تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في حالة من عدم اليقين، ما تسبب في موجة هروب كبيرة من أسواق الأصول الخطرة إلى قائمة الملاذات الآمنة، وهو ما انعكس إيجاباً على قوة الدولار الأميركي، والذهب الذي يواصل تسجيل ارتفاعات قياسية مع استمرار إقبال المستثمرين وأصحاب الفوائض المالية عليه كأحد أهم الملاذات الآمنة.
ويُعدّ الدولار الأميركي بمثابة العمود الفقري للاقتصاد العالمي، ويعتبر العملة الأكثر أماناً للاحتفاظ بها. لذلك في أوقات عدم اليقين، يفضل المستثمرون وأصحاب الفوائض المالية الاتجاه إلى الورقة الأميركية الخضراء كإحدى أدوات الأصول والملاذات الآمنة.
في الوقت الحالي، ارتفع الدولار إلى أعلى مستوى له منذ ربيع 2020 خلال تداولات الأسبوع الماضي، وذلك بسبب تنامي المخاوف بشأن كيفية ارتداد الحرب الروسية في أوكرانيا من خلال الاقتصاد العالمي والأسواق المالية. ويتمثل أحد أهم أسباب ارتفاعه بشكل حاد، في قرار للمستثمرين بأنهم لا يريدون الاحتفاظ باليورو بعد الآن نظراً لقرب أوروبا من الصراع. ولذلك، تخلصوا من العملة الموحدة للكتلة واشتروا الدولارات بدلاً من ذلك.
يقول فرانشيسكو بيسول، المحلل الاستراتيجي في بنك "آي أن جي"، إن "الأسواق الأوروبية ببساطة ليست جذابة في هذه اللحظة ببساطة بسبب تعرضها الجغرافي لأوكرانيا وروسيا". في المقابل، كانت أداء الأسهم الأميركية أفضل بكثير من الأسهم الأوروبية منذ الغزو الروسي لأن الاقتصاد الأميركي معزول أكثر عن الحرب وعواقبها.
وأنهى مؤشر الدولار الأسبوع مرتفعاً بنسبة 2.1 في المئة، وهي واحدة من أكبر قفزاته في السنوات الخمس الماضية، بفضل الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الانتقامية من قبل الدول الغربية. وعندما تتراجع أسواق الأسهم العالمية، يميل المستثمرون إلى اللجوء إلى الأصول الآمنة مثل الذهب أو الدولار، والتي اكتسبت بالفعل قوة في الأشهر الأخيرة وسط توقعات باتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة.
دفعة قوية للدولار من الاحتياطي الفيدرالي
في الوقت نفسه، سجلت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ارتفاعات قياسية الأسبوع الماضي بسبب مخاوف بشأن ما سيحدث لصادرات الطاقة من روسيا، فيما تتعرض الولايات المتحدة، وهي نفسها منتج رئيس للطاقة، لانتقادات بسبب ارتفاع التكاليف، ولكن بدرجة أقل. ويبدو الاقتصاد الأميركي أيضاً بصحة جيدة على الرغم من ارتفاع التضخم، حيث تمت إضافة 678 ألف وظيفة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، بحسب ما أظهرت بيانات حديث لوزارة العمل الأميركية.
إضافة إلى ذلك، حصل الدولار على دفعة قوية بعد أن قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إن البنك المركزي يهدف إلى البدء في رفع أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا الشهر، على الرغم من أن الوضع في أوكرانيا قد خيّم على التوقعات. ومن المفترض أن تساعد أسعار الفائدة المرتفعة في جذب رؤوس الأموال من الخارج، بخاصة إذا اضطر صناع السياسة في أوروبا إلى تأخير زياداتهم لفترة أطول.
هناك شيء آخر، في أوقات الأزمات، لا يوجد مستثمرون في العملة، ويفضل صانعو السياسة الصمود. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الدولار الأميركي شكل نحو 60 في المئة من الاحتياطيات العالمية في عام 2021. يرى بنك "آي أن جي"، أن "الأسواق والبنوك المركزية تريد الاحتفاظ بالدولار لأنه عملة شديدة السيولة. إنه قابل للتداول بدرجة كبيرة. إنه مدعوم باقتصاد قوي ومتين للغاية".
المستثمرون والأسواق
ويمكن أن يضر الدولار القوي بأرباح الشركات التي تكسب المال في الخارج، لكن القلق الأكبر هو كيف سيؤثر صعود الدولار على الاقتصادات الناشئة، والتي غالباً ما يتعين عليها خدمة ديونها بالدولار. وكان هناك بالفعل بعض القلق بشأن ما إذا كان الانهيار الاقتصادي الروسي سيؤدي أيضاً إلى تخلي المستثمرين عن الأسواق الأكثر خطورة، مثل البرازيل أو تركيا أو المكسيك، ويمكن أن يزيد ارتفاع الدولار الضغط.
وكان هناك بعض الأحاديث حول ما إذا كانت الحرب الروسية في أوكرانيا يمكن أن تهز هيمنة الدولار، مما يعزز عزم موسكو - إلى جانب عزيمة بكين - على تطوير آليات تمويل بديلة من شأنها أن تجعل العقوبات الغربية أقل فاعلية بمرور الوقت. ومع ذلك، فقد تم استدعاء نهاية الدولار الملك عدة مرات من قبل. وقال "بيسول": "ليس هناك ما يشير حقاً إلى أن هيمنة الدولار آخذة في الانكماش... هذه قصة يمكن أن تستمر فقط على المدى الطويل".
الذهب أعلى 2000 دولار
في سوق المعادن، قفز سعر الذهب أعلى مستوى 2000 دولار للأوقية للمرة الأولى منذ أكثر من 18 شهراً، كما قفز البلاديوم إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في بداية تداولات الأسبوع مع توجه المستثمرين نحو الملاذات الآمنة وسط تصاعد الحرب في أوكرانيا. وذكر بنك "سيتي غروب" في تحديثه الفصلي، أن التوقعات قد تغيرت بفعل الأنشطة العسكرية الجارية في أوكرانيا. وأضاف أنه بغض النظر عن النتيجة فإن العالم سيكون قد تغير عندما يصل الصراع الحالي إلى نقطة استقرار.
وارتفعت العقود الآجلة للمعدن النفيس تسليم أبريل (نيسان) المقبل بنسبة 1.18 في المئة أو بقيمة 23.2 دولار إلى 1989.8 دولار للأوقية. كما ارتفع سعر التسليم الفوري للذهب بنسبة 0.7 في المئة أو 13.89 دولار عند 1984.59 دولار، بعد أن قفز في وقت سابق اليوم إلى 2000.69 دولار، وهو المستوى الأعلى منذ أغسطس (آب) 2020.
كما ارتفعت العقود الآجلة للفضة تسليم مايو (أيار) المقبل بنسبة 0.93 في المئة عند مستوى 26.03 دولار للأوقية، وزاد سعر التسليم الفوري للبلاتين بنسبة 1.46 في المئة إلى مستوى 1144.5 دولار، كما صعد البلاديوم بنسبة 5.08 في المئة إلى مستوى 3154.81 دولار، بعد أن وصل في وقت سابق خلال تداولات، الاثنين، إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند 3172.22 دولار.