراب والغاز الطبيعي والصرف الصحي.
وتؤدي هذه العوامل إلى الزيادة في كلفة الإنتاج وبالتالي الزيادة في أسعار المساكن.
وسجل تضاعف سعر الشقق من 200 ألف دينار(74 ألف دولار) إلى 400 ألف دينار (148.1 ألف دولار).
الضغط الجبائي المجحف
ويصف رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقاريين الإجراءات الجبائية المتخذة منذ ثلاث سنوات بالضربة القاصمة للقطاع.
فقد دفعت الباعث العقاري والمواطن التونسي الراغب في شراء منزل إلى المعاناة الكبرى، ويعجز الشباب حالياً على امتلاك مسكن بسببها.
فقد وظف قانون المالية لعام 2018 على الباعث العقاري أداء يبلغ 13 في المئة على القيمة المضافة وتطالب الغرفة بتخفيضه إلى 7 في المئة.
كما تم توظيف أداء على مربعات الخزف تبلغ 10 في المئة وهو معلوم الاستهلاك. ووظف أداء قدره 25 في المئة على الرخام التونسي والمستورد.
ووقع الرفع من المعاليم الديوانية لعدد من المواد المختلفة. ولا تقتصر الإجراءات الجبائية الجديدة على ذلك فقد تم رفع سعر
تسجيل الأراضي عند شرائها من قبل الباعث العقاري من 6 في المئة إلى 10 في المئة.
وتؤدي كل هذه المعاليم إلى ارتفاع تكلفة الانتاج وبالتالي أسعار الشقق والمساكن التي يتزود بها في أغلب الأحيان عامل محدود الدخل.
المطالبة بفائدة مديرية خاصة بالسكن
ويقول فهمي شعبان، إن الغرفة قدمت مقترحات لرئيس الحكومة للتغلب على هذه المصاعب، أهمها التسجيل بالمعلوم القار
لكل أصناف المساكن، والتخفيض في الفائدة المديرية إلى 3 في المئة بما فيها فائدة البنك، وهو إحداث فائدة مديرية خاصة بالسكن.
إضافة إلى التخفيض في التمويل الذاتي للحريف عند الاقتراض إلى 10 في المئة، والتمديد في مدة سداد الدين إلى 30 عاماً عوضاً عن 15.
2.07 مليار دولار ديون العقاريين
من جهته، ذكر غازي المهيري، رئيس غرفة الباعثين العقاريين بمنظمة كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية الدولية "كوناكت"، في حديثة مع "اندبندنت عربية" أن القطاع لم يحظ قط بدعم مباشر من قبل الدولة في إطار تطوير النسيج العمراني، لكن تم الاكتفاء بدعم المستهلك بتسهيلات تمكنه من امتلاك المسكن الأول.
وهو طالما تم اعتباره دعماً للقطاع العقاري بحكم أن توفير السوق للقطاع يمثل دعماً غير مباشر. وقد تم في السابق التدخل عن طريق بنك مختص في دعم السكن الاجتماعي وهو "بنك الإسكان"، لكن تم التخلي عن هذه السياسة وتحول البنك ذاته إلى بنك تجاري، ويوفر حالياً نسبة فائدة تبلغ 5 في المئة لقروض السكن. وتختلف نسبة الفائدة في البنوك الأخرى بدورها التي توفر مثل هذه القروض لتصل إلى 9 في المئة.
بينما يخضع الباعثون العقاريون أثناء الاقتراض إلى نسب فائدة مديرية وفوائد البنوك والتأمين لتصل إلى 12 في المئة. وزادت معاليم تسجيل العقارات من معاناتهم.
فهي تتراوح بين 1 في المئة للشقق التي يقل سعرها عن 150 ألف دينار (55.5 ألف دولار)، و3 في المئة للشقق التي يزيد سعرها على 200 ألف دينار (74 ألف دولار)، و6 في المئة للمساكن التي يزيد سعرها على 500 ألف دينار (185.1 ألف دولار).
ويرتفع معلوم تسجيل العقار الذي يزيد على مليون دينار (370.3 ألف دولار) إلى 10 في المئة.
وحرص المهيري على الإشارة إلى أن أزمة العقارات في تونس تنعكس على العديد من القطاعات الأخرى ومنها البنوك، حيث
تبلغ ديون الباعثين العقاريين 5.6 مليار دينار (2.07 مليار دولار).
تابعنا على تويتر
على الفيسبوك
تابعنا على الواتساب
تابعنا على التليجرام