ارتفعت أسعار النفط أمس مع تحسن الإقبال على المخاطرة، رغم القلق المسيطر على المستثمرين بشأن التفشي السريع لسلالة أوميكرون المتحورة من فيروس كورونا على مستوى العالم.
وكانت التقلبات مهيمنة على أسعار النفط الخام بعد نزيف واسع للخسائر لليوم الثالث على التوالي نتيجة الانتشار السريع لمتغير "أوميكرون" في أوروبا والولايات المتحدة، خاصة في بريطانيا ما دفع الأسعار إلى أدنى مستوى في ثلاثة أسابيع بعدما تفاقمت المخاوف على الطلب العالمي جراء الإغلاقات وعودة القيود ما ينذر بتراجع واسع في استهلاك الوقود.
في المقابل تستمر زيادة الإمدادات النفطية في الأسواق سواء من جانب مجموعة "أوبك +" أو خارجها ما يوسع الفجوة بين العرض والطلب. وتترقب الأوساط النفطية نتائج الاجتماع الشهري الوزاري للمجموعة مطلع العام المقبل لحسم مصير الزيادة الشهرية المقدرة بـ400 ألف برميل يوميا.
وقال لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون إن العقود الآجلة للنفط الخام ارتفعت نسبيا حيث ذهب المستثمرون للبحث عن الصفقات بعد خسائر سابقة بأكثر من 3 في المائة وسط مخاوف متزايدة بشأن الانتشار الواسع لمتغير "أوميكرون" من فيروس كورونا، مشيرين إلى أن أسعار النفط تحاول بالفعل تقليص بعض الخسائر.
وذكر المحللون أن تراجع الأسعار يدفع المشترين إلى الاستفادة من الانخفاض تحسبا لمعاودة الأسعار الاتجاه إلى الصعود، موضحين أن هذه المشتريات تمثل محاولة لعكس التحركات الهبوطية على المدى القريب.وأكدوا أن المعنويات السلبية الضعيفة تهيمن بشدة على سوق النفط الخام خاصة بعد فرض الولايات المتحدة قيودا اجتماعية واقتصادية واسعة ولجوء هولندا وألمانيا إلى الإغلاق العام المشدد وتأجيل المنتدى الاقتصادي العالمي اجتماعه السنوي في دافوس في سويسرا الشهر المقبل.
وقال سيفين شيميل مدير شركة "في جي أندستري" الألمانية إن الضغوط الحادة على الأسعار تتوالى وتعمق مخاوف المستثمرين خاصة مع استمرار الفيروس في الانتشار في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وهي الأزمة التي على الأرجح ستستمر على المدى القريب، مبينا أن استعادة أسعار النفط زخمها الصعودي قد تتأخر نسبيا.
وأشار إلى أن أبرز ما يحد من تراجع الأسعار هو توقعات بحدوث تقلص آخر في العرض بسبب نقص إعادة الاستثمار في الآبار الجديدة، ولكن تبقى أسعار النفط تميل إلى التراجع بسبب المخاوف المحيطة بتوقعات الطلب على الخام بسبب تصاعد وتيرة أزمة متغير "أوميكرون"، موضحا أنه لا تزال أساسيات الطلب متوسط الأجل في سوق النفط تشير إلى أن الأسعار يمكن أن تستعيد اتجاهها الصعودي مرة أخرى.
من جانبه، ذكر روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات أن التقلبات الحالية مؤقتة ومرتبطة ببلوغ ذروة أزمة انتشار متغير "أوميكرون" ولكن أساسيات السوق بشكل عام جيدة ولا تزال هناك مراهنة على عودة أسعار النفط المرتفعة على المدى الطويل.
وأوضح أن تعطل أكثر من 300 ألف برميل يوميا من الإمدادات النفطية في ليبيا بسبب اعتداءات وغياب الاستقرار في البلاد يحد من المخاوف من اتساع الفجوة بين العرض والطلب ويقدم دعما نسبيا للأسعار في ظل الوضع المتوتر الحالي في سوق النفط الخام.
من ناحيته، أكد ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز أن أسعار النفط الخام تلقت ضربة قوية من الانتشار السريع للمتحور الفيروسي ومن الاضطراب الذي أصاب الخطط الاقتصادية للرئيس الأمريكي جو بايدن كما هيمنت المعنويات السلبية على جميع الأسواق المالية وذلك مع تجدد فرض قيود على السفر كما تضررت المعنويات الاقتصادية الأمريكية.
وذكر أن الاقتصاد العالمي قد يكون في مرحلة تخبط نسبي في ظل انتشار حالة عدم اليقين بشأن فاعلية الإجراءات المتخذة لمكافحة متغير "أوميكرون" وهو ما يعني المزيد من الخوف والتقلب في أسواق النفط، موضحا أن بعض الحكومات كانت تحاول تجنب الإغلاق ولكنها اضطرت إلى الاستسلام في ظل تفاقم الأزمة بوتيرة سريعة.
بدورها، قالت جولميرا رازيفا كبير محللي المركز الدولي لاستراتيجيات الطاقة في أذربيجان إن تقلب أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة جاء وسط إشارات متضاربة حول التأثير المحتمل لأوميكرون في الطلب، مبينة أن الاتجاهات المعاكسة الهبوطية في تصاعد مستمر، خاصة مع تراجع الاستهلاك في آسيا وتوجه البنوك المركزية نحو سياسة نقدية أكثر تشددا لكبح جماح التضخم المتسارع.
ولفتت إلى أن موسم العطلات في نهاية العام سيجعل السوق هادئة وقد تؤدي أحجام التداول الأقل حجما إلى تفاقم تقلبات الأسعار، خاصة مع قيام مجموعة "جولدمان ساكس" الدولية بخفض توقعاتها للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في ضوء انفجار الاصابات في عدد كبير من الولايات الأمريكية، خاصة نيويورك بثقلها الاقتصادي المعروف.
وفيما يخص الأسعار، ارتفع النفط أمس بعد انخفاض حاد شهدته في الجلسة السابقة مع تحسن الإقبال على المخاطرة، وإن كان القلق لا يزال يساور المستثمرين بشأن التفشي السريع لسلالة أوميكرون المتحورة من فيروس كورونا على مستوى العالم.
وبحسب "رويترز"، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.51 دولار أو 2.1 في المائة إلى 73.03 دولار للبرميل خلال التعاملات أمس، بينما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.72 دولار أو 2.5 في المائة إلى 70.33 دولار للبرميل.
وقال إدوارد مويا كبير المحللين لدى أواندا "بعد يومين صعبين، تتعافى أسعار النفط الخام بعد احتواء قدر كبير من القلق بشأن كوفيد".
ويدرس عديد من البلدان في أنحاء أوروبا فرض قيود جديدة على الحركة بعد اجتياح السلالة أوميكرون المتحورة من فيروس كورونا العالم قبل أيام من يوم الميلاد، ما أدى إلى فوضى في خطط السفر وإثارة القلق في الأسواق المالية.
وتتضاعف أعداد المصابين بأوميكرون على نحو سريع في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وآسيا. وفي اليابان تسبب تفشي أوميكرون في قاعدة عسكرية في إصابة نحو 180 شخصا على الأقل.
وقال تاماس فارجا، المحلل في مجال النفط بشركة "بي.في.إم أويل أسوشيتس" للسمسرة في لندن "إنها سوق عملية تريد أن تصعد لكنها تعرف أن عمليات الإغاثة مثل تلك التي حدثت هذا الصباح لن تستمر".
وأضاف "من المرجح أن يكون التحسن محدودا وفرض مزيد من القيود سيقابله عمليات بيع جديدة". وعلى صعيد المعروض من النفط، قال مصدران من مجموعة "أوبك +" إن التزام المجموعة بتخفيضات إنتاج النفط ارتفع إلى 117 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) من 116 في المائة في الشهر السابق، ما يشير إلى أن مستويات إنتاج المجموعة لا تزال دون الأهداف المتفق عليها.
وأظهر استطلاع أولي لـ"رويترز" توقعات بانخفاض مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة للأسبوع الرابع على التوالي، في حين ارتفعت على الأرجح مخزونات نواتج التقطير والبنزين الأسبوع الماضي.