ارتدت أسعار النفط نحو الارتفاع بعد أن كانت قد شهدت انهيارا إلى ما دون 70 دولارا إثر تفشي متحور فيروس كورونا الجديد، "أوميكرون".
وعادت أسعار النفط لتسجل أكثر من 75 دولارا لنوع برنت الخام، وما يقرب من 72 دولارا لبرميل النفط من نوع غرب تكساس الوسيط.
وهناك عدد من التفسيرات لهذا الارتداد في الأسعار.
كانت أسعار النفط بداية قد هبطت بأكثر من عشرة دولارات للبرميل يوم الجمعة 26 نوفمبر الماضي، وسط مخاوف من أن تكون اللقاحات المتاحة أقل فاعلية في مقاومة المتحور الجديد، "أوميكرون"، ما أثار مخاوف من أن تلجأ الحكومات إلى إعادة فرض القيود وإغلاقات الأنشطة الاقتصادية للحد من انتشار الفيروس، وهو ما قد يضر بالنمو العالمي وبالتالي بالطلب على النفط.
ويشير الارتداد في الأسعار أولا إلى أن ردة الفعل تجاه تأثير متحور "أوميكرون" في الطلب العالمي على النفط اتسمت بالمبالغة المفرطة، وذلك قبل الاستطلاع الكافي لطبيعة المتحور وتأثيره من حيث الانتشار وشدة الأعراض.
وهكذا فإنه بعد بضعة أيام من دراسة الفيروس تم تغليب وجهة نظر متفائلة نسبيا ترى أن المتحور لن يؤدي إلى إغلاقات شاملة حول العالم للحد الذي يؤثر على طلب النفط.
وكانت الأسعار قد بدأت في الارتداد نحو الارتفاع يوم الاثنين 6 ديسمبر الجاري، مع تسجيل المملكة العربية السعودية شعورها بالتفاؤل إزاء مستقبل الطلب في السوق العالمية للنفط، وذلك برفع أسعار نفطها المباع في آسيا والولايات المتحدة، وهما أكبر سوقين لها.
وقد بثت السعودية بعض الثقة في الأسواق برفعها سعر نفطها، الذي يكثر الطلب عليه، وهو النفط العربي الخفيف، إلى أعلى سعر له خلال عامين.
ومما عمل على تهدئة السوق صدور تقارير يوم الاثنين نفسه تشير إلى أن "أوميكرون" أظهر أعراضا معتدلة، على الرغم من أن المتحور يمكن أن يكون أسرع انتشارا.
ورغم أنه لا يزال من المبكر نسبيا إصدار أي أحكام قاطعة بشأن المتحور، فإنه من غير المحتمل أن تكون هناك درجة مرتفعة من شدة الأعراض له، وهذا ما ذكره المستشار الطبي للبيت الأبيض، الدكتور أنتوني فوتشي، لمحطة "سي إن إن" يوم الاثنين الماضي، مع تحذيره من أنه لا يزال مبكرا للغاية إصدار أحكام قاطعة بشأن المتحور.
وذكر بعض المعلقين يوم الثلاثاء 7 ديسمبر أن المستثمرين بدؤوا في إعادة تقويم تقديراتهم للأثر الاقتصادي للمتحور "أوميكرون"، ووضعوا جانبا أسوأ مخاوفهم، التي أطلقتها الأنباء عن المتحور منذ عشرة أيام مضت، بل إن الأمور مضت في الاتجاه العكسي تماما، إذ نجد أن محلّلَيْن في بنك "جي بي مورجان" كتبا في مذكرة بحثية صدرت الأسبوع الماضي ونشرت مقتطفات منها وكالة بلومبرج للأنباء أن "متحور أوميكرون، الذي أفزع الأسواق خلال الأسبوعين الماضيين ربما قد يتحول إلى أن يكون بداية النهاية للجائحة، وتحوله إلى مرض مستوطن يمكن التعامل معه".
ولو تحول المتحور ليتبيّن أنه أقل فتكا، فهذا سوف يتطابق مع الأنماط التاريخية لتطور الفيروسات، وهذا سيكون سببا في انتعاش أسواق المخاطر لأنه يشير إلى أن نهاية الجائحة قريبة.
من جهة ثانية، كانت الأنباء الصادرة عن محادثات إيران النووية هي الأخرى مشجعة على ارتفاع أسعار النفط، حيث ذكرت مصادر ألمانية يوم الاثنين الماضي أن إيران ينبغي أن تعود إلى المفاوضات بمقترحات واقعية لا تخالف ما تم التوصل إليه من تسويات سابقة.
ومن الطبيعي أن يُلقي هذا بثقله في سوق النفط، إذ المعنى الواضح من هذا التصريح هو أن التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وبين إيران في محادثاتهما غير المباشرة حول البرنامج النووي ليس قريبا.
ومن هنا اطمأنت السوق نسبيا إلى أن ضخ المزيد من النفط الإيراني في السوق أمر غير منتظر.
ومن المتوقع أنه بمقدور إيران أن تضخ على الفور أكثر من مليون برميل إلى مستوى إنتاجها الراهن، الذي يبلغ نحو 2.5 مليون برميل يوميا، بينما كانت تنتج عند نحو 3.7 مليون برميل يوميا قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018 وفرضها عقوبات جديدة على إيران.
وربما كان من المفاجآت الكبرى، التي شهدتها الأسواق، قرار تحالف أوبك+ يوم 2 ديسمبر الماضي بزيادة إنتاجه خلال شهر يناير كما كان مقررا بـ400 ألف برميل يوميا، بينما كانت آراء كثير من المراقبين تميل إلى أن التحالف سوف يخفض هذه الكمية، أو حتى يوقفها بالكامل بعد الانهيار الذي شهدته الأسعار.
ولكن ثبتت حكمة القرار بعد العودة لتسجيل ارتفاع في الأسعار، خاصة أن بعض أقطاب التحالف كان قد أشار إلى أن انخفاض الأسعار هو نتيجة لخطوات متعجلة اتُّخذت فور الإعلان عن المتحور الجديد "أوميكرون".
وأتى القرار أيضا في ظل الإعلان عن أن الاجتماع الوزاري لتحالف أوبك+ في حالة انعقاد دائم حتى موعد الاجتماع التالي في 4 يناير المقبل للتدخل فورا إذا ما اعترى الأسواق أي تطورات مفاجئة.
ويبقى الرهان على مستقبل أسعار النفط خلال العام المقبل، خاصة خلال الربع الأول منه.. فهل يكون هناك فائض عرض كما تتوقع ذلك منظمة "أوبك" وغيرها من الجهات، خاصة مع بدء السحب من الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة وغيرها من البلدان، أم تميل السوق للتوازن؟، فرغم الانخفاض في أسعار النفط مؤخرا، وتوقع انخفاضها مع بداية العام الجديد إذا ما تحولت السوق بالفعل إلى أن تشهد فائضَ عرض كبيرا، لا تزال بعض الجهات مثل بنك "جي بي مورجان" ترى أن أسعار النفط سترتفع خلال العام المقبل، ربما لتسجل حسب تقدير البنك 125 دولارا للبرميل، وذلك على خلفية نقص الاستثمارات المتاحة للحفر، إلى جانب عدم وجود فائض كبير في الطاقة الإنتاجية لدى "أوبك+"، إضافة إلى أن العالم سيشهد دورة اقتصادية نشطة، وتحديدا إذا ما انتهت الجائحة.