يقف التاجر بلال الجاني في محله في أحد أسواق تونس شاكيا من تدهور الوضع الاقتصادي، "رواتب غالبية زبائننا لا تكفيهم لأكثر من أسبوع"، معبّرا عن خشيته من تطوّر هذا الوضع إلى الأسوأ.
وشرعت تونس منذ الاثنين في نقاشات أولية مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على قرض مالي لدعم موازنتها التي لم تتمكن من تجاوز العجز فيها منذ العام 2011.
ويطالب الصندوق السلطات التونسية ببرنامج إصلاحات اقتصادية وعلى رأسها خفض كتلة الأجور ومراجعة سياسة الدعم لسلع أساسية ومنحه للأكثر فقرا، لكن من شأن هذه الإصلاحات أن تثقل كاهل المواطنين من الطبقة المتوسطة والفقيرة.
ويتابع التاجر "في السابق كان الزبائن يشترون السلع بكميات كبيرة، أمّا اليوم فيقتصرون على كل ما هو ضروري فقط".
ومرت تونس منذ ثورة 2011 بأزمات سياسية متواصلة بلغت ذروتها مع جمع الرئيس قيس سعيّد مؤخرا السلطات التنفيذية بين يديه، ما زاد في تأزم الوضع الاقتصادي الذي يشهد انكماشا.
تعمل دليلة الدريدي موظفة في وزارة التعليم وتتلقى راتبا شهريا في حدود الألف دينار (قرابة 345 دولارا) "عادة يتبقى لي ما بين 60 و100 دينار كل شهر، واليوم يجب أن اقترض لسداد مصاريف الشهر".
وتتجوّل دليلة بين أروقة البضائع المتراصة في سوق الحلفاوين بالعاصمة وتحاول أن تشتري ما تسمح لها به بضعة دنانير في محفظة النقود.
انطلقت الثورة التونسية في نهاية العام 2010 ضد نظام زيد العابدين بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال 23 عاما. وكانت المطالب الشعبية تتلخص في شعار "شغل وحرية وكرامة وطنية" بعد أن أضرم البائع المتجول محمد البوعزيزي النار في جسده احتجاجا على تعامل الشرطة معه في محافظة سيدي بوزيد المهمشة في وسط البلاد.
وسقط زين العابدين بن علي. ودخلت البلاد منعطفا سياسيا جديدا كانت له تداعيات على المنطقة بأكملها، لكن تبين أن التخلص من عبء الفساد الاقتصادي أمر صعب، بل بالعكس وظفت الطبقة السياسية التي تولت الحكم منذ ذلك التاريخ جهودها وتركيزها للتناحر على السلطة.
وسعت الحكومات المتعاقبة "لضمان السلم الاجتماعي" عبر توظيف أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل في القطاع الحكومي وتضاعف حجم الموظفين تبعا لذلك ثلاث مرات خلال عشر سنوات ليصل إلى 650 ألفا، وهو "من أعلى المستويات في العالم"، وتشغّل الشركات الحكومية 150 ألفا آخرين، حسب صندوق النقد الدولي.
ولم تتم تنمية المناطق الداخلية المهمّشة ما زاد في غياب التوازن التنموي بين المناطق، وفق ما يقول المسؤول في "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
وفاقمت تداعيات وباء كوفيد-19 في العام 2020 الأزمة وسجل الاقتصاد انكماشا بنسبة 9%، واختلت الموازنة العامة للبلاد.
ونبه تقرير نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" في يناير/كانون الثاني الفائت إلى أن تونس "بالكاد تتمكن من دفع رواتب الموظفين وسداد ديونها الخارجية".
خلال السنوات الماضية، قدم الاتحاد الأوروبي ودول أخرى مساعدات إلى تونس. ويقول المحلل الاقتصادي عز الدين سعيدان إن هذه الجهات "أدركت أنه يجب التدخل عبر ضخ السيولة بشكل مكثف لحماية النسيج الاقتصادي والشركات والتشغيل".
وأفلست أو غادرت البلاد أكثر من 80 ألف شركة خاصة في تونس بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
وبالرغم من تدخل البنك المركزي للمحافظة على استقرار نسبة التضخم، إلا أنها تظل في ارتفاع في مستوى 6%.
ودفع غلاء المعيشة وفقدان مواطن الشغل إلى مزيد من الفقر بين الطبقة الوسطى، ويسعى الآلاف من الشباب التونسيين للهجرة نحو دول أوروبية. ويمثّل هذا الوضع تحديا كبيرا للرئيس قيس سعيّد الذي يحكم البلاد بأوامر رئاسية وبحكومة بإشرافه.
وينتقد بن عمر "غياب برنامج اجتماعي" لسعيّد الذي أعلن حملة "لتطهير البلاد" من الفساد.
ويقول "لا يلتقي بخبراء في الاقتصاد. يجتمع بخبراء في القانون، بينما مشكلتنا ليست قانونية. هناك أزمة اقتصادية واجتماعية".
ويخلص سعيدان إلى أن الأزمة الحالية يمكن أن تتسبب في غياب الاستقرار الاجتماعي. "وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة. تنتظر البلاد فقط شرارة كما كان الأمر في العام 2010".