اجتمعت على الأوروبيين قسوة الشتاء، حيث انتشار فيروس كورونا والعودة للإغلاق، مع ارتفاع أسعار الطاقة الذي أنهك جيوبهم، ودفع بعدد من شركات الطاقة للإفلاس.
وتواجه القارة العجوز ارتفاعا قياسيا وغير مسبوق لأسعار الغاز، الذي يعتبر المصدر الرئيسي للتدفئة في المنازل الأوروبية، ولا يمكن الاستغناء عنه مع الدخول في فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر.
وباتت العديد من شركات توزيع الطاقة على أبواب إعلان إفلاسها، بسبب عدم تحملها للارتفاع الصاروخي لأسعار الغاز في العالم، والذي انعكس بدوره على فاتورة الطاقة في أوروبا.
ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بأكثر من 600% منذ يناير/كانون الثاني الماضي، وما زالت تواصل ارتفاعها القياسي إلى حدود اللحظة، واقترب سعر الغاز من 200 دولار للميغاوات في الساعة، مقارنة مع 20 دولار خلال يناير/كانون الثاني الماضي.
تدفع أوروبا ثمن اعتمادها شبه الكامل على حاجياتها من الغاز من الخارج وخصوصا من روسيا، وتأتي إمدادات الغاز لأوروبا من روسيا والنرويج والجزائر بنسبة 80%، وتبقى النسبة الأكبر لروسيا عبر 3 خطوط أنابيب لمد الغاز.
وبالنسبة لدولة مثل ألمانيا فإنها تحصل على 90% من حاجتها من الغاز من الخارج وخصوصا من روسيا، أما بريطانيا فتستورد الثلثين من الخارج لتغطية احتياجها.
بلغ مستوى تخزين الغاز في أوروبا أدنى مستوى له منذ 10 سنوات، ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تراجع التخزين الأوروبي للغاز بمقدار 14.1 مليار متر مكعب، مقارنة بمعدل انخفاض يبلغ 11.1 مليار متر مكعب في فصل الشتاء، حيث يرتفع الطلب على الغاز للتدفئة، وأعلنت دول مثل فرنسا وإسبانيا والبرتغال أنها تواجه نقصا حقيقيا وغير مسبوق في الغاز.
أما بريطانيا فقد أغلقت محطتها لتخزين الغاز، وعمليا فإن مخزونها من الغاز شبه منعدم.
تعتبر بريطانيا من أكثر الدول التي شهدت ارتفاعا صاروخيا في أسعار الغاز، ذلك أن ثلث المنازل تعتمد على الغاز في توفير الطاقة.
وارتفعت أسعار الغاز في بريطانيا بنسبة 250% منذ بداية العام الحالي، ومن أغسطس/آب إلى سبتمبر/أيلول الماضيين ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 75%، ما أدى لإعلان إفلاس 26 شركة توزيع الطاقة في المملكة المتحدة، بينما هناك شركة توفر الطاقة لأكثر من 1.7 مليون مواطن تحت التسيير الإداري للدولة بعد إعلان إفلاسها.
وتذهب بعض التوقعات إلى إمكانية إعلان إفلاس أكثر من 60 شركة لتوزيع الغاز بحلول العام المقبل، في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
في بريطانيا هناك نظام يمنع على موزعي الغاز تجاوز سقف معين في تحديد أسعار الطاقة المقدمة للمواطنين، ومع ذلك فقد زادت الفاتورة السنوية للطاقة في بريطانيا بحوالي 180 دولارا، لينتقل السعر الحد الأقصى لفواتير الطاقة من 1200 دولار سنويا إلى 1400 دولار.
توجه أصابع الاتهام الأوروبية إلى روسيا، في كونها تتعمد تقليص إمدادات الغاز الموجه نحو أوروبا، رغم التطمينات التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحفاظ على المستوى الطبيعي لإمدادات الغاز.
وعلى سبيل المثال فإن خط الغاز "يامال" المملوك لشركة "غاز بروم" والذي يعبر عبر بولندا نحو أوروبا، قد تراجع مستوى الإمداد فيه بنسبة 11% في ظرف يومين فقط.
ويعتبر هذا الخط هو أصغر الخطوط الثلاثة التي تنقل الغاز الروسي نحو أوروبا، وهو المسؤول عن 10% من الإمدادات الروسية نحو أوروبا.
تقول روسيا إن تراجع ضخ الغاز يرجع لسببين الأول هو زيادة الطلب الداخلي لديها، وأيضا زيادة الطلب الآسيوي على الغاز، وفي المقابل تقول أوروبا إن هدف روسيا هو الضغط عليهم من أجل الموافقة على خط "نورد ستريم 2" المثير للجدل والذي يمر عبر بحر البلطيق، والذي تهدد أوروبا بإيقافه في حال قيام روسيا بأي تحرك عسكري تجاه أوكرانيا.
أصدرت الحكومة الصينية قرارا صارما لكل شركات الطاقة بأن تقوم بتخزين الغاز بكل الطرق الممكنة، بسبب الارتفاع المتزايد على الغاز في البلاد.
ووفق مؤسسة "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) فإن الطلب الداخلي للصين على الطاقة ارتفع بنسبة 15% خلال هذه السنة، مقابل ارتفاع إمدادات الفحم بنسبة 5% فقط، ما يعني أن هناك حاجة متزايدة للغاز لسد هذا النقص، رغم أن الفحم ما زال هو المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة في البلاد.
وباتت الشركات الأوروبية تواجه صعوبة كبيرة في الحصول على شحنات الغاز، بالنظر للمنافسة القوية من الصينيين، الذين يظهرون استعدادا للدفع أكثر للحصول على الغاز.
وفق صحيفة "فايننشال تايمز" (fnancial times) البريطانية فإن المملكة المتحدة بدأت مفاوضات مع دولة قطر، من أجل توقيع عقد طويل الأمد، تجعل من دولة قطر "الملاذ الأخير" وفق توصيف الصحيفة، عندما تكون إمدادات الغاز شحيحة في العالم كما يحدث حاليا.