أطلق عدد من الخبراء تحذيرات من حدوث طفرة قياسية في أسعار الطاقة والبنزين وتكاليف المعيشة، داعين البريطانيين إلى الاستعداد لتلك الطفرة، لا سيما بعد أن حشد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قوات مسلحة في شرق أوكرانيا، الأمر الذي دفع الغرب إلى فرض عقوبات على روسيا.
وأشار الخبراء إلى أن اعتماد أوروبا على روسيا في النفط والغاز والسلع الأساسية كالقمح والألمنيوم يعني أن شبح الحرب المطوّلة والعقوبات القاسية قد يدفع الأسعار في القطاعات كافة إلى مستويات ارتفاع غير مسبوقة، في وقت تعاني البلدان جراء مرحلة ما بعد الجائحة.
وقبل أيام، حذرت شركة "راك" سائقي السيارات من أن الأزمة ستدفع أسعار البنزين إلى تجاوز "مستوى مرعب" يبلغ 1.50 جنيه استرليني لليتر الواحد، في وقت بلغت تكلفة الوقود بالفعل مستوى قياسياً.
وجاءت التعليقات بعدما أغلقت أسعار النفط على 100 دولار أميركي للبرميل، وهو الأعلى لها منذ سبعة أعوام، بينما زادت أسعار الطاقة والفحم أيضاً جراء المخاوف بشأن الإمدادات التي يمكن الاعتماد عليها.
في غضون ذلك، شهد العالم زيادة قياسية في أسعار الغاز على مدى الأشهر الستة الماضية، ما دفع "مكتب أسواق الغاز والكهرباء"، بصفته الهيئة التنظيمية للصناعة في المملكة المتحدة، إلى إصدار حدٍّ أعلى لأسعار الطاقة عند 54 في المئة، ابتداءً من أبريل (نيسان) 2022.
ومن المرجح أن تؤدي المواجهة المثيرة التي تشارك فيها روسيا التي تزوّد العالم بعُشر النفط وتمدّ أوروبا بـ40 في المئة من واردات الغاز الطبيعي، إلى ارتفاع ذلك الحد الأقصى في المستقبل القريب.
وتناول ذلك الأمر أندرياس كريغ، المتخصص في الأمن بـ"كلية كينغ لندن"، أثناء وجوده في قطر لحضور قمة عالمية عن الغاز افتُتحت الاثنين الماضي، جرت خلالها مناقشة مسألة أوكرانيا بعمق. وبحسب كلماته، "بغض النظر عما سيحدث، فإن الاتجاه يسير نحو ارتفاع متواصل. وتزداد أسعار كل شيء، وسيكون لذلك أثر مدمر في الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط".
وحذّر من "عاصفة كاملة" [تضافر ظروف سيئة ينجم عنها ظرف كارثي] ستهب بسبب الأزمة في أوكرانيا والبلدان التي تعاني جراء الركود الاقتصادي بعد الجائحة. [تعبير "عاصفة كاملة" مستوحى من فيلم هوليوودي شهير، في إشارة إلى عاصفة عاتية لا نجاة منها].
وأشار كريغ إلى أنه "بمعزل عن الغاز والتدفئة والبنزين، سيؤثر النفط في كامل سلسلة التوريد. سترتفع أسعار جميع السلع من دون استثناء، بما قد يتراوح بين 20 إلى 30 في المئة عن مستوياتها السابقة. لدينا تضخم هائل في الأسعار بالفعل، لكن هذه الأزمة من شأنها أن تفاقم من التضخم".
وفي حديث إلى صحيفة "اندبندنت"، أشار أندرو ليبو، رئيس شركة "ليبو أويل أسوسييشن" Libow Oil Association، إلى أنه نظراً لأن روسيا وأوكرانيا من الدول التي تقدم إمدادات عالمية رئيسة من السلع الأساسية المتضمنة القمح والألمنيوم وغيرهما، فإن الحرب والعقوبات سوف تؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار في المستقبل المنظور.
وأوضح أنه "بالنسبة إلى المستهلك، فإنه سيتأثر بارتفاع أسعار الطاقة، إضافة إلى تزايد أسعار السلع كافة كذلك. وستتواصل الزيادة إلى أن تهدأ التوترات، وتصبح السوق مقتنعة بأن لن يكون هناك انقطاع في الإمدادات".
وأضاف روس مولد، مدير الاستثمار في شركة "أي جيه بِل" AJ Bell، أن ذلك يحدث لأن البلدان راكمت مبالغ قياسية من الديون خلال جائحة كورونا، وعانت فعلياً جراء معدلات التضخم المرتفعة.
وأوضح، "لقد وصل التضخم إلى معدلات لم تشهدها المملكة المتحدة على مدار الأعوام الـ30 الماضية. ووُضعت توقعات ’بنك إنجلترا‘ قبل أن تصل أسعار النفط إلى مستوياتها الحالية".
وأضاف، "شكّل الارتفاع في أسعار النفط توجهاً مقلقاً. وفي الفترة من 2006 إلى 2007، أضرّ سعر النفط باقتصاد العالم وأسهم في عدم استقراره، وهذا أمر نحتاج جميعاً إلى أن ندركه الآن".
في سياق متصل، لقد حاول الغرب مضطراً إلى تخمين نوايا بوتين الحقيقية الذي وضع جيشاً يصل قوامه إلى 190 ألف جندي على حدود أوكرانيا، واعترف بالمناطق الانفصالية في البلدان، وسمح بدخول قوات "حفظ السلام" إلى أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن تصرفاته لم ترقَ في البداية، إلى مستوى الغزو الواسع النطاق الذي تنبّأ به كثيرون، فقد كان هناك ما يكفي من القلق إزاء قرعه لطبول الحرب خلال خطاب بوتين التلفزيوني المطول يوم الاثنين قبل الفائت، بحيث وصف القيادة الأوكرانية بأنها غير شرعية والدولة الأوكرانية بأنها كيان مصطنع، جرى انتزاعه من موسكو بالخطأ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
امرأة وصبي يمران قرب مبنى قديم مدمر في بلدة "كراسنوغوريفكا" الصغيرة في دونيتسك (أ ف ب)
وتالياً، اهتزت الأسواق الدولية بسبب احتمالات تعطل إمدادات الطاقة والمخاوف من الحرب التي ستدفع سعر خام برنت، وهو المعيار القياسي للنفط العالمي، إلى الارتفاع حتى 98 دولاراً للبرميل، وذلك أعلى مستوى له منذ 2014.
واستناداً إلى ذلك، لاحظ سيمون ويليامز، الناطق باسم قطاع النفط في شركة "راك"، يوم الثلاثاء قبل الماضي، أن ذلك من شأنه أن يُترجم ارتفاعاً قياسياً في أسعار الوقود.
وكذلك لفت ويليامز إلى أن "قرار روسيا بغزو أوكرانيا يتسبب بالفعل في ارتفاع أسعار النفط، ولا شك في أنه سيتسبب حتماً بارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات مخيفة تصل إلى 1.50 جنيه استرليني لليتر. ومن المرجح أن يتجاوز سعر النفط 100 دولار، ويكون مصدر قلق وأرق للتجار الذين يخشون حدوث اضطرابات في الإمدادات مستقبلاً".
وكذلك علّقت على تلك المعطيات كارين إي يونغ، مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في "معهد الشرق الأوسط"، مشيرة إلى أن الصراع وعدم الاستثمار في هذا القطاع واحتمال تعطل الإمدادات الروسية، يمكن أن يتسبب في ارتفاع أسعار النفط فتصل إلى 150 دولاراً للبرميل الواحد، الأمر الذي سيكون له أثر "مدمر على الاقتصاد العالمي". وأوضحت أن ذلك "من شأنه أن يضرّ بأعضاء حلف شمال الأطلسي بقدر ما يضر بروسيا".
وفي إطار عام، تسببت حالة عدم الاستقرار في البلدين إلى فرض إجراءات عقابية على روسيا، إذ عاقبت بريطانيا خمسة بنوك روسية وثلاثة مليارديرات قبيل عقوبات كانت متوقعة من الرئيس الأميركي بايدن والاتحاد الأوروبي.
وفي غضون ذلك، أوقفت ألمانيا، التي تُعدّ أكبر مستهلك للغاز الطبيعي الروسي، اعتماد مشروع خط أنابيب "نورد ستريم- 2" من روسيا، الذي شكّل خطة مثيرة للجدال، لكن كثيرين عقدوا آمالاً عليها في تعزيز إمدادات الغاز إلى أوروبا، بالتالي خفض الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين. في المقابل، أشار نُقّاد إلى أن ذلك جعل أوروبا تعتمد أكثر على روسيا.
وظهر تأثير ذلك واضحاً صباح الثلاثاء قبل الفائت، حينما ارتفع سعر الغاز الطبيعي الأوروبي بـ13 في المئة، وقفز مُعادله البريطاني 8 في المئة، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".
وأشارت السعودية إلى أنها غير راغبة بضخّ مزيد من كميات النفط ولن تمارس أي ضغوط من أجل إدخال تغييرات على الاتفاق مع روسيا وغيرها من المنتجين، لا سيما أن الاتفاق حافظ على مستويات إنتاج النفط.
وفي مؤتمر القمة الذي عُقد في الدوحة، ذكر أمير قطر أن الدول الرئيسة المصدرة للغاز تعمل على ضمان توفير إمدادات "يعول عليها وجديرة بالثقة"، لكنها لم تقدم أي تعهدات بزيادة الصادرات.
وكذلك ذكر بوتين في تصريحات خطية أرسلها إلى اجتماع قمة الغاز أن روسيا ستحافظ على تدفق إمدادات الغاز العالمية.
وأضاف، "يتمثّل هدف روسيا في مواصلة الإمدادات من دون انقطاع، بما في ذلك الغاز الطبيعي المُسال وتوفيرها في الأسواق العالمية، وتحسين البنى التحتية المتعلقة بها، وزيادة الاستثمارات في قطاع الغاز".
*نشر هذا المقال في اندبندنت في 22 فبراير أي قبل يومين من اجتياح روسيا أوكرانيا