روبوتات تداول لاقتناص الفرص في عالم العملات المشفرة/
يسميها متداولو العملات المُشفّرة مناورة “الشطيرة”، ولا أحد يريد أن يكون هو الديك الرومي المحاصر في المنتصف.
إليكم كيفية عملها:
تقوم أنت باكتشاف متداول آخر على الشبكة يحاول شراء رمز مميز مثل “إيثر” أو أي عملة مشفرة بديلة أخرى، ثم تضع طلبك أيضاً. إذا كنت قادراً على إتمام عملية الشراء قبل المتداول الآخر، ستحصل على صفقة جيدة لعملة تعرف أنت أن هناك طلباً عليها، وسيرفع شراؤك السعر الذي يتعين على المشتري الآخر دفعه. عند انتهائك من هذه “الشطيرة”، سيُمكنك البيع من تحقيق ربح سهل.
لطالما كان هذا النوع من التداول الاستباقي مشكلة يتعرض لها الأشخاص الذين يتداولون العملات المشفرة، ويحدث ذلك في البورصات اللامركزية التي تعمل على تقنية “إيثيريوم”، لأنها تُمكنهم من رؤية المعاملات لبعض الوقت قبل اكتمالها. تقوم الروبوتات المبرمجة بمسح الشبكة بحثاً عن مثل هذه الفرص، وقد انتشرت هذه الممارسة مؤخراً بفضل إصدار أداة التداول الآلية، “فلاش بوتس” (Flashbots)، المجانية والمفتوحة المصدر.
التفوق على المتداولين الآخرين
يقول أنتون بوكوف، المؤسس المشارك في “1 إنش” (1inch)، المتخصصة في جمع بيانات تداول العملات المشفرة: “قبل آلية (فلاش بوت)، كانت هناك فرصة كبيرة في ألا تتمكن من القيام بالتداول الاستباقي، ولكن منذ إصداره، تمكن الكثيرون من الوصول إليه، وبدأوا بالتداول الاستباقي للتفوّق على المتداولين الآخرين”. أدى هذا الأمر إلى فتح نقاش في مجتمع العملات المشفرة، والذي أصبح مألوفاً لدى أي متابع للجدل القائم حول المتداولين الذين ينفذون عمليات تداول كثيفة في الأسهم؛ فهل يقوم المتداولون المبرمجون بأخذ الأموال من جيوب الآخرين؟ أم هل يمكنهم مساعدة سوق العملات المشفرة على العمل بشكل أفضل بدلاً عن ذلك؟
يقول الأشخاص الذين يقفون وراء آلية الـ “فلاش بوت”، إنهم يحاولون حل مشكلة خطيرة. فعلى غرار “بتكوين”، تعمل “إيثيريوم” على تقنية “بلوكتشين”، وعلى سجل طلبات عام رقمي، تتم صيانته بواسطة أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت. يكسب المستخدمون، المعروفون باسم المُعدِّنين، العملات المشفرة من خلال معالجة المعاملات على هذا السجل، ولكن بدلاً من إتمام المعاملات بشكل فوري، يتم تجميعها ثم معالجتها بواسطة المعُدِّنين في أجزاء تسمى الكتل. لدى المعُدِّنين القدرة على تحديد معاملات الكتلة التي سيتم البدء بها، ومن هنا يمكنهم القيام بإجراء عمليات تداول استباقية بأنفسهم، أو حتى بيع الفرصة لشخص آخر، من خلال إعطاء الأولوية للأوامر التي تعد برسوم معاملات أعلى. ويقول نيك كارتر، المؤسس المشارك لدى “كوين ميتريكس” (Coin Metrics) المتخصصة في البحث: “لم نفعل سوى القليل من الحيل التي يمكن أن يقوم بها المُعدِّنون المخادعون”.
لا تقضي أداة “فلاش بوت” على المخادعين، ولكنها تحاول أن تجعلهم “ديمقراطيين وشفافين”، وتحاول “القيام بتوزيعهم أيضاً”، على حد تعبير فيل دايان، طالب درجة الدكتوراه في جامعة “كورنيل تيك”، وأحد مبتكري الأداة، والمؤلف المشارك للورقة البحثية المؤثرة التي لفتت الانتباه الواسع إلى مشكلة التشفير المتقدّم وحوافز المُعدِّنين التي تسمح بها. أشار البحث، وهو بعنوان، “فلاش بويز 2.0” (Flash Boys 2.0)، إلى أفضل الكتب مبيعاً، لمؤلفه مايكل لويس، حول متداولي الأسهم الذين يقومون بعمليات مكثفة، والذين يتبعون تكتيكات التداول الاستباقي التي يشكو منها الكثيرون.
آلية “فلاش بوت”
بشكل أساسي، تقوم آلية “فلاش بوت” بتشكيل سوق من خلال اقتحام دور المنتظرين. تتيح ميزة المزاد لأي فرد المزايدة على دور الفرد في قائمة الانتظار، ويحصل المعُدِّنون على رسوم من الفائز. يقول مبتكرو الآلية إن طرح هذا النشاط علناً وجعله أكثر تنظيماً، يمكن أن يقلل الضغط على شبكة “إيثيريوم” ويقضي على حوافز المعُدِّنين الذين يقومون بتجربة أساليب المراوغة. يُمكن أيضاً استخدام آلية “فلاش بوت” لمنع التداول الاستباقي، إذ يُمكن للمتداولين الذين يستخدمون شركة “1 إنش”، على سبيل المثال، استخدامها للدفع إلى المعُدِّن لكي يضمنوا إتمام معاملاتهم بالسعر المتوقع.
لكن دايان يقول إن المزادات الشفافة تميز الآلية عن “التلاعب الشرس والمبهم في التبادلات المالية التقليدية”. تدعم شركة، “باراديغم” (Paradigm) لرأس المال المغامر في عالم التشفير، مشروع آلية الـ”فلاش بوت”، وسبق لها أن استثمرت في شركة “يوني سواب” (Uniswap)، مبتكرة إحدى أشهر منصات تبادل العملات اللامركزية.
يقول تارون شيترا، الذي اعتاد العمل في مجال التداول بوتيرة عالية، قبل المشاركة في تأسيس منصة النمذجة المالية المشفرة، “غوونليت” (Gauntlet): “إن أسواق (فلاش بوت) غير مثالية، ولكنها قد تتحسن بمرور الوقت كما فعلت مزادات الإعلانات الإلكترونية. لكن إذا كان حالها النهائي هو ما نراه الآن، فسأقول إنها سلبية. مع ذلك، هي نقطة انطلاق جيدة نحو المستقبل”. سبق لفيتاليك بوتيرين، المؤسس المشارك لشركة “إيثيريوم”، أن تحدث عن دمج بعض ميزات “فلاش بوت” في نسخة محدثة من النظام، وطلب من فريق “فلاش بوت” إبداء ملاحظاته على الاقتراح، ويعتقد معظم المحللين بأن آلية “فلاش بوت” ذاتها، لن تختفي.
تهديد لعالم التمويل اللامركزي
يرى البعض في أي شكل من التداول الاستباقي تهديداً لعالم التمويل اللامركزي الصغير عمراً وسريع النمو.
يشير هذا إلى التطبيقات التي تسمح لمستخدمي العملات المشفرة بالقيام بكل شيء، بدءاً من تداول
الرموز، وصولاً إلى اقتراضها وإقراضها. تتضمن تطبيقات التمويل اللامركزي أنظمة معقدة لتشجيع
المستخدمين على المشاركة، ولجعل القروض المشفرة ممكنة، يحتاج التطبيق، على سبيل المثال،
إلى أن يكون المتداولون مستعدين لشراء الرموز المميزة التي يتم طرحها كضمان. لكن إذا قامت الروبوتات، التي تقوم بالتداول الاستباقي، باستغلال هذه المعاملات بشكل مستمر، فقد يختفي هؤلاء اللاعبون. يقول تال بيري، الشريك المؤسس لشركة “زين غو” (ZenGo)، مزود المحفظة المشفرة: “إنها تلغي جميع أنواع الحوافز، بل وتكسر النظام بأكمله”.
قارن أري جويلز، الأستاذ في جامعة “كورنيل تيك” والمؤلف المشارك لكتاب “فلاش بويز 2.0″، نهج مزاد
آلية “فلاش بوت” مع طريقة حل مشكلة عمليات السطو من خلال بيع الحق في القيام بذلك واستخدام
الإيرادات لتمويل الشرطة. كتب جويلز وأكاديميون آخرون في مقال رأي بموقع “كوين ديسك” الإخباري:
“قد يبدو هذا منطقياً في رواية خاطئة فقط ترى أنه لا يوجد بديل آخر”. لكن البديل حقيقة يتعلق بإنشاء
بروتوكولات “بلوكتشين” تستطيع ضمان ترتيب المعاملات بشكل عادل، ويعمل جويلز في منصب كبير العلماء بشركة تحاول إيجاد طرق للقيام بذلك.
يؤمن المطلعون على عالم التشفير أن حوالي 1000 روبوت يعملون في “إيثيريوم”، لكن 10 فقط من
هؤلاء المتداولين المحنّكين يحققون معظم الأرباح، على حد قول ناثان وورسلي، الذي يُعتقد بأنه أحد
هؤلاء المتداولين. حصل وورسلي على درجة علمية في الاقتصاد القياسي من جامعة “كوينزلاند”، ثم
عمل في صندوق صغير للتحوط في هونغ كونغ، ليؤسس بعد ذلك بورصتين للعملات المشفرة، قبل عمله
فيما يسمى بـ”الباحث” أو مُشغّل الروبوتات. إلى جانب التداول الاستباقي، يمكن للباحثين أيضاً جني
الأرباح من خلال إيجاد فرص مربحة بشكل أسرع من الآخرين. يقول وورسلي إنه لا يقوم بالتداول الاستباقي لأسباب أخلاقية.
صناعة مجهولة
قام وورسلي بتشغيل وابتكار نحو 50 روبوتاً، أغلبها مع أفراد تقاسم معهم الأرباح، ولديه حالياً تسعة
روبوتات عاملة، تقوم بإرسال معاملات في متوسط قدره 10 ثوانٍ. يقول وورسلي، وهو أحد الباحثين
الوحيد الذي استخدم اسمه الحقيقي: “إنها صناعة مجهولة لحد ما، ولدي علاقات وثيقة للغاية مع الأفراد الذين تمثلهم شخصيات كرتونية”.
يعمل الباحثون الناجحون، مثل المتداولين النشطين، بجدية على تقليل الوقت الذي تستغرقه طلباتهم
الإلكترونية، لكي يتمكنوا من التغلب على طلبات منافسيهم. يدفع وورسلي حوالي 20 ألف دولار أو أكثر
شهرياً، لاستخدام الخوادم لدى شركات الخدمات السحابية، ويبحث تحديداً عن المواقع القريبة من مُعدّنين أو مُرحلي “إيثيريوم”.
لقد أدى ظهور آلية “فلاش بوت” إلى تزايد المنافسة، ويقول وورسلي :”لقد ظهر الكثير من الناس”،
مشيراً إلى أن التداول أصبح أقل ربحية. يقوم وورسلي أيضاً بتعديل الروبوتات الخاصة به يومياً لتبحث عن
مزادات “فلاش بوت”، ويبدو الأمر “إلى حد ما مثل لعبة الشطرنج أو البوكر. إنه أمر لا يسهل القيام به بالتأكيد”.
تابعنا على تويتر